تقرير يكشف تداعيات انتهاكات الاحتلال بحق التعليم العالي في فلسطين
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
أبرز تقرير أعدته 'حملة الحق في الدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة' ونشرت نتائجه اليوم الاثنين، قيود الاحتلال على حركة ودخول الأكاديميين الأجانب لدولة فلسطين، وعلى وصول الطلبة والأساتذة إلى المدارس، وتداعياته على مستوى التعليم.
وركز التقرير على تقييد الحركة والدخول، والتي تؤثر على نوعية التعليم والحصول عليه، وتداعيات الإجراءات الإسرائيلية على الدخول والإقامة للأكاديميين الأجانب الذين يرغبون في العمل في مؤسسات التعليم العالي في فلسطين، لافتا إلى أن إسرائيل تعامل أي فرد لا يحمل بطاقة الهوية 'الفلسطينية' التي تصدرها إسرائيل على أنه أجنبي، حتى لو كان من أصل فلسطيني، وحتى لو كان مولوداً هو أو أهله في فلسطين، لذلك فالأكاديمي 'الأجنبي' يمكن أن يكون من أصل فلسطيني، أو دون جذور فلسطينية.
واستند إلى حالات معينة وشهادات من الخبرات المباشرة لأكاديميين أجانب حاولوا الدخول إلى الأرض الفلسطينية والعمل في جامعاتها، بالإضافة إلى المقابلات التي أجريت مع مسؤولين في الجامعات، وعمداء كليات ومحاضرين وطلبة في أربع جامعات فلسطينية، ثلاث منها في الضفة الغربية '(يرزيت، والقدس، وبيت لحم)، وواحدة في غزة (الجامعة الإسلامية).
واستند التقرير في توثيق ذلك إلى إفادة د. ريتا جقمان من معهد الصحة العامة والمجتمعية بجامعة بيرزيت، التي أكدت 'أن الحاجة ليست فقط لأساتذة أجانب أكاديميا، ولكننا بحاجة ماسة إلى تلك النافذة المفتوحة على العالم الخارجي لمصلحة طلابنا'.
وتابعت قائلة: مستوى التعليم الفلسطيني، وخاصة التعليم العالي، أصيب بنكسة شديدة بسبب الاحتلال الإسرائيلي الطويل، فقد تم إغلاق مدارس وجامعات لمدد طويلة، وتقييد وصول الطلبة، والموظفين، والأساتذة إلى المدارس ومؤسسات التعليم العالي، بسبب الإجراءات الشاملة والعشوائية لإجراءات التحكّم الإسرائيلي بالحركة الداخلية، وهذه التأثيرات على كل المستويات موثّقة بشكل جيد.
ويفصّل التقرير تأثير المضايقات الإسرائيلية على نوعية التعليم، ومدى تأثير عزل الأكاديميا الفلسطينية عن المجتمع الأكاديمي الأوسع، وعلى تطوّر المؤسسات التعليمية والتعليم العالي بشكل عام.
وتوصلت النتائج إلى أن القيود التي فرضتها إسرائيل على دخول وإقامة الأكاديميين الأجانب قد قلّصت إلى حد كبير فرص تطوير الأكاديميا والمساقات والبرامج البحثية في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية. وفي شرح مفصل للنتيجة السابقة، ففي العقد الأخير، وفي ظل تضاؤل استقطاب الأكاديميين الأجانب، فإن مؤسسات التعليم العالي قد قلصت من برامجها الدراسية، وقلّصت تطوير برامجها البحثية، وحُرم الطلبة من التعرّض للتنوّع في زوايا النظر، والأفكار الجديدة، والمستويات الثقافية، وطرق التفكير، ومفاهيم المعرفة المختلفة.
ولفتت إلى أنه في ظل النقص في الأكاديميين المؤهلين في المجالات عالية التخصص وتخومها البحثية، فإن القدرات البحثية تعاني من ذلك، كما أن اكتساب المهارات في اللغات الأخرى قد ضمر وتقلّصت قاعدة المعرفة، وسعتها في المؤسسات، مع الحرمان من التوجهات الجديدة، وتدفق المحتوى الجديد.
وأشارت النتائج إلى أن القيود الصارمة على الدخول والإقامة في الأرض الفلسطينية المحتلة جعلت الأكاديميين الأجانب أقل استعداداً لقبول مناصب تعليمية وبحثية في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، بسبب القيود العشوائية التي قد يتعرضون لها والتي لا يمكن التنبؤ بها، حيث لا تضع إسرائيل إجراءات ولا أساليب واضحة وشفافة عند إصدار 'فيزا' الدخول وتصاريح الإقامة لحاملي الجوازات الأجنبية الراغبين في زيارة فلسطين المحتلة، والعمل فيها.
وأوضحت أنه ليس لدى الأكاديميين الأجانب ضمانات معقولة بأنه سيُسمح لهم بالسفر إلى الجامعات الفلسطينية التي تستقطبهم، أو البقاء في فلسطين المحتلة طيلة مدة عقودهم الأكاديمية، أو العودة إليها بعد السفر للخارج حتى لفترات قصيرة ولأسباب أكاديمية أو شخصية.
وذكر التقرير أن الأكاديميين الأجانب الذين يتلقون عروضاً من الجامعات الفلسطينية تعرضوا لمنع الدخول بطرق عشوائية، ومُنعوا من تمديد إقامتهم في منتصف الفصول الدراسية، كما منعوا من العودة لإتمام مهماتهم التي تعاقدوا عليها، ومُنحوا أنواعاً من الفيزا التي تحدّ من حرية الحركة الداخلية.
ونتيجة لذلك، فإن أعداد الأكاديميين الأجانب الراغبين والقادرين على التدريس في الجامعات الفلسطينية يتناقصون، وأظهرت المقابلات التي أجريت عند إعداد هذا التقرير أن السبب المباشر هو عدم اليقين والصعوبات المتعلقة بالدخول وصعوبة تأمين التصريح بالبقاء لفترة محددة أو ممتدة من أجل تنفيذ أهدافهم الأكاديمية والتزاماتهم.
وتابع التقرير: فرضت إسرائيل لمدة عقود نظاماً من القيود الداخلية والخارجية على الدخول والحركة، وذلك على حساب التعليم العالي الفلسطيني والنشاطات الأخرى الحيوية، والاقتصادية والاجتماعية والتنموية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ضوء الطابع الاعتباطي والعشوائي لهذا النظام، وغاياته السياسية وتأثيره التخريبي على الحياة المدنية الفلسطينية، فإن هذا النظام التقييدي الشامل يخالف بشكل واضح القانون الدولي.
وشدد على الحاجة الماسة لخبرة ومشاركة حاملي الجوازات الأجنبية، ومنهم فلسطينيو الشتات، في دعم كل من هذه العمليات الحيوية.
واستذكر التقرير قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأحكام محكمة العدل الدولية، وحتى أحكام المحكمة العليا الإسرائيلية، التي تجبر إسرائيل على حماية وتسهيل عمل المؤسسات المدنية الفلسطينية، بما فيها مؤسسات التعليم العالي، وهي بالتالي مُطالبة أيضاً بأن تطبق سيطرتها بدخول وتواجد الأكاديميين الأجانب بطريقة لا تؤدي إلى الإضرار غير الضروري وغير المشروع بالتعليم العالي وبحق الفلسطينيين في التعلّم.
وبهذا الصدد، نوّه إلى أنه لا توجد أرضية مشروعة يمكن العودة إليها، لتبرير ضرورة فرض صعوبات على الأكاديميين الأجانب الذين يدرّسون في الجامعات الفلسطينية، ولا يوجد أي دليل على أن الأكاديميين الأجانب الممنوعين من دخول الأرض الفلسطينية المحتلة أو المحرومين من تمديد الفيزا وتجديد الإقامة لإنجاز التزاماتهم التعليمية يشكلون أي خطر أمني.
وورد في التقرير أن الدول عليها مسؤوليات هامة تجاه إجراءات التقييد غير الشرعية ضد الأكاديميين الأجانب، وينبع ذلك من واجباتها العرفية في القانون الدولي بأن تعارض، وأن لا تتواطأ في الاختراقات التي يتعرّض لها الأكاديميون، بما في ذلك واجب الدول في أن لا تعترف بشرعية أي خرق خطير للقانون الدولي، أو لوضع غير شرعي يفرضه هذا الخرق، وهذا الواجب يؤكده القانون الدولي للاحتلال على أنه واجب 'التأكد من الالتزام به... في كل الحالات' كما ورد في البند الأول المشترك لمعاهدات جنيف للعام 1949.
وخرج التقرير بتوصيات لمؤسسات التعليم الفلسطينية وممثليها، بما فيها الجامعات والأكاديميين المحليين، واتحادات التعليم الفلسطينية، ووزارة التعليم والتعليم العالي، ومنظمة التحرير، للعمل سوية من أجل مواجهة هذا التحدي.
ومن ضمن التوصيات الدعوة لوضع آليات داخل المؤسسات المعنية، لرصد أعداد الأكاديميين الأجانب ضمن هيئات التدريس، وإشكاليات الحصول على الفيزا للدخول والإقامة، وضياع البرامج الأكاديمية والكلفة التي تتحملها تبعا لذلك، وضرورة اتخاذ إجراءات مشتركة تجاه القيود على الحق في الدخول التي تمارسها السلطات الإسرائيلية بحق الأكاديميين الأجانب، بجانب تفعيل شبكات 'الحق في التعليم' (Right 2 Education) في قطاع التعليم في مجمل الأرض الفلسطينية المحتلة وعالمياً لرصد هذه القضية والتعامل معها.
كما أوصى التقرير بالعمل على أن تكون نتائج سياسة القيود على الدخول والحركة في التعليم مفهومة بالكامل من قِبل مؤسسات حقوق الإنسان محلياً وعالمياً ومن قِبل دول الأطراف الثالثة، وأن تقوم وزارة التعليم العالي بإثارة قضية الدخول والإقامة ليتبناها الدبلوماسيون الفلسطينيون في الخارج.
ودعت الحملة المعدة للتقرير إسرائيل إلى التوقف الفوري عن إجراءاتها العشوائية والتعسفية، لمنع دخول الأجانب المتوجهين إلى الأرض الفلسطينية المحتلة للمساهمة في تطوير التعليم، ومطالبتها بتبني سياسة واضحة وموثّقة وشفافة تجاه الأجانب المتوجهين إلى الأرض الفلسطينية المحتلة للمساهمة في تطويره، وإلغاء ختم 'غير مسموح له/ـها العمل' على الفيزا التي يحصل عليها الأكاديميون أو الباحثون الذين يعملون في الجامعات الفلسطينية بمعرفة السلطات الإسرائيلية.
ومن جملة المطالبات الموجهة لإسرائيل: منح فيزا متعددة الدخول للذين يطلبون تمديد الفيزا مع عائلاتهم، وتوفير ضمانات صريحة بأن الذين حرموا من الدخول سابقا سوف يسمح لهم بالدخول مجدداً، وإنهاء الإجراء القاضي بإصدار تصاريح تقيّد الدخول والعودة ثانية، أو تحدد منطقة الزيارة 'الضفة الغربية'، وإنهاء الإجراء القاضي بإصدار تصاريح لمدة أقل من ثلاثة أشهر إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، بجانب التوقف عن العقوبات الجماعية التي يتعرّض لها أقرباء الذين 'تجاوزوا' مدة إقامتهم حسب الفيزا الأولى.
ودعا التقرير أطراف الدول الثالثة ذات علاقات الصداقة مع دولة إسرائيل إلى مطالبتها بتبني وتطبيق سياسة واضحة وموثّقة وشفافة تتيح الدخول بدون معيقات إلى الأرض الفلسطينية المحتلة للمواطنين الأجانب القادمين للتدريس، أو تطوير العملية التعليمية، ومنح الدعم الدبلوماسي لمواطنيهم القادمين إلى فلسطين للعمل كمربّين وأكاديميين وباحثين، ورصد وتسهيل دخول مواطنيهم المتجهين إلى الأرض الفلسطينية المحتلة لتقديم الخدمات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
كما طالب هذه الأطراف برصد واتخاذ الإجراءات لدى السلطات الإسرائيلية، من أجل تسهيل الإقامة لمواطنيهم طيلة مدة عقود عملهم أو فترات أبحاثهم، والإصرار على تحدي القيود التي تفتقر إلى التبرير الشرعي بحق الإجراءات التي تُفرض على مواطنيهم، والترويج لفرض التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني، وذلك باتخاذ إجراءات مبنية على مبدأ التبادلية لتأمين المعاملة الصحيحة لمواطني إسرائيل الراغبين بزيارة بلادهم، مقابل المعاملة الصحيحة لمواطنيهم الراغبين في دخول الأرض الفلسطينية المحتلة، من خلال الحدود التي تتحكم فيها إسرائيل.