حماس: الدولة وسيطا للرّب و"شبلونة" فتحي حماد- جهاد حرب
(1) حماس: الدولة وسيطا للرب
بعث ربُ العالمين رسله للناس لإلغاء الوسيط المتخذ من قبلهم في العلاقة بينهما للتأكيد أن العلاقة بين العبد وربه هي علاقة خاصة؛ فأركان الايمان تشير بوضوح "الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" إلى خصوصية العلاقة أي "ضميرية" وهي لا تحتاج الى اعلان أو تصريح عنها. كما أن اركان الاسلام "الشهادتان والصلاة والصوم والزكاة والحج" هي أيضا احكام تتعلق بعلاقة العباد بالله كأفراد على الرغم من الشكل الجماعي الذي يتخذه تنفيذها أو القيام بها من قبل المسلمين.
طبيعة العلاقة بين العبد وربه التي فرضها الله على العالمين هي علاقة مباشرة لا تحتاج إلى صنم كما كان يفعل العرب في الجاهلية أو حكومة كما ترغب بعض الحركات السياسية الدينية؛ ولو أراد الرّبُ وسيطا لحدد في الكتب السماوية ذلك بوضوح، وللتدليل على ثنائية العلاقة وخصوصيتها وعد الله من يسلك القواعد المحددة في الكتب السماوية يوم القيامة بالجنة لينعمون فيها، ومَنْ يُخالفها بجهنم يصلون نار حامية عما اقترفوا من ذنوب.
وهذه العلاقة المباشرة والخاصة التي تربطهما تأتي في اطار الحيز الخاص للفرد في تحديد اطر العلاقة بالرب، لكن العلاقة مع الدولة والحكومة ومع المواطنين تأتي في اطار الحيز العام؛ وهنا لم يحدد رّب العالمين وصيا عليها يمنح صكوك غُفران، كما لم يتحدث التاريخ الاسلامي عن الدولة الاسلامية أو شكلها وطبيعتها، حتى في زمن النبي مُحَمَدٍ عليه السلام كانت دولة المدينة دولة جميع مواطنيها على الرغم من الاغلبية الاسلامية فيها.
تقوم حركة حماس وحكومتها في قطاع غزة منذ العام 2007 بمجموعة من الاعمال التي تمثل انتهاكا للعلاقة ما بين الرب وعباده، باعتبارها وسيطا أو فرض الدولة لتنفيذ الوصاية الدينية على الشعب الفلسطيني، وفرض نمطا سلوكيا معينا ونمط حياة على المواطنين في قطاع غزة من وجهة نظر حزب سياسي يتبنى عقيدة محددة، على الرغم من أن أغلب الشعب يدين بها ولا يختلف في ممارسة الطقوس الدينية، لكنه يختلف مع هذا الحزب وأتباعه في انماط الحياة وسلوكهم البشري.
من هذه الممارسات التي جاءت عبر قوانين وإجراءات ادارية حكومية و/ أو حزبية؛ اصدار قانون الزكاة القاضي بإنشاء مؤسسة الزكاة التي تتولى التأكد من سلامة تطبيق فريضة الزكاة على المواطنين والتحقق من التزام المواطنين بذلك وجبايتها فعليا من البعض من خلال الخصم من رواتبهم مباشرة، واصدار قانون تعليم يتضمن فصل الأولاد عن البنات ممن هم في الصف الثالث ابتدائي ليشمل كل مراحل التعليم بما فيها الجامعية، وقبلها تأنيث مدارس البنات بمنع عمل الرجال في هذه المدارس أي بمعنى اخر منع الجنسين "المرأة والرجل" من العمل معا، وكذلك فرض لبس الحجاب على طالبات جامعة الازهر في قطاع غزة، وتأكد شرطة حماس "على غرار رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ممن يسيرون على شاطئ غزة أو يجلسون في سيارة من انهم على صلة قرابة أو مُحرم، ومنع النساء من تدخين النرجيلة "الارجيله" في المقاهي، ومنع أنواع من قص الشعر أو اطالته وإجبار الشباب على حلق شعر الرأس ممن لا يلتزمون بذلك بعد اهانتهم وضربهم في مراكز الشرطة التابعة لحكومة حماس وتحديد طريقة اللباس الخاص بالشباب، وقيام وزارة الأوقاف بحملة الفضيلة في القطاع.
وآخر هذه الأمور ما ورد في مشروع قانون العقوبات المدرج على جدول أعمال كتلة حماس البرلمانية في المجلس التشريعي بقطاع غزة التي تأخذ بمجموعة من العقوبات كقطع اليد والجلد تتنافى اليوم مع القيم الانسانية. ان قيام كتلة حماس بإدخال هذه العقوبات سواء كان ذلك تحت ضغط غلاة جناح الدعاة في حركة حماس أو في اطار المنافسة/ المزايدات مع مجموعات متطرفة ناشئة في قطاع غزة للحفاظ على جمهور من المؤيدين الذين يجنحون نحو ايجاد الدولة الدينية لتمنح صكوك غفران جديدة في العالم الاسلامي.
ان فرض نمط حياة على المواطنين يعكس في أحد اوجهه منع حرية الاختيار وكبت الحريات وتشويه الصورة البشرية وإنسانية الانسان، واغتصاب القيم الانسانية المتعلقة بالتنوع والتعدد. لكن هذا الامر يخرق بشكل كبير العلاقة الخاصة ما بين المؤمنين وربهم. ويبدو أن الحكومة في قطاع غزة وحماس لم تقرأ للعلامة محمد الغزالي قوله "الاكراه على الفضيلة لا يصنع الانسان الفاضل كما أن الاكراه على الايمان لا يصنع الانسان المؤمن فالحرية اساس الفضيلة"
(2) مستوى الرجولة و"شبلونة" فتحي حماد
أثار تصريح فتحي حماد وزير الداخلية في قطاع غزة حول فحص منسوب/ مستوى الرجولة لدى الفلسطينيين بطرافة، طبعا في قطاع غزة، مسألة أداة القياس التي سيستخدمها وزير الداخلية وأجهزته الأمنية في عملية الفحص؛ هل ستكون مقياس فحص الزلازل "رختر" لقياس مدى عنفوان الرجولة؟ أم دراسة اكتوارية للقياس المستقبلي للرجولة في الشخص المفحوص؟ أم على طريقة فحص العذرية الذي قد يؤدي الى خصي المفحوص وبالتالي لا يبقى ذكورا يمنحون الشعب الفلسطيني الخصوبة؟ أم المقياس يتعلق بحمل السلاح وهنا الوزير يقصد أن أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني لسوا ممن يتصفون بالرجولة؟ أم على مقياس الحائك وشبلونته لقص القماش وانتاج الملابس لخلق موديل من المواطنين المتشابهين لا نفرق بينهم في شيئ مما يعني أن وزير الداخلية فتحي حماد سيتحول الى "مصمم أزياء عفوا رجولة"؟ أم أن لدى الوزير مقياسا خاصا به لنوعية ومنسوب الرجالة.
ويبدو أن الوزير هنا قد اقتصر الرجولة على الذكور ولم ينظر الى نصف المجتمع "الاناث" الغائب في تفكيره في العمل العام والفعل العام، كما يبدو أنه غاب عن بال الوزير أن المفهوم الشعبي للرجولة هو من يذود عن الحق سواء كان صاحب الفعل رجلا أم امرأة.
ملاحظة: كلمة "شبلونة" تم استعاضتها من post للزميل الصحفي محمد الرجوب على صفحته الخاصة على الفاس بوك، شكرا محمد.