في ذكرى النكبة...... رسالة اعتذار لأمي....- زينب الغنيمي
أعتذر لك بالنيابة عن كل من يربطك بهم صلة رحم ، ومن يربطك بهم صلة أبناء المدينة الواحدة (يافا) التي تم تهجيرك منها قبل رحيلك عن عالمنا بنحو أكثر من ثلثي عمر النكبة ، وأعتذر لك بالنيابة عن كل الذين قدموا وعودا لك وجعلوك تحلمين بالعودة لبيتك الجميل ، ومن ثم غادرت عالم الأحياء هذا قبل واحد وعشرين عاما وكنت لازلت تقفلين عينيك الصغيرتين على نفس الحلم بألوانه الزاهية كلونهما.
ها نحن يا أمي وبعد انقضاء هذه المدة ، لم نتمكن من تحقيق حلمك ، ولكننا نشحذ هممنا بكل القصص الجميلة التي كنت تروينها لنا ، ذلك البيت في الطابق العلوي ، وتلك الشرفة الجميلة التي كنت تجلسين فيها مع أبي تتسامران ، وطقم الكنب الجديد الذي كنت كلما تذكرت بيتك تتباهين بأنه كان من أحدث ما كان موجودا في سوق يافا وأن ثمنه خمسة وثلاثون جنيها ، وكان والدي يشدد معك على هذه الجزئية ليقول كان الجنيه الفلسطيني أغلى من الليرة الذهبية ، وتسرحين بالقول بأنه لا يملك مثله سوى الملك عبدالله.
ها نحن نشحذ هممنا ونحن نستذكر روايتك عن مجلس جدتنا واستقبالها الصباحي يوميا لجاراتها ، حيث كانت تجلس في الصدارة وبجوارها عمتي الشابة وكيف كان المجلس يضم يوميا على الأقل خمسة عشرة سيدة يتحدثن ويدخن النارجيلة ، وتستدركين القول بأن هناك ثلاث خادمات من عائلات اليهود الذين كانوا مستأجرين في أملاك جدي يقمن على تنظيف الأراجيل وتقديم القهوة إلى باقي التفاصيل ، ولكن كنت تؤكدين لنا أيضا أنهن لم يكن يساهمن في إعداد الطعام لأن جدتنا كانت تشرف على ذلك وأنت وزوجة عمي تقمن بإعداده.
كنت تتحسرين وأنت تقصين علينا ذلك مع تنهيدة عميقة من قلبك الضعيف وتقولين ( شوفوا وين كنا وين صرنا ، راحت البلاد وراحت البيوت ، بس باقي معنا المفتاح وكوشان الملكية يعني الورق ، وكل يوم بنقول بكرة وبييجي بكرة وبنضل نقول بكرة بنرجع ، يا ترى بعد كل اللي صار واللي ماتوا واللي تشردوا راح يضل اشي نرجع له ).
وكنا نكبر أمامك ونحفظ القصائد الوطنية عن فلسطين والعودة ونكتب موضوعات التعبير عن فلسطين وحلم العودة ، وكلما استمعت لنا تستعيدين الذكريات وأنت لا زلت تحلمين.
أعتذر لك يا أمي لأنك قبل موتك لم تحققي حلمك في العودة لبيتك ، ولم تستعيدي خزانة ملابسك ولا طقم كنبك ، كما لم يستعد أبي مكتبته ، ولكن ما يمكن أن يريحك في قبرك أنت وأبي أننا لازلنا نحتفظ بأوراق البيت ، وأننا لم ننسى قصصك وروايتك عن يافا ولازلنا نرويها لأبنائنا وبناتنا وأولادهم ،
ولن ننسى .