أطفالنا في غزة ضحايا حرب إعلامية- عبد الناصر النجار
لم تنتظر سلطات الاحتلال كثيراً حتى تستثمر صور المخيمات الصيفية التي تقيمها بعض التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة؛ لتؤكد للعالم أن الشعب الفلسطيني شعب دموي، يُربي أطفاله منذ صغرهم على حمل السلاح والكراهية والقتل وما إلى ذلك من الشعارات الممجوجة. والصحافة الإسرائيلية كمُكمِّل لسياسات حكومتها لم تتوان عن نشر عشرات المقالات التي تتحدث عن هذا الموضوع.
قبل أكثر من عقد من الزمان وبعد إثارة هذه القضية كان لي رأي فيها، وهو أننا يجب ألا نزجَّ بأطفالنا في مثل صراع إعلامي كهذا.. خاصة أن الاحتلال يستغل هذه الصور والأخبار للتحريض على الشعب الفلسطيني وقياداته وتنظيماته المختلفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه حقيقة: هل نحن بحاجة إلى مثل هذه المخيمات؟ وهل نحن قادرون على تحميل قطاع الطفولة الفلسطيني أكثر مما يحتمل؟ وهل الطفل الفلسطيني يقع ضمن فئة "العسكر"؟
الإجابة عن هذه التساؤلات، ربما تعيد كثيراً من الرؤى إلى سكة الصواب، وبناء عليه فإن قطاع الطفولة الذي عانى، وما زال يعاني، كثيراً من ممارسات الاحتلال بحاجة إلى الترويح بل وإلى تفريغ نفسي.
فالطفل الفلسطيني بحاجة ماسّة إلى أن يعيش طفولته المحروم منها بفعل الاعتداءات الإسرائيلية بكافة أشكالها من القتل إلى الاعتقال، فالشهداء الأطفال في الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة بلغت نسبتهم أكثر من 30% من ضحايا الاعتداءات، إضافة إلى الأمراض النفسية والجسدية التي لحقت بهذه الفئة المهمة، والتي هي أساس مستقبل هذا الشعب.
سلطات الاحتلال توزّع صور أطفالنا وهم يتدرّبون على السلاح ويرتدون الملابس العسكريّة في كل أنحاء العالم.. هذا العالم الذي يعتبر الطفولة خطاً أحمر.. وربما صورة واحدة من هذا القبيل تهدم الفعل الفلسطيني الإيجابي لبناء لوبيات ضاغطة مؤيدة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
العالم بحاجة إلى خطاب إنساني، وبحاجة إلى أن نقنعه بأننا شعب يُحبُّ الحياة والحريّة، ولا يبحث عن الدمّ.. وبناءً على ذلك فإن مثل هذه المخيمات لا تزيد إلاّ من خوف الكثيرين في صفوف الجمهور الغربي، وتؤكد الصورة النمطيّة لدى قطاعات واسعة في أوروبا وأميركا... هذه الصورة النمطيّة التي عملت ماكينة الإعلام الإسرائيلية والصهيونية على خلقها وترسيخها باستثمارات ضخمة، ولم نتمكن من مواجهتها.
ما يمكننا عمله اليوم هو الانتباه الحقيقي، وبُعد النظر إلى مثل هذه المسائل.
المخيمات الصيفية يجب أن تكون قادرة على خلق البسمة على وجوه أطفالنا.. قادرة على تمكينهم من عيش طفولتهم كما كل أطفال العالم.. حتى لا يكبر هؤلاء وهم مُشوَّهُون.
إنّ قادة الفصائل اليوم مطالبون بإعادة النظر سريعاً في هذه المخيمات حتى لا تظلّ بيئة تغذي الحرب الإعلامية المضادة لشعبنا وقضيته، فهل من مستجيب؟ أم أننا سنظل متمسكين بأخطائنا حتى لو كان الثمن أكبر بكثير مما نعتقد؟