معالي "الفيسبوكيين" العرب: تواضعوا- موفق ملكاوي!
مجتمع غريب، تتضخم فيه "الأنوات"، وتتعدد أشكال الشطط و"البهرجة"، حتى لنكاد نعتقد أننا نعيش في المدينة الفاضلة، لولا أننا نكتشف أن الشعراء كثيرون، وهم كانوا مطرودين من تلك المدينة.التواضع صفة غائبة في مجتمع الفيسبوك العربي، فأقل الموجودين "كاتب"، وثمة صفات لا يمكن أن يخطئها اللسان، ولا العين كذلك، على شاكلة: الفنان/ة، الأديب/ة، الشاعر/ة، الصحفي/ة، الإعلامي/ة، المفكر/ة، الأكاديمي/ة، وغيرها من الصفات الكثيرة التي يضيق القاموس أحيانا عن حصرها. غير أن أكثرها إثارة للحنق، وربما الغضب الشديد، لا بد أن يكون التعريف عن الاسم بـ"سابقة" تقول: المخترع/ة!
العرب، والأردنيون على رأسهم، لا يعرفون معنى للتواضع. وهم لا يضخمون "أنواتهم" أو "ذواتهم" بمجرد تلك الصفات التي يخلعونها على أنفسهم جزافا، بل يتعدون تلك "الجريمة" نحو سلوك آخر، لا يقل عنها تزويرا وبهتانا، وهو ممارسة النقد الأدبي والإبداعي والثقافي.نعم، إنه النقد المهلك، الذي لا يضع ضوابط للإبداع، بل هو من نوع تزوير الواقع، واتخاذ الإبداع مشاعا لكل صاحب "كيبورد".
رأينا ذلك على حوائط كثير من مشتركي العرب في "فيسبوك"، فكم من صفات إبداعية نهائية مطلقة تم خلعها على مبتدئين ما يزالون يخطئون بقواعد الهمزة، ويجهلون التفريق بين الجملة الاسمية وأختها الفعلية.
رأينا مبدعين حقيقيين ينساقون إلى "تهلكة" حب الانتشار عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، فانبروا يمنحون "صكوك غفران إبداعية" لكل شخص خط جملة في العراء، حتى لو كانت "ملطوشة"، فهم يستدلون على "الإعجاب" بـ"إعجاب" مقابل، وكأنما يقلبون الحقائق بتمثلهم قول الشاعر "لا يذهب العرف بين الله والناس".
إن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي، وناشطيها المحليين، لا بد سيكتشف حجم الزيف والتزوير الكبيرين اللذين نعيش فيهما، إذ قلما نجد أحدهم على تلك المواقع لا يستخدم "ألقاب التفخيم" من الصفات الإبداعية، والتي يعتقد أنها تزيده وصولا إلى الناس.إنها لا تتعدى أن تكون أمراضا نفسية واجتماعية، وعقد نقص نحاول رتقها عن طريق إضفاء صفات نعتقدها تزيح "الأكسدات" عن صدئنا، وتطلقنا من جديد، بلا نواقص ولا هِنات!
هذا أمر يفترض أن لا يحدث وسط مجتمع "يتوسع" في إطلاق الألقاب "الرنانة" على مريده، غير أنه يفي بالغرض في مواقع التواصل العربية، والتي لا تضع اشتراطات كبيرة لإضفاء صفة الإبداع والثقافة على أي كان.
أحدهم، أو إحداهن، يضع، أو تضع، عشرات من عناوين الجوائز التي تم "احتكارها" خلف الاسم الرسمي لهم، وآخرون، يضعون قائمة طويلة، لا تكاد تبين لها نهاية، بأسماء المؤلفات التي "اقترفوها" خلال مشوارهم الإبداعي القصير، وفئة ثالثة تختص بمنح "صكوك الغفران الأدبية والثقافية" على كل من ساقه القدر إلى أن يجرب "طلاسم" مواقع التواصل الاجتماعي.تلك نماذج حقيقية من مجتمع الفيسبوك العربي، والأردني على وجه الخصوص، فالأميون وقليلو الموهبة، وسارقو النصوص، هم من يتصدرون المشهد برمته.
أما المبدعون الحقيقيون، فهم يتوارون خجلا، ويعرفون عن أنفسهم بأسمائهم المجردة، من غير ألقاب تفخيمية تلقي ظلالا سوداء على جهلهم لكي لا يراه الآخرون.تلك معضلة ثقافية، تتعدى إشكالية "تجميل النفس"، لتصل إلى عقدة النقص المستعصية لدى أمة بأكملها.
إنها عقدة نقص غير قابلة للشفاء في الوقت المنظور، فالمهزومون يعتبرون، حتى السرقات الأدبية والتشبه والتمثيل، فرصة لحالة من البطولة، حتى لو كان على شكل "خيال مآتة"، لا أكثر.
تواضعوا قليلا أيها العرب، وانظروا حجم إسهاماتكم في الحضارة الإنسانية، لتدركوا مدى "إبداعكم"!
تلك مجرد نصيحة، ودعوة بريئة.