المغامرة القطرية الفاشلة-حافظ البرغوثي
بات حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر والاب الروحي لتسلم امير قطر الشيخ حمد للحكم من والده في انقلاب ابيض في اواسط التسعينيات الآن خارج السلطة وقطر بعد ان استقال او اقيل بتفاهم مع الامير الشيخ حمد نفسه الذي يخطط للانسحاب نهائيا من الحياة السياسية وتسليم الحكم الى ولي عهده الشيخ تميم وهو ابنه من الشيخة موزة التي لعبت دورا مفصليا في الحياة العامة القطرية منذ تولي الشيخ حمد السلطة.
فما يحدث في قطر هو تغيير وجوه النظام الحاكم بعد فشل ذريع في ادارة الازمات التي ساهمت قطر في اختلاقها عربيا وتصدير الثورات بحقائب المال والتشابكات المخابراتية الدولية وامداد حركات اسلامية وشخوص ورموز بالمال والسلاح من مالي واقصى المغرب في موريتانيا وصولا الى سوريا مرورا بتونس وليبيا ومصر واليمن. ولعل اول تجربة قطرية في قلب الاوضاع انطلاقا من جنون العظمة وغطرسة المال كانت في دعم الانقلاب الحمساوي في غزة حيث وجد القطريون ان بالامكان تكرار ذلك في دول عربية اخرى استنادا الى جماعة الاخوان المسلمين التي احتضنت قطر منظرها الايديولوجي الشيخ يوسف القرضاوي واطلقت قناة الجزيرة كأداة اعلامية غرابية تنعق بالخراب والدمار. فأحالت دولا الى خراب وفككت شعوبا ضمن المخطط الاميركي وبثت الفتنة والفرقة اينما اراد الاميركيون ذلك. ومنذ البدء قلنا وربما حذرنا المملكة العربية السعودية قبل سبع سنوات من ان قطر تحاول ان تلعب دورا مرجعيا دينيا للاخوان المسلمين في مواجهة المرجعية الدينية الازهرية السنية في مصر والوهابية السنية في السعودية لكن السعودية لم تنتبه الى ذلك الا متأخرة مع دول خليجية اخرى وكما قال دبلوماسي اسرائيلي خدم في قطر ان قطر ليست الا شيكا مفتوحا يحركه الاميركيون. ويبدو ان الاميركيين قرروا تغيير موقعي الشيك مؤخرا، وكانوا يرصدون اخطاء رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم وحملوه مسؤولية القفز الى الامام وحرق المراحل بتسليم مبكر لجماعة الاخوان للحكم في تونس ومصر ما ادى الى فشلهم في الحكم، فالتجربة الاخوانية ما زالت فاشلة حتى الآن وبدا فشلها في اسقاط حكم الاسد حتى ان حمد بن جاسم اضطر الى التعاون مع السلفية الجهادية المرتبطة بالقاعدة وتسليحها وتدريبها في ليبيا وارسالها الى سوريا بعد ثبوت ضعف جماعة الاخوان في سوريا بهدف اسقاط الاسد لكن نظام الاسد اسقط بن جاسم كما يبدو، فالاميركيون طلبوا تغيير حمد بن جاسم كما ان ولي عهد قطر الموعود بالحكم ووالدته لا يريدانه اضافة الى الوضع الصحي لامير قطر الشيخ حمد بن خليفة لم يعد يسمح له بالاستمرار في خضم الازمات فقرر هو الآخر الانسحاب لكنه سيأخذ رئيس وزرائه معه ايضا حتى يمكن لولي عهده الحكم بهدوء دون مناكفات داخلية. والاثنان الحمدان سيتفرغان لادارة امبراطورية استثمارية في الخارج يقدر حجمها بمئتي مليار دولار، فالاميركيون استمعوا الى تذمر خليجي مستمر من ان قطر تقوم بدور هدام في المنطقة وتجاوزت الحلفاء التقليديين لواشنطن ولم يبق لها اصدقاء في المنطقة العربية، فايران تتعامل معها باستخفاف حتى ان حمد بن جاسم عندما اراد زيارة طهران مؤخرا قيل له ان ايران ليس فيها مصحات علاج نفسية ملائمة ويمكن ان يعثر عليها في اوروبا وعلاقات قطر مع الجوار الخليجي العربي سيئة وكذلك مع الجناح المتشدد في حماس ومع الشيعة في لبنان ومع اغلب قوى المعارضة السورية ومع تركيا وكذلك خرج النظام المصري من عباءته وصار يتخذ مواقف سياسية مغايرة فيما يخص ايران وسوريا.. فالتأثير القطري ذوى هو الآخر حتى في بلاد الثورات التي دعمتها قطر بمعنى آخر ان الاستثمار القطري في الثورات فشل هو الآخر وبات التغيير الداخلي في قطر حتميا خاصة بعد ان صار التغيير مطلبا اميركيا. فقطر التي صدرت الموت والفتن في حقائب المال الى غزة وتونس ومصر وسوريا واليمن ومالي والمغرب وغيرها ربما تستعيد هدوءها مجددا.. وتخلد الى الراحة من رحلتها الدونكيشوتية التي جلبت الدمار والعار وخربت الكثير من الديار.