حين تكون اقتراحات كيري صناعة اسرائيلية- معتصم حمادة
المهلة الزمنية التي طلبها جون كيري، حين تولى الخارجية الاميركية، لدراسة ملف الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي اسفرت عن مجموعة افكار تمهيدية ، قدمها باعتبارها تساهم في تحسين الاجواء بين الطرفين، وتحضر الحالة النفسية للدخول في المفاوضات من بين هذه الافكار:
■ امكانية استئناف المفاوضات دون وقف الاستيطان، وإن كانت واشنطن لا زالت تؤكد، لفظياً، ان الاستيطان يعرقل التسوية.
■ ابداء حسن النية الاسرائيلية باطلاق سراح أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال تابعين لفتح ممن اعتقلوا قبل التوقيع على اتفاق اوسلو [أي اصحاب الاحكام الطويلة، والطويلة جداً].
■ اعطاء الاقتصاد الفلسطيني جرعة قوية من خلال توفير 4 مليارات دولار لتشييد مشاريع البنية التحتية، وانعاش الاقتصاد الفلسطيني في المنطقة (ج) الخاضعة بشكل مباشر وكامل للاحتلال.
■ ادخال الاردن على خط التسوية، للمزج بين الحل الثنائي والحل الاقليمي [قضايا القدس واللاجئين والمياه والأمن والحدود وهي كلها ذات صلة مع الأردن].
■ دور معين لمصر في لجم حركة حماس والزامها باتفاقية التهدئة، حتى لا تعكر الحرب في القطاع اجواء التسوية.
كنا نعتقد حقاً ان ما قدمه كيري هو من بنات افكاره، ولكن اذا عدنا إلى تقرير، اعده معهد الأمن القومي اليهودي في تل أبيب في نيسان (ابريل) الماضي، لاكتشفنا ما هو مذهل. اقتراحات كيري هي نسخة طبق الاصل لتوصيات فريق الباحثين الاسرائيليين الذي أعد التقرير، وعلى رأسهم جلعاد شير، المستشار القانوني للوفد الاسرائيلي الى مفاوضات اوسلو، والمفاوض الرئيسي مع احمد قريع لتنفيذ الاتفاق المذكور.
التقرير الاسرائيلي يستبعد الوصول إلى اتفاق شامل مع الجانب الفلسطيني، لكنه يتوجس في الوقت نفسه من تعطل المفاوضات وانعكاس ذلك على مكانة الرئيس محمود عباس، لذلك يدعو، عبر سلسلة من التوصيات، لتحصين مكانة عباس، خاصة في الجانب الاقتصادي، والمزج بين الحل الثنائي والحل الاقليمي عبر اشراك الاردن، ومصر. الاردن كي يكون شريكاً ليس في حل قضايا الحل الدائمة، فحسب، بل للتواجد العسكري، الى جانب الفلسطينيين والاسرائيليين على المعابر الى الدولة الفلسطينية، ولمدة لا تقل عن اربعين عاماً، لضبط الحركة الى الضفة ومنع تدفق اللاجئين بغير حساب. أما مصر، فلكي تتولى الاشراف على قطاع غزة، بعد الاعلان لجنة منطقة محررة، وضبط أوضاعه الامنية ووقف كل اشكال العمل المسلح من داخله ضد اسرائيل.
لا تقف المفاجئة عند هذا الحد. بل تتعداها نحو الحالة الفلسطينية بحيث يصبح السؤال كالتالي: ألم يطلع المفاوض الفلسطيني على وثيقة معهد الأمن القومي اليهودي، عند صدورها في نيسان الماضي. وبالتالي ألم يلاحظ كيف ان كيري تبنى الافكار والتوصيات والاقتراحات الاسرائيلية وقدمها على انها اقتراحات اميركية.
اذا كان الجواب نعم. فتلك مصيبة ان يقبل المفاوض الفلسطيني افكار كيري دون الكشف عن مصدرها.
واذا كان الجواب لا فالمصيبة أكبر، بل اكبر بكثير، لان هذا يدلل على غياب المتابعة من قبل الوفد الفلسطيني المفاوض والفرق المعاونة له، كما ان هذا يدلل على غياب كل اشكال الرقابة الشعبية والمؤسساتية، على عمل القيادة الفلسطينية إن على مستوى م.ت.ف، ولجنتها التنفيذية، أو على مستوى الحكومات الفلسطينية المتعاقبة.
في كتابه "الحياة مفاوضات" يعترف صائب عريقات، رئيس الوفد الفلسطيني ان الولايات المتحدة لا تعرض على الفلسطينيين أية اقتراحات الابعد موافقة اسرائيل عليها. الان انتقلنا الى صيغة جديدة حيث باتت الافكار الاميركية صناعة اسرائيلية كاملة. فهل يصحح "أبو علي" كتابه. ■