أيمن أبو داود .. اختار معركة الأمعاء لتحقيق الانتصار وقهر الاعداء - إسلام عبده
لا تتركوه يموت داخل السجن ، بهذه الكلمات بدأت زوجة الأسير أيمن أبو داود حديثها والألم يعتصر قلبها وملامح الحزن تنبع من صوتها المليء بالأوجاع حزناً على فراق زوجها داخل السجون والذي يخوض اضراباً مفتوحا عن الطعام منذ الرابع عشر من شهر ابريل للعام الجاري احتجاجاً على اعادة اعتقاله للمرة الثانية بعد أن أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار .
ولد الأسير أبو داود في مدينة الخليل عام 1982م وعاش معاناة الالم والقهر منذ الانتفاضة الأولى مروراً بمجزرة الحرم الإبراهيمي حيث شاهدة عينيه الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين من استشهاد وسرقة للأراضي ومصادرة البيوت، وإغلاق المحلات والطرق ، كل هذه المشاهد أثرت على شخصية بطل قصتنا أيمن وعززت بداخله حب الوطن والدفاع عنه .
الشاب الطموح
أيمن كما تصفه زوجته ذلك الشاب المتدين الطموح الذي تقدم لخطبتها منذ عام 2003 م ، وبعد زواجها به شعرت بسعادة غامرة أن الله منّ عليها بزوج صالح يتصف بالحنان والهدوء والتواضع ، فقد عاشت حياة سعيدة مع زوجها خاصة بعد أن رزقها الله بطفل الأول محمد ليغمر حياتهما بالسعادة والفرحة ، فلم يخطر في تفكير الزوجة لحظة واحدة بأن زوجها يوماً ما سيتركها دون عودة سيغيب فترات طويلة ، الى أن جاءت اللحظة المشئومة والتي قلبت حياتها رأسا على عقب حينما حاصرت القوات الإسرائيلية المنزل وقبضت على أيمن لتنقله الى التحقيق بتهمة التعاون مع المقاومة الفلسطينية وإصابة مستوطنين ، حيث حكمت عليه المحكمة الصهيونية بالسجن الفعلي مدة 36 عاما, علاوةً على أنها لم تكتفى بذلك بل أصدرت قراراً بهدم المنزل بالكامل .
مرت السنون تباعاً والأيام كلها مليئة بالحزن والقسوة على زوجة الأسير أيمن والتي قطعت عهداَ على نفسها أن تعطي حياتها لزوجها القابع وراء سجون الاحتلال وطفلها محمد الذي بات يكبر أمام عيناها ويسألها بطفولته البريئة "أين بابا" لتحتضنه ودموعها على تنهمر على خديها والصمت يلف المكان دون أي اجابه منها.
الأمل الجديد
بصيص أمل بعث من جديد في حياة الزوجة بالإفراج عن زوجها أيمن حينما أعلنت المقاومة الفلسطينية الاتفاق في الإفراج عن عدد كبير من الأسرى مقابل اطلاق سراح الجندي "الاسرائيلي شاليط " خاصة وأن أسم زوجها ضمن القوائم المفرج عنهم ليعود مكللاً بالانتصار الى بيته وأحضان زوجته وطفله محمد الذي أصبح ابن الثمانية سنوات ، بعد أن تركه ابن ثمانية أيام.
غمرت الفرحة بيت الأسير أيمن بعد الافراج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار ، وبدأ الطفل محمد يشعر بأن شيئاً جديداً تغير على حياته حيث بدأ ينطلق بكلمة بابا بعد أن افتقدها معانيها لسنوات طويلة ، ومنذ تلك اللحظة بدأ محمد شديد التعلق بوالده لا يفارقه اطلاقاً ، إلى أن جاءت الفاجعة الكبرى والتي لم تستوعبها زوجته وطفله الصغير حينما فوجئت بالقوات الاسرائيلية تهاجم منزلهم مطالبة زوجها ليتم اعتقاله للمرة الثانية.
انتكاسة أخرى
انتكاسة جديدة أصابت العائلة وخاصة الطفل محمد الذي لم يستوعب فراق والده بعد أن بدأ يعتاد على وجوده في البيت ، حيث تراجع تحصيله الدراسة بعد أن كان يحصل على أعلى الدرجات ، وهذا الحال لا يختلف كثيرا والدته التي كانت حامل في شهرها الثالث بطفلها الثاني فهذه المرة الهموم باتت أكبر ومشقة الحمل أصعب ، وهي وحيدة دون أن يكون بقربها زوجها ، فالأمل بالإفراج عنه بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً خاصة حينما طالب الادعاء العام إعادة الحكم السابق وتأجيل الحكم في قضيته أكثر من مرة .
مرت الايام والشهور ، حتى وضعت الزوجة طفلها الثاني – قتيبة – وزوجها وراء القضبان لا يعرف بقدوم طفله الثاني إلا بعد عشرة أيام من خلال زيارة المحامي ، حينها شعر بسعادة لكنها كانت ممزوجة بالحزن والأسى لعدم قدرته في احتضان طفله وطبع قبله على جبينه ، إلى أن جاء موعد زيارة زوجته وقتيبه في أحضانها في تلك اللحظة بدأت الدموع تنهمر من كلا الزوجين فأيمن لا يستطيع أن يحتضن ولده ، وزوجته لا تستطيع ان ترى زوجها جيداً بسبب الاسلاك الحديدية المتشابكة
وفي الزيارة الاخيرة بعد أن أصبح عمر قتيبه سبعة شهور سمحت إدارة السجن للأسير أيمن أن يحمل طفله بين أحضانه ويشتم رائحته ويقرب وجهه من طفله الصغير ويتمتم لحظتها بكلمات قائلاً:" أخشى أن تكون هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أتمكن فيها من حملك يا قتيبة"
لتشعر الزوجة وان قلبها بدأ يدق دقات سريعة خوفاً على زوجها ، فلم تكن تعرف ماذا معنى كلماته ، الّا بعد أن علمت قرار زوجها بالدخول في الاضراب المفتوح عن الطعام في معركة الأمعاء الخاوية رافعاً شعار إما تحقيق الافراج عني واما الشهادة.
ليبقى هذا هو الخيار الأصعب الذي قرر أن يمضى فيه أيمن بعد أن أغلقت كل الآمال بالإفراج عنه ، فهو يخوض اليوم اضراباً مفتوح عن الطعام على الرغم من تدهور حالته الصحية وفقده اكثر من 15 كيلو ، إلا أن إصراره لا يزال قوياً بالتمسك في حقوقه وانتزاعها من بين أنياب السجان فإما الافراج عنه وعودته سالماً الى عائلته وإما أن ينال شرف الشهادة