في ذكرى اليوم الأسود ... الحلم تبدد - هنادي صادق
تزخر ذاكرتنا بسيل من الذكريات الأليمة فمن نكبة إلى نكسة إلى نكبة ثانية وهزائم متوالية ونحن ما نزال نجتر الكثير من الشعارات والهتافات التي سمعناها ونسمعها كل يوم ، شعارات المقاومة والتحرير والجهاد ، العدالة والحرية والمساواة والقضاء على الفساد والأمية والتخلف والجهل .. وما أكثر هذه الشعارات التي حفظناها عن ظهر قلب .. ولكنها كانت ولازالت مجرد كلمات فارغة بلا مضمون .
ولقد إرتبطت هذه الشعارات بالهزائم والنكبات والوكسات ، وضيعت على شعبنا الكثير والكثير من حقوقه الطبيعية والمشروعة ، حيث شهدنا بدلاً من تحقيق الحرية و العدالة ، وبدلا من القضاء على الحزبية والفساد ، ازدياد الظلم والفقر والإستبداد ، والقمع والجهل ساد والحزبية أصحبت سيفاً مسلطاً على العباد ، وسبحان الله فمن عجائب الأمور أن البعض يبرر القتل بأنه الشر الذي لا بد منه وأن هذا الفعل الأهوج هو ثورة تصحيحية للمسار الأعوج ، ونسي هؤلاء المدعين قول الله جل علاه " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " ، وقوله تعالى "ولا تكونُوا من المُشركِين * مِن الَّذِين فَرقوا دِينهُم وكانُوا شِيعًا كُلُّ حزبٍ بما لديهم فرِحُون" .
واليوم ونحن نحيي ذكرى نكسة من نكساتنا توازي في مفاعليها وآثارها مفاعيل النكبة الأولى ، في ذكرى اليوم الأسود ... في ذكري اليوم الذي قتل الأخ أخيه وشرد أهله وبنيه ، في يوم الظلم الذي لا يُنسى والقتل الذي لا يُمحى ، في يوم غابت فيه المرحمة وحلت فيه المذبحة ، في يوم الكذب بإسم الدين ، والكذب على الملايين ، في يوم ذبحت فيه البراءة وطُعنت فيه الطهارة ، وإنتشرت فيه القذارة ، في يوم سادت فيه أعقاب البنادق وتم الخروج من الخنادق لا لمقاتلة العدو بل لقتل الصاحب والصديق والأخ والرفيق ، في يوم من أيام العذاب ، قُتل الأحباب ويا الله ما أسهل الضغط على الزناد .
سبع سنين عجاف مرت والجرح ما زال ينزف والقلب يقسو والجفاء يزداد وأصحاب المصالح والأموال في إطراد وعلى كرامات الشعب يتم الدوس بدون إكتراث ، ويبقى الشعب المطعون في قوته، المغتال في وطنه، المقضوم في جيوبه، المذبوح في كرامته، ينتظر أن يتم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والمصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية ، ينتظر أن تعود أوصال المحبة كما كانت كالقلعة يحتمي تحت أسوارها كل الغيورين وتكون حصنا تذود عنهم كيد الأعداء والمندسين .
هذا أمل القلوب النابضة بالحرية والوفاء ، القلوب المتوارية وراء السحاب ، حيث ترى الأمور بغير حجاب وهي الآتية من نبض المكان ومن نبض الزمان، المتحصنة بإشراقات التاريخ الوطني والإسلامي ، والمستشرفة للمستقبل الواعد ، الواثقة بوعد الله ، والمؤمنة بحتمية الإنتصار ، البعيدة عن التناطح السياسي والحزبي ، والتقاتل العسكري ، المعتمدة للحوار مبدأً والاختصاص مسلكا ً، والمعرفة منهجاً والحجة دليلاً والتي ترفض الإنغلاق وتدعو للإنعتاق ... فالعبيد لا ينتصرون ، هذا أمل الأغلبية الصامتة والتي تعمل من أجل صورة انقلابية على الرداءة والسكون ، على أمل أن الحق والعدل سيكون حيثما تكون ، مصداقاً لقول الرسول "لا تجتمع أمتي على ضلال " .
في ذكرى اليوم الأسود .. رسالتنا لمن ذبحوا الحمام ، لمن أصبح المسلم في عهدهم يضام ، للذين أُميط عنهم اللثام ، والذين هم في الكذب والدجل يصدحون بفصيح الكلام ، إن الشعب محتقن فلا تزيدونّ احتقانه, والقنابل الموقوتة في مأمن فلا تسحبونّ صمام أمانها , والجمر وإن لم تروه من تحت الرماد فهو موجود فلا تهبّنّ رياحكم لتكشفنه ، ويستحضرني في هذا المقام قول الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي :- رويدك ! لا يخدعنك الربيعُ وصحوُ الفضاءِ ، وضوءُ الصباح ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام وقصفُ الرعودِ ، وعصفُ الرياح حذارِ ! فتحت الرمادِ اللهيبُ ومن يبذُرِ الشوكَ يجنِ الجراحْ فتعالوا إلى كلمة سواء ، بعيداً عن الأهواء ، نعالج هذا الداء بالدواء .... نتوجه إليك يا الله فما خاب فيك رجاء .
يقول عز وجل " واعتصموا بحبلِ اللَّهِ جميعًا ولا تفرقُوا واذكرُوا نعمةَ اللَّهِ عليكُم إذ كُنتم أَعداءً فأَلَفَ بين قلُوبكُم فأَصبحتم بنعْمتِهِ إِخوانًا وكُنتم على شفا حُفرةٍ منَ النار فأَنقذكُم منها كذلك يبيِنُ اللّه لكُم آياتهِ لعلكُم تهتدُون .