الحقوا المواطن... - هاني عوكل
أي سلام هذا الذي ينعم به المواطن الفلسطيني المنكوب من جميع الجهات ومن أغلب الاتفاقيات؟، ابتداءً بالنكبة الأولى وحتى مسلسل النكبات المتتالية، الداخلية منها والخارجية المرتبطة بالفعل الإجرامي الإسرائيلي الدائم؟.
أستعين بالعنوان الموضوع في المقال لأستجدي سلطتنا وجميع قيادتنا بالكف عن الاقتتال الداخلي، الذي يستهلك أعصابنا وعمرنا ورصيدنا الوطني وجيوبنا ووحدتنا الأسرية والأوسع منها، أقول لهؤلاء: إلى متى ستتوقف طفولتكم وعدم قدرتكم على حصر مشكلاتكم، وتوجيه طاقاتكم في خدمة المجموع الفلسطيني؟
الناس في فلسطين المحتلة ترتب أولوياتها اليوم وفقاً لأوضاعها، فهناك من يضع الجانب النضالي في رف، ويستدعي خطورة وضعه المعيشي الصعب، وهناك من يلعن ويسب الانقسام ويرغب في البحث عن جنسية غير فلسطينية، حتى يغير جلده ويخرج عن الملة الفلسطينية وينعم بالسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تجود به بعض الجنسيات الأوروبية والأجنبية.
الشباب يشكلون شريحة كبيرة في المجتمع الفلسطيني، وهم متضررون إلى أبعد الحدود، إذ هناك طوابير مؤلفة من الخريجين وأصحاب الشهادات الغنية بالعلم، هؤلاء معظمهم عاطلون عن العمل، بينما جزء كبير منهم يرغب في هجر البلاد وأهل العباد.
نعم، جزء كبير منهم يريد الخروج من فلسطين للبحث عن طوق نجاة، وجزء آخر لمجرد أنه يسمع اسطوانة الانقسام المشروخة، فهو يرغب في هجر الفصائل وأصحاب الانقسام، بعد الكثير من الوعود المتعلقة بالعودة عن الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية.
الأخطر من بين هؤلاء، أولئك الذين أحبطهم الانحطاط السياسي والاقتصادي والمعيشي، وبدأ يشكل ذلك ردة فعل قوية تنعكس سلباً على بطاقة هويتهم وعلى انتمائهم الوطني، ذلك أن حالات كثيرة انخفض منسوبها الوطني وتحديداً بسبب الانقسام الداخلي.
داخلياً نعاني من مأزقين كبيرين، فالسياسة هنا أصبحت لعنة وكذبة يعرفها الصغير والكبير، وأجزم أن الكثير من شرائح المجتمع باتت تغادر مربع الفصائل وتهجر أصحاب الانقسام، بينما المواطن غير مرتاح لا في الوضع السياسي ولا الاقتصادي ولا حتى الاجتماعي.
أقصد بهذا، أنه لا توجد ولا بادرة انفراج في أوضاعنا، بحيث لو كان هناك مأزق في السياسة يعوض عنه بأريحية اقتصادية أو اجتماعية. هذا مع الأسف لا يوجد عندنا، ذلك أننا نعيش مرحلة عدم اليقين، وهناك تدهور دائم في هذه الجوانب وحده المواطن يدفع فاتورتها.
الوطن مشطور إلى أكثر من قسم، ويتداول في حدود سلطتين محليتين وفوقهما سلطة الاحتلال الإسرائيلي، والاقتصاد مأزوم إلى درجة كبيرة، وزاد الطين بلة أن الاقتصاد الوطني مضروب وضعيف وغير قادر على الإنتاج والنهوض، وهو مرتبط بالسوق الإسرائيلية أساساً وبالأسواق العالمية.
حتى في قطاع غزة، إذا ضُربت الأنفاق سنجد ارتفاعاً في الأسعار أو فقدان أغلب المنتجات "النفقية" من السوق، وسيتحمل هذه الفواتير المواطن الفلسطيني، مثلما سيتحمل بعد اليوم، حوالي 8.8% زيادة على فاتورة الكهرباء الشهرية، في الوقت الذي ارتفعت فيه ضريبة القيمة المضافة في الضفة الغربية 1%، وزاد سعر السجائر والبنزين والسولار بشكل ملحوظ.
ماذا نقول عن الوضع الاجتماعي؟ هناك آلاف من القصص والمآسي التراجيدية في هذا الجانب، وبشمل حالات الشجار العائلي بسبب تشكيلة الانتماء الفصائلي المختلفة في قلب الأسرة الواحدة، ما تزال قضايا الانتحار والطلاق مرتفعة، ويجري قتال دموي وثأر في فلك الأسرة النووية.
أما في الصراع مع إسرائيل، فما حققناه بالنضال الوطني جمدناه وفقدنا جزءا منه بالمفاوضات والسياسة، ويبدو أن حالة عدم اليقين هذه، مصت دماء الدولة الفلسطينية المستقلة، سواء بالأعمال الاستيطانية المستمرة، أو بالتعدي على الحقوق الفلسطينية من عمليات تصفية واعتقال ممنهجة.
في القمة الاقتصادية العالمية الأخيرة بالبحر الميت، قال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس إنه مع حل الدولتين وأن نظيره أبو مازن يسعى من أجل السلام، في حين لم يقدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري خطة مكتوبة وواضحة للخروج من حالة الجمود السياسي.
يدرك كل فلسطيني أن بيريس لم يمارس في حياته سوى الكذب والمراوغة، ولعله فتح مدرسة وخرج جيلاً من المراوغين، ثم إنه في موقع لا يسمح له بالتفاوض، حتى أن أعضاءً من حكومة بنيامين نتنياهو انتقدوا تصريحاته وتساءلوا إن كان يعمل ناطقاً باسم الحكومة.
وخلال هذه التصريحات، كان يجسد نتنياهو خيار عدم اليقين، وربما يرفض السلام الاقتصادي الذي اقترحه كيري، بإطلاق المستوطنين يعيثون فساداً في الأرض الفلسطينية، مع تحرك الجرافات لبناء 1000 وحدة استيطانية في القدس الشرقية.
ثم هل يقول لنا الأخ كيري كيف يمكن تطبيق السلام الاقتصادي بعيداً عن السلام السياسي؟ طالما وأن السياسة غائبة عن النشاط الاقتصادي، فإن أي مشروع مهما كان ضخماً، لن يقود مسيرة التنمية ولن يجلب الأمن للشعب الفلسطيني، لأن إسرائيل حسمت الصراع بتأكيد مرحلة عدم اليقين.
إن المشروعات الاقتصادية عندنا مثل ملف الأسرى في سجون الاحتلال. أنت تبني مشروعات خدمية ومطار ومراكز تسوق، وفي لحظة ارتفاع الصراع مع الاحتلال، تجده يسويها جميعها في الأرض، وكذلك ملف الأسرى، حين يفرج الاحتلال عن معتقلين فلسطينيين، يأتي علينا يوم وأيام يكون فيها الاحتلال قد مارس هذه السياسة "التافهة" بحق معتقلينا وأسرانا.
أعتقد أن جواب بيريس على طلب كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات قد وصل بقوة، حين دعا الأخير بيريس لإقناع نتنياهو قبول مبدأ حل الدولتين على أساس حدود العام 1967. الأعمال الإرهابية والاعتداءات المتكررة الاستيطانية والاستيلائية ردت جيداً على هذا الطلب الفلسطيني.
المحصلة أن المواطن الفلسطيني يعيش حالة من عدم اليقين، في السياسة الداخلية ومختلف فروعها، وفي طبيعة الصراع مع الاحتلال، وهذه السياسة خطرة جداً جداً على الإنسان نفسه، وعلى الوطن والقضية، وأحذر من على هذا المنبر أن شبابنا يائس إلى أبعد الحدود ويعيش في حالة إحباط شديد.
أقول إن شبابنا ومجتمعنا محبط، ولا تجعلوا من كل إنسان طلقة، فإذا "أكلنا هوا" مع الاحتلال ولا حول ولا قوة لنا بهذا الوضع، علينا في المقابل أن ننشد الأمن لحالنا الداخلي وأن نوحد صفوفنا، ونحسن من وضعنا الاقتصادي والاجتماعي.