الفنان محمد السمهوري: أمي معلمي الأول وموهبتها الفطرية نقلتني إلى الطفولة واللوحة البسيطة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
الحياة الثقافية – خربشات وألوان طفل، سمكة بعدة ألوان ومعان، مدن بخطوط طفولية وأخرى بصنعة فنان، كانت هذه لوحات الفنان الفلسطيني محمد السمهوري في معرضه المقام بمؤسسة عبدالمحسن القطان بمدينة رام الله والذي حمل عنوان " سمكة بألوان كثيرة
سمكة الروح
وتتعدد لوحات السمهوري التي عبرت عن مشاعر الطفل فيه وذكرياته، في أزقة المخيم، والشاب في معترك العمل السياسي في الشتات، استعاد السمهوري ذاكرته وحنينه، وحبه لوطن لم يره ولم يلبث فيه إلا قليل.
وكان لتعدد صورة السمكة في لوحاته، معان كثيرة حيث شكلت في لوحاته رمزا للحرية والانعتاق من الحصار المفروض على غزة إلى احتلال مدينته الأم يافا، وتعلقه بهاتين المدينتين، ويذكر السمهوري في لقائنا معه عن زيارته لمدينة غزة المحاصرة وكيف أن رمز السمكة احتل روحه وتفكيره حتى صارت في بداية رسمه لأي لوحة " يخربش صورة السمكة".
ويضيف السمهوري أن للسمكة في التراث الشعبي والديني والثقافي العربي والإسلامي حضورا بارزا من ديوان الصوفي ابن الرومي إلى قصة المسيح.
السمكة وبحر الشعب
ولعل من أبرز ما ترسخ في الذهنية الفلسطينية عن موضوع السمكة ما رسمه الشهيد الفنان ناجي العلي كاريكاتوريا في لوحات قال فيها: ان الثورة كالسمكة تعيش في بحر الشعب" السمهوري لم يبتعد كثيرا عن هذا المفهوم فهو يعتبر فنه شعبيا أكثر منه نخبويا وهو في حالات كثيرة مباشر وبسيط كبساطة الموظف والعامل والفلاح وبائع البسطة.
الأم مدرسة حسية
عندما زارته في بيته في عام 2008 لم يخطر ببال السمهوري الفنان أنه أمام تجربة فنية جديدة ستحول مسار حياته، هي أمه، الذي اكتشف للمرة الأولى أنها ترسم بشكل جيد، فتركها تخربش ما شاءت من ذكرياتها وما أحسته في سني عمرها ابتداء من يافا ورحلة التهجير وصولا الى المخيم، عندها اقتنع الفنان المثقف الروائي والصحفي والشاعر محمد السمهوري أنه يجب أن يتعلم شيئا جديدا، وكان بانتقاله من اللوحة والخط المثقف، إلى الخط البسيط والأقرب إلى المباشر، فإذا كانت أمه السيدة البسيطة استطاعت أن تعبر عن ذاتها بكل بساطة وعفوية، فكيف لا يستطيع هو؟ كان هذا السؤال الذي راود السمهوري كما يقول.
من هنا كانت البداية التي خلقت له مدرسة فنية جديدة، بعيدا عن المسميات الفنية والنقدية، مدرسة الأم ومدرسة اللوحة البسيطة، التي تتناغم مع بساطة الفئات التي يطمح السمهوري أن تكون من رواد فنه ومتلقيه، وهو يرى أنه استطاع أن يصل إلى بيوت الكثيرين ممن ليسوا من رواد المعارض الفنية في دول عدة، وهم ذائقة فنية لم تجرب بعد ولا تعرف إلا أن تكون مباشرة بحقيقة رأيها كما يقول السمهوري.
الألوان مخيم يضج بها
اذا كانت " شوارع المخيم تضج بالصور" كما علمنا الشاعر الكبير أحمد دحبور في رائعته التي غنتها فرقة العاشقين القرن الماضي، إلا أنها تضج بالألوان أيضا في ذاكرة محمد السمهوري.
فالمخيم وعلى الرغم من قتامة العيش والصورة البائسة له، إلا أنه كان جريئا باستخدام الألوان وتوظيفها، وهي استخدام الفقير المحتاج لها لطلاء جدران البيوت والأبواب والشبابيك، بما تيسر من أصباغ تجود به فتات المدن، وللألوان قصة أخرى في كل المخيمات فالجراءة كانت باختيار ألوان الملابس غير المتناسقة والتي هي هبة كروت الإعاشة للاجئين، ولذلك فإنها لن تكون خاضعة لاختيار المستفيدين منها وأذواقهم، ولن يكون عدم تناسقها عرضة للنقد أو للسخرية بين أهالي المخيم فكلهم في الهم شرك.
هكذا تفتح وعي محمد السمهوري الطفل، وانتقل هذا الوعي إلى ذاكرته مختزنا تاريخ النكبة بالألوان، متأثرا بها حتى بلوحاته التي تضج بالألوان والذاكرة الملونة.
الوطن في جريدة
ويعيد السمهوري رسم رموزه بلوحات أخرى استخدم فيها ورق الجرائد، في تعبير منه عن الحالة الاخبارية التي تحولت اليها القضية والوطن والشعب، حيث اصبحنا خبرا في جريدة كما يقول، وبات العالم يعرفنا من خلال الأخبار المكتوبة عنا، ويسعى السمهوري الى نقل لوحاته من القماش الى جدار الفصل العنصري والذي كان ينوي رسمها واقامة المعرض على حائط الجدار
وهو حلم سيحققه يوما ما، وعبر عن رغبته هذه بقوله: " "شعرت بالاختناق، والحزن، وأننا شعب متروك لمصير مجهول، وأن الكيان الاحتلالي بشع وغير أخلاقي أكثر مما كنت أعرفه" ويضيف " على الجدار، سوف ينقل اللوحة التي تضم 22 صفحة جريدة، في أعلاها سمكة والمدينة في أسفلها ملونة وحزينة، وذئب يأتي في كلّ مرة من زاوية محاولاً اختراق المدينة، وسيأتي يوم لا أعرف إن كان بعيداً أو قريباً يزول الاحتلال ويحمل حجارته المفتتة من جداره معه، وها نحن أبناء هذه المرحلة من الزمن والتاريخ شاهدين على سقوط جدار برلين وانتصار دول وشعوب على كل أنواع الاحتلالات المعاصرة".