القدس في دائرة الخطر الحقيقي- بهاء رحال
أرض القداسة والحضارة ومهد الرسالات السماوية وعاصمة التاريخ المنبعث من عمق التكوين تقف في المواجهة وحدها بعدما أحاطها الاحتلال بجدار الفصل العنصري وسلسلة المستوطنات التي تلفها من كل اتجاه حتى عزلها عن محيطها العربي وبقيت وحيدة تصارع المحتلين الاغراب تارة وتارة أخرى تستكين وتبكي عرباً باعوا روحهم وضمائرهم واكتفوا بالشجب والاستنكار والإدانة لعدو لا يكترث لضجيج القمم والمؤتمرات ولا يستمع لنداءاتهم بل يمضي في سياساته العنصرية ويسخر كل امكانياته الدولية والإقليمية ونفوذه المالي والاقتصادي والسياسي للاستيلاء على كل شبر في المدينة المقدسة بينما العرب منشغلون في أوطانهم فالبعض منهم يصارع ما يسمى بالربيع العربي والآخرون يتربعون على عرش النفط ومدخرات تصرف في حاناتهم ولا يصرف للقدس دولاراً واحداً.
دقت ساعة الخطر الحقيقي وصارت المدينة المقدسة وجهاً لوجه في مرحلة الحسم الذي أرادته دولة الاحتلال بهذا الشكل والسيناريو المعد مسبقاً والمخطط له منذ زمن بعيد أن يكون في الزمن البائس الذي فَقدت فيه القدس كل مقومات الصمود والتواصل، وعُزلت عن عمقها ومحيطها العربي وعاشت كل هذا الزمن الغريب المنكسر الذي أحاط بها من كل اتجاه وصارت القدس عاصمة العواصم وبلد الانبياء ووطن الحجيج والرسالات السماوية بلا زائرين وبلا حجيج إلا القليلين الذين يجاهدون بإيمانهم عند كل صلاة حتى يتمكنوا من الوصول الى أقدس بقعة بالعالم وليحافظوا على لغة المكان اولئك هم المقدسيون الذين ما زالوا يتمسكون بالقدس ويمسحون دمعها الباكي كل صباح وكل مساء.
يزداد التهديد الحقيقي للقدس التي في كل يوم تراها تزداد حزناً وهي تعيش حالة حصار ومواجهة دائمة مع جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين ينفذون اعتداءاتهم تحت حراسة مباشرة من جيش الاحتلال، ولا تجد أي صوت يعلو من بعيد لنصرتها سوى ما اعتادت على سماعه دائماً من خطابات وتصريحات لن تردع هذا المحتل الذي لا يفهم إلا لغة القوة ولا يتطلع الى الدعوات والتهديدات التي لا تحمل مؤشرات على الأرض لأنهم فهموا معنى الشعارات العربية التي تنطلق من الحناجر وتموت حبراً على ورق.