من خيمة التضامن، كيف حَالكْ يَمه ... - د. مازن صافي
بصوت حزين متألم ومشتاق وباكٍ، كانت أمهات الأسرى وزوجاتهم ترسلن لهم السلام والتحية والأخبار التي غالبا ما تكون مجملة بعيدا عن أي حزن أو وجع أو هم، لخصوصية مشاعر أسرانا وهم خلف القضبان .. أنا في الصليب يمه مع خالاتك متضامنين معكم .. هذه الرسالة القصيرة تحكي لنا كم يعاني ذوي الأسرى .. وكم نحن مقصرون في حقهم .. هم من يعانون غياب الأب والأخ والزوج، وهم أنفسهم من يواصلون التضامن الأسبوعي وبل يشاركون في كل الوقفات وأساليب التضامن مع الأسرى .. وجمهورنا غائب عن الصورة .. جمهورنا يبدو أنه يعتمد على أن يقوم كل صاحب هم بهمه وكل ذوي أسير بالأسير .. معادلة صعبة جدا وفاتورة باهظة يدفعها ذوي الأسرى أكثر من مرة .. وهنا لا أتحدث عن الوقفات الجماهيرية الكبيرة التي تأتي نتيجة هزات عميقة أو أحداث جسّام .. بل أتحدث هنا عن وقفة أسبوعية وعن وقفات متفرقة لا يحضرها الا العشرات فقط .. مطلوب منا جميعا مشاركة ذوي الأسرى قدرهم ومعاناتهم .. هؤلاء الأسرى يحملون قضية مركزية وحساسة من كل النواحي .. إنهم يرزحون تحت العذاب النفسي والجسدي .. إنهم يعانون من ظلم السجان وقهر سلطات الاحتلال .. فها هم عدد من أعضاء اليمين يطلقون على أنفسهم 'اللوبي من أجل أرض إسرائيل'، ويرفضون إطلاق سراح الأسرى، وخاصة إطلاق سراح 103 أسير فلسطيني اعتقلوا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، ويتوزعون جغرافيا (57) أسيراً من بين 'الأسرى القدامى' الذين لا يزالون في السجون الإسرائيلية هم من سكان الضفة الغربية، و(23) أسيراً من قطاع غزة، و(14) أسيراً من أراضي عام 1948، و(9) أسرى من القدس المحتلة .
علينا نحن الشعب الفلسطيني أن نكون أكثر التصاقا بقضية أسرانا وبذويهم، وهنا لا نقلل من شأن أو فعل أو مجهود أي إنسان قل جهده أو كثر، ولكنه نداء الواجب الذي لربما جاب في خاطر الآلاف منا ومر به سريعا .. هنا نكتب عن هذه المشاعر وهذا الواجب .. ونرجو أن يكون نداء أم الأسير من داخل بيتها معززة مكرمة سالمة غانمة ترى جمهور شعبنا يخرج بانتظام انتصارا لأسرانا لا ينتظر أن تتجمع أمهات الأسرى وذويهم ليلتحق بهم ويغادر قبل أن يغادروا ويعبر بحروف ماسية عن قضية الأسرى وسرعان ما يتحول الأمر إلى مهرجان للحديث والكلمات وكأننا في مباراة كلامية من يحمل الصوت المرتفع أكثر أو المنمق أكثر أو اللغوي أقوى .. نريد من أجل الوطن ومن أجل أسرانا أن تتوحد الجماهير في وقفات كبيرة ومستمرة وضمن برنامج وطني شامل ويتجاوز الجغرافيا وحدود الانقسام .
إننا جميعا مسؤولون عن وجود القصور الملحوظ في موضوع التضامن مع الأسرى القابعين في معتقلات الاحتلال .. علينا أن نعي جيداً أن قضية الأسرى بحاجة الى وقفة جادة و جماهيرية، فهذه القضية لا تخص ذوي الأسرى وحدهم ولا تخص البعض القليل الذي يتضامن بصورة دورية أسبوعيا .. وما فائدة التضامن حين يكون هناك عدد محدود من المتضامنين وكيف ستصل الرسالة والصوت إلى العالم .. وهنا نقول أن الإعلام أيضا وبكافة وسائلة مقصر في تغطية الوقفات المختلفة للأسرى ويتم الاكتفاء بتقرير مختصر وبعض الصور، وأمام انفجار مؤكد في المعتقلات الاحتلالية نقول أن هذا التدهور في صحة الأسرى يجب أن يكون مقابله جماهيرية حاشدة في الاعتصامات والوقفات الأسبوعية ومع الأسرى أمام بيوت ذويهم وعائلاتهم .. ونأسف أن نسمع مع بعض ذوي الأسرى عن وجود قصور في التضامن معهم، وهذا يولد نوع من الإحباط لديهم .. إن المطلوب هو توحيد الجهود للخروج باعتصام يجلب التأثير ويحول الصورة التي باتت نمطية بمشاركة عشرات في اعتصام تضامني مع الأسرى، إلى حدث تضامني كبير يعيد إلى العمل الشعبي تأثيره وقوته الضاغطة، ويعطي دفعة معنوية لذوي الأسرى أنهم ليسوا وحدهم .. وأيضا رسالة إلى الأسرى أنفسهم أنهم ليسوا وحدهم فهناك من يعاني ويناصر ويناشد لتحريركم من المعتقلات الاحتلالية .
بكل تأكيد أن الانقسام قد أثر على قوة كافة القضايا الوطنية وعلى رأسها قضية الأسرى، لكن يجب بالمقابل ألا نعتقل جهودنا في قوقعة الانقسام، بل يجب أن يتم تكاثف الجميع ووضع قضية الأسرى في الأساس فهو أصحاب وثيقة الأسرى وثيقة الوحدة الوطنية، فلنعمل على تفعيل الوقفات التضامنية الجماهيرية وان نقول للأسرى وذويهم لستم وحدكم ولتستمر معركة الأمعاء الخاوية معركة الكرامة والإرادة والحرية والنضال الفلسطيني حتى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .