إلى «الإخوان»: كلمـةٌ سواء- صالح القلاب
كما أنه على الإخوان المسلمين عندنا هنا في الأردن أن يتحلوا بواقعية الحركة السياسية غير المصابة لا بالجمود العقائدي ولا بـ»التحجُّر» السياسي وأنْ ينظروا إلى كل هذه المتغيرات التي تضرب المنطقة نظرة واقعية بعيدة عن الأوهام والمكابرات والمناكفات وأن يبادروا هرولة وركضاً إلى تصويب أوضاعهم القانونية والدستورية والتنظيمية والسياسية قبل أن تتجاوزهم حركة التاريخ.. قبل هذا فإنه على مناوئيم والمختلفين معهم ألاَّ يلجأوا إلى المهاترات والشتائم.. وأنْ يجادلونهم بالتي هي أحسن فالمسألة ليست «هوشة» عشائرية ولا «مباطحة» على البيادر وإنما هي عصف فكري من المفترض أن تكون مفرداته منتقاة إنتقاءً جيداً حتى وإن كان ذلك بالمزيد من الصراحة وبدون أدنى مجاملة.
والمعروف أنَّ لغتنا العربية مرنة وغنية وأنها تفسح المجال لأنْ يُقال للأعور :»أن عينة كريمة» والمعروف أيضاً أنَّ الرَّدح والسباب في مثل هذه الحالة هو من أساليب المفْلس وعييُّ اللسان وضعيف الحجة ولهذا فإنَّ الحوار مع الإخوان المسلمين ومع غيرهم من التيارات والقوى السياسية يجب وبالضرورة أنْ يكون بعيداً عن هذه اللغة وعن هذه المفردات التي يستخدمها البعض فالهدف هو ليس إشباع هؤلاء أي «الإخوان» شتماً وتركهم يفوزون بتعاطف الناس الذين يريدون انْ يعرفوا الحقائق والذين يريدون أن يعيدوا النظر بمواقفهم بينما نحن ومعنا هذه المنطقة كلها نقف عند هذا المنعطف التاريخي الذي سيجُبُّ حتماً ما قبله والذي سيأخذنا دولاً وأفراداً وأحزاباً وجماعات ومجموعات إلى واقع جديد بمعطيات جديدة غير هذه التي ورثناها من حقب وعقود ماضية تختلف إستحقاقاتها عن هذه الإستحقاقات التي بدأنا نراها الآن في العديد من الدول العربية الشقيقة.
ولذلك فإننا نقول لهذه «الجماعة» ،التي رغم أننا نختلف معها إلاّ أننا نحترمها كجماعة ونحترم العقلانيين من قادتها، إنَّ عليها ألاَّ تبقى تغزل بالمغزل ذاته وأن عليها ألاَّ تبقى تخيط بالمسلة نفسها فنحن الآن في العقد الثاني من الألفية الثالثة ونحن قد رأينا بأمهات عيوننا كيف كانت نهاية كل القوى العالمية والقومية العربية وغير العربية التي كانت قد أصيبت بعمى الألوان والتي بقيت متمسكة بماضيها التي تجاوزته المعطيات التاريخية والتي لم تدرك أنها وصلت إلى مرحلة التحجر الفكري والجمود السياسي وأنه عليها أن تعيد النظر بتكوينها ومواقفها ومفاهيمها لتتلاءم مع أجيال القرن الحادي عشر ومع هذه الثورة التقنية والحداثية التي باتت تجتاح الكرة الأرضية كلها ووصلت حتى إلى المجتمعات التي لا تزال تعيش في كهوف المسيرة الحضارية.
ما هو العيب في أنْ يُصوِّب الإخوان المسلمون عندنا هنا في الأردن أوضاعهم التنظيمية كما صَوَّب إخوانهم في مصر الذين هم التنظيم الأم أوضاعهم..؟ وما هو العيب في أنْ يلتزم هؤلاء بالدستور وبالقوانين الأردنية النافذة وأن يقطعوا علاقاتهم التنظيمية بالتنظيم العالمي لـ»الإخوان» وان يقطعوا صلتهم التنظيمية أيضاً بحركة «حماس» ويصبحوا تنظيماً أردنياً مثلهم مثل كل التنظيمات والأحزاب الأخرى التي إن كان لبعضها صلات تنظيمية خارجية فإنه عليها أنْ تسارع لقطع مثل هذه الصلات؟!.
ثم ما هو العيب في أنْ يعود «الإخوان» هنا عندنا إلى ما كان عليه وضعهم في أربعينات القرن الماضي عندما كانوا «جماعة دعوية» أستقطبت العديد من رموز الأردن وحظيت بإحترام الناس..؟
وما هو العيب أيضاً أن يقطعوا صلتهم التنظيمية بحزب جبهة العمل الإسلامي الذي عليه هو بدوره أن يتخلى عن هذا الجزء الأخير من إسمه ،وذلك لأن الإسلام للمسلمين كلهم وللبشرية بأسرها، ويختار إسماً كـ»جبهة العمل الإصلاحي» على سبيل المثال وليس الحصر..؟!.
إنه لم يعد جائزاً ولا ممكناً أن يبقى الإخوان «إخواننا» يتعكَّزون على شرعية قد تجاوزها الزمن فالمعروف أن واقع أربعينات القرن الماضي هو غير هذا الواقع وأنَّ رجال هذه «الجماعة» في ذلك الحين هم غير هؤلاء الرجال الذين نختلف معهم لكننا نحترم بعضهم ولهذا فإنَّ الملك المؤسس عبد الله بن الحسين رحمه الله قد حضر مؤتمرها الأول على إعتبار أنها حركة دعوية تدعوا الناس إلى طاعة الله وتهديهم إلى صلاحهم.. أمَّا وقد شهدت سنوات منذ ذلك الحين وحتى الآن كل هذه التقلبات السياسية إنْ في بلدنا وإنْ في غيره.. وأمَّا وقد تحول هؤلاء إلى حزب سياسي لا علاقة له لا بالدعوة ولا بالأمر بالعروف والنهي عن المنكر..
وأمَّا وقد أصبح هدفهم الوصول إلى الحكم والسلطة وبأي ثمن على غرار ما فعلته حركة «حماس» في غزة وعلى غرار ما فعله إخوانهم في مصر بعد خلْع الدكتور محمد مرسي من الحكم وقبل ذلك فإنه لابد من وقفة جدِّية عند هذا المنعطف إنْ من قبلهم وبملْء إرادتهم وإن من قبل الدولة الأردنية التي من غير الجائز أن تبقى تتعامل مع هذا الحزب ومع توأمه الآخر حزب جبهة العمل الإسلامي على أساس ما يسمى «الأمر الواقع» فهذا إن كان محتملاً ومقبولاً في السابق فإنه لم يعد لا مقبولاً ولا محتملاً الآن بعد كل هذه العواصف التغييرية التي ضربت والتي لا تزال تضرب المنطقة.
عن الرأي الاردنية