ماذا بعد "أسطورة" محمد عساف؟- انديرا عبدالله
تماما كما هو الحال في الأساطير وحكايات ألف ليلة وليلة، أصبحت قصة فوز محمد عساف حكاية يرددها الناس كبارا و صغارا على حد سواء. و لكن بطل القصة هذه لم يحظ بقلب الأميرة الجميلة ابنة السلطان وحسب و لكنه حظي بقلوب الملايين اللذين أصابهم سهم حبه وسحرهم عذوبة صوته.
اخترق محمد حصار المدينة الذي فرض قهرا عليها لسنوات طوال . كان مسلحا بصوت العندليب العذب، مدفوعا بالعزيمة و الإيمان بحلم راوده منذ الصغر. ومن ورائه وقفت أمه التي آمنت بنجاحه ولم يعرف اليأس يوما طريقا لقلبها. فأصرت عليه أن يكمل المشوار الذي بدأه حتى النهاية بلا تراجع وهوادة.
بعد الجهد والعناء في السفر، ولسخرية القدر، وصل محمد إلى قصر الأميرة متأخرا . فوجد الأبواب مغلقة في وجهه. ووقف السور حاجزا بينه وبين تحقيق حلمه.
لم يكن محمد عساف يمتلك البساط السحري الذي ما أن يركبه صاحبه حتى يطير به و يحلق في السماء، ولا قنديل علاء الدين الذي يخرج منه المارد فيحقق لسيده ما يأمره به ويتمنى عليه. ولكن محمد كان يملك العزيمة و الإصرار على التحدي الذي رضعه وترعرع عليه كونه فلسطينيا أولا ومن غزة ثانيا.
نظر محمد إلى السور وأستخف بذلك الحاجز الذي لم يثن من عزيمته شيئا . فعد العدة و قام بالقفز عنه ليصل إلى قلب الحدث غير عابئ بالمجهول الذي ينتظره أو بمن سيجد خلف السور من حرس و حراس.
وبإلهامه وذكائه قام محمد بالغناء لحراس القصر فسحر عقولهم وأسر قلوبهم بعذوبة صوته فسمحوا له بالبقاء وإن كان قد دخل القصر بطريقة غير قانونية.
و لكن مرة أخرى أبت الظروف أن يكون السور أخر حجر عثرة في طريق محمد. فبوصوله متأخرا كانت قد وزعت كل مفاتيح القصر على منافسيه الذين حضروا منذ ساعات الفجر الأولى من كل حدب وصوب.
ولم يبق لمحمد ولا حتى مفتاح واحد.
عندها بدأ اليأس بالتسلل ألى قلب محمد، فما العمل؟ هل يعد أدراجه و يعود من حيث أتى و يتخلى عن حلم كبر فيه و نمى؟
ففي لحظة اليأس تلك قرر محمد استخدام السلاح الوحيد لديه. السلاح الذي لا يقوى على تجريده منه احد، صوته العذب. فأخذ محمد بالغناء مع منافسيه وعندما احس أحدهم ( وهو الذي يستحق كل تقدير و إعجاب) أن عذوبة صوت محمد أحق وأجدر قام بأعطاءه مفتاح القصر ليدخل بحثا عن قلب الأميرة وقلوب الملايين.
ولم تكن هذه هي النهاية لقصة محمد بل البداية لطريق اخر لا يقل صعوبة.
و قام محمد باجتياز اختبار وراء اختبار من قبل لجنة تحكيم شهدت بعذوبة صوته ووصفته بالصاروخ الذي اخترق كل الحدود.
وبقرار من لجنة التحكيم تلك تمكنت الملايين من الجماهير المقهورة وعلى رأسهم أهل بلده فلسطين من سماع صوته وأغانيه الجميلة. فخطف عقولهم وقلوبهم بعذوبة صوته. وأصبح محمد رمزا للنور والامل والنهايات السعيدة التي قلما عرفها شعبه في أي وقت مضى.
وجاءت النهاية بوقع المفاجأة على محمد. و عند إعلان فوزه بلقب محبوب العرب، خر محمد ساجدا غير مصدق ما حصل. وعاش محبوب العرب عيشة سعيدة في كنف أهله ومحبيه. أو على الأقل هذا ما أتمناه له على الدوام.
أما أنا فكان حالي مثل الملايين الذين أصابهم سهم عساف. فقد استمتعت بسماع كل أغنية أدّاها. ودعوت له بالفوز بالقدر الذي أدخل فيه الفرحة إلى قلبي في كل مرة غنّى. ويوم حلقة النتائج انتظرت بشغف و خوف. و لحظة إعلان النتائج قفزت ورقصت و صفقت وزغردت وجن جنوني من الفرح. وكما اعتدت دائما تشاركت الفرحة مع أخواتي عبر الهاتف .
و بعد الهدوء العاطفي والفرحة من أجل الفرحة أخذت بالنظر بعين تحليلية لتلك الأسطورة. وتشاركت مع أخواتي عبر الهاتف وجهات النظر. ففي الأسبوع الأخير كان عساف محور مكالماتنا الرئيسيي فوصلنا بتحليلنا إلى العديد من النتائج. وكان الآتي بعضا منها:
لقد كان فوز محمد قريبا من المستحيل فكيف حصل هذا؟
أرقام التصويت أشارت أن محمد الفلسطيني قد حصل على أكثر من 67 مليون صوت ، وأن منافسه المصري احمد حصل على ما يقارب من ال 33 مليون صوت. وعندما نقارن عدد الفلسطينيين في الداخل والخارج فإنه قد يتجاوز الستة ملايين مقارنة بعدد المصريين الذي يتجاوز ال 84 مليون ؟ فكيف حصل هذا؟ قد يرد أحدهم أن الشعوب العربية الأخرى لعبت دورا في التصويت. فأرد بنعم ولكن بناء على تقرير أحمد فهمي، مقدم البرنامج، فأن النسبة الأعلى من التصويت جاءت من الفلسطينيين.
لقد توافرت في نجاح تجربة محمد عدة عوامل من الصعب الفصل بينها و التقليل من دور أي منها. فاجتمعت كلها لتكمل الصورة وتزيد من عامل التشويق لتلك "الأسطورة" :
الموهبة والصوت الساحرالعذب لمحمد الذي كان مفتاح النجاح.
الأصرار والعزيمة على تحقيق الحلم رغم كل الصعاب.
إثراء وإطراء لجنة التحكيم والذي لعب دورا في لفت الأنظار لصوت محمد وازدياد الدعم الشعبي لصوته.
الدعم الشعبي لمحمد من قبل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والشعوب العربية الأخرى.
دعم القيادة الفلسطينية واتباعها استراتيجية ذكية وعملية للحصول على أكبر قدر من الدعم خصوصا من رجال ألأعمال وأصحاب رؤوس الأموال و البنوك.
غير أني لن أتوقف عند هذه النهاية السعيدة. فكما هو الحال مع أي قصة ، فلا بد وأن يكون لأسطورة محمد دروس وعبر لا تقلل من شأنها أو الأستمتاع بقرائتها . بل على العكس فإن العبرة تقويها وتحفرها في ذاكرة قارئيها.
ومع قولي هذا فإنني لا أقلل من شأن القراءة لأي قصة من أجل المتعة وحسب، و الفرحة من أجل الفرحة فقط . فالفرح والسعادة حق لكل شعوب الأرض فما بالك بالشعوب التي حرمت منها لسنوات وسنوات؟
أن أول الدروس التي يمكن تعلمها أن العمل الجماعي و التوحد على هدف يقرب المسافات ويحقق ما قد يبدو مستحيلا.
ويا حبذا لو أن الجهود التي قدمت لفوز محمد تقدم لدعم العديد من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني الذين يتمتعون بمواهب وطموحات وتطلعات في مجالات شتى.
ويا حبذا لو أن القيادة الفلسطينية تتبع استراتيجية مدروسة و ذكية لتحقيق الكثير من طموحات و تطلعات هذا الشعب الذي لا يقهر.
ويا حبذا لو أن أصحاب رؤوس الأموال و الأعمال يقومون بزيادة رصيدهم في المساهمة في مشاريع التنمية كبناء المدارس والمستشفيات وغيرها على سبيل المثال لا الحصر.
وبهذا تكون عناصر" أسطورة" محمد عساف قد أكتملت أو على الإقل كما أراها أنا.
وختاما، أتمنى لبطل قصتنا كل تقدم و نجاح و لشعبنا الفلسطيني وكل شعوب العالم العربي كل التقدم والرخاء.
وأتمنى عليها كما تمنى عليها عساف في أغنية الفوز"ويا شعوب الضاد لازم بالوجع تتوحدي."
فلسطينية مغتربة