دراما استهلاكية- محمود ابو الهيجاء
أمتلأ شهر رمضان كالعادة، بعد ان اصبحت الفضائيات في كل بيت تقريبا، باعمال الدراما التلفزيونية، نعني المسلسلات، المصرية هذا العام اكثر من غيرها، والتي كثيرها باهت وغث، وقليلها محتمل مع سعة صدر اكبر وتأفف اقل..!
اما الدراما السورية فقد غابت هذا العام الى حد ملحوظ، وهي التي سجلت قبل سنوات قليلة حضورا متميزا، خاصة ثلاثية « باب الحارة «... غياب الدراما السورية على هذا النحو في هذا الرمضان، ليس غريبا والشام تقطر دما من كل اتجاه وفي كل اتجاه، صراع الحرية في سوريا كما اظن، جعل العديد من كتاب الدراما ومنتجيها، وتحديدا الذين حولوا الدراما الى سلعة تمتثل لمتطلبات السوق، في حيرة من امرهم، الى اية جهة ينحازون..؟
ولعل قلق السلعة ان صح التعبير، بانتظار حسم الصراع ليلتقط اية افكار واعمال يروج بعد ذلك....!
الواقع هذا يعيد طرح سؤال الفن ودوره مجددا: هل الفن للفن، ام الفن في خدمة الحياة والناس وقضاياهم ومعاناتهم وتطلعاتهم الحقيقية، وكيف يمكن ان يكون تنويريا ومحرضا على التغيير نحو الاجمل والاجدى، وليس محض سلعة، تخضع لشروط السوق وتسعى للانتشار ايا كانت القيم والافكار التي تحملها...؟
السؤال بالطبع ليس جديدا، وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت نظرية الفن للفن قد هزمت في حوارات وطروحات النخب الاجتماعية المثقفة، اليسارية على نحو خاص، غير ان العولمة بفضائياتها فرضت على الفن الدور الذي تريد، ان يكون للتسلية وتزجية الوقت فحسب كفن للفن، حتى مع تراجيديات تبعث على البكاء، واحيانا مع رثاء كسير للماضي في مسلسلات التاريخ التي تحمل سلوكيات هي اشبه ما تكون بأحفوريات لا تصلح لغير المتاحف...!
كيف لم ننتبه لكل ذلك حتى بات المسلسل المشغول بعناية السوق ورعايته، حديث الناس في نهاراتهم وكأنه الواقع بحد ذاته او الحقيقة بأم عينيها....!
اعتقد ان غياب النقد التلفزيوني في المطبوعات والصحف العربية، هو السبب وراء ذلك، ومع هذا الغياب صار من الممكن تكرار المواضيع في المسلسلات ايا كان نوعها، وطال التكرار جملا وعبارات بحد ذاتها، وصار الحشو ممكنا بمشاهد وحوارات لا لزوم لها، وغالبا ما تكون هذه مشاهد الحشو وحواراته حسية، وخادشة بكل معنى الكلمة للحياء العام، عدا عن انها لاتناسب ولا بأي حال من الاحول الشهر الفضيل، ولا تراعي معانيه وقيمه السامية...!
لسنا نناهض هنا الواقعية التي يتطلبها العمل الدرامي، لكن على الواقعية ان تكون في هذا العمل الذي يدخل بيوت الناس على اختلاف مستوياتهم ودونما استئذان، كاشفة للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، لا كاشفة للعورات بمعناها الحسي، ثم لا اظن ان للبذاءة علاقة بالواقعية التي مهما بلغت فنيتها الابداعية فأنها لن تستطيع ان تجاري الواقع في ارساله الفني، ثم ماذا عن الوظيفة التربوية المفترض ان الاعمال الدرامية التلفزيونية معنية بها..؟؟؟
سيطول الحديث بهذا الشأن، والخلاصة ان الفن لا يمكن ان يكون للتسلية وتزجية الوقت فحسب، هذا على افتراض انه دون غايات سياسية وثقافية واقتصادية محددة، ولا أظن ذلك لأن تسلية هذا الفن استهلاكية الى ابعد حد ومع ثقافة الاستهلاك لاشيء في حياتنا يمكن ان يتطور ويتقدم على نحو منتج وبناء ابدا... ولكم حرية النقاش في كل هذا الموضوع.