وترجل الفارس ... وداعاً أبا علي ...- هنادي صادق
فجأة، ومن دون وداع ، وبصمت مريع، آثر أبو علي أن يرحل عن دنيانا ، إذ توقف قلبه عن الخفقان، وكأنه أحس بدنو الأجل فقرر أن لا يموت إلا في الوطن ، رأيته مسجى على السرير ففرت الدموع من عيني وبكى القلب على فراق الأحبة ، فهذا جيل العظماء يغادرنا بصمت قاتل ، قد يكون أبو علي خسر معركته مع الجسد ، بعدما تمكن مرض في الكبد من التغلب عليه إثر صراع طويل ، لكن الأكيد أن الفتحاوي الثائر والختيار المفكر قد ربح معركة أكبر ستحفر في التاريخ تاريخاً جديداً يمتد إلى سنوات وسنوات مقبلة فإرثه في العمل العسكري وفي أدبيات السجون وفي العمل السياسي والتنظيمي سيبقي ينهل منه تلاميذه وأصدقائه وزملائه .
فمثلي مثل كل الشباب من جيلي فتحنا عيوننا وعقولنا الفكرية والثقافية على تاريخ وإحداث الانتفاضة الأولى ضد العدو الصهيوني والذي كان أبو علي شاهين فارساً من فرسانها وقائداً لا يشق له غبار ولقد أدار هذه المعركة بكل إقتدار وكان يحفز الجميع على العمل والإبداع بكل عزم وإصرار .
رحل من كان نبض انتفاضة ، مارداً بعيدٍ عن الإحتواء ولا يعرف الإلتواء ، قلمه في الحق كالرصاص ، يترفع عن الدسائس ويغض الطرف عن الصغائر ، إنه «نبض» أُستوحي من رحم المعاناة من عذابات السجون من آهات الثكالى من أمهات الشهداء من رفقاء السلاح ممن كانوا يخفضون الجناح وعلى قاعدة المحبة كان النقد عندهم مباح . عندما كنت تراهم تسمع كلامهم تعشق صحبتهم .. ترى في وجوههم قسمات العذاب وقانون الأحباب .. يقبضون على الجمر ويمشون على الصخر ، ويبيتون على الرماد ، ويهربون من الفساد ، صادقةٌ ألسنتهم ، كالرصاص كلمتهم وغير متلون جلدهم كلماتهم عفيفة وجلساتهم شريفة ، أبطال تبكي السماء لفقدهم وتحزن الأرض لفراقهم . نم قرير العين يا ختيار, حرسك الله ورعاك يا وجه الوطن الخفي , يا وجها لا يقاتل – في زمن القتل بالمجان- من أجل أحد أي أحد ، نم شفيف الروح , فأنت البطل الحقيقي في أعراس الدم الوطنية! ونحن, الذين ننظر الى موتك بخدر الموتى واستسلامهم, لسنا سوى ممثلين هامشيين في نص غريب , نص وحشي, كتبته أقلام لا تعرف لغات الرحمة ونواميس العدل وأدب الإختلاف , ولا تكاد تعرف شيئا عن قارب الأمل الذي يحمل الختيار , الراحل نحو الأبدية و السرمدية نحو الخلود ... فنم قرير العين فلن تربح تجارة من خاصمك لأن محبيك ومريديك ومن تربي على يديك هم من سيرعون تراثك وتاريخك ومسيرتك الطويلة .