ما جرى في مصر إنقلاب أم ثورة - الأسير المقدسي حسام زهدي شاهين
لكي نتمكن من معرفة ما يجري على الأرض من أحداث متسارعة، بشكل دقيق، وبعيداً عن تزاحم الصور والمشاهد المؤلمة على بوابة الذاكرة، والتي من الممكن أن تقع تحت تأثيري الإرتباك والإرباك نتيجة مهاجمتها بخطة محكمة تعتمد على الخطاب الديماغوجي (التضليلي)، أو الخطاب التبريري، وما يقابلهما من وسائل دفاعية ترتكز على الخطابين الإنفعالي أو التفسيري مما يضع المواطن العربي بشكل عام، وتحديداً الفئة البسيطة في دوامة التفكير والتكفير التي تجعله يتردد في اتخاذ قراره، بين: اين الخطأ؟ وأين الصواب؟ خاصة عندما يتعلق الأمر بأزمة داخلية لها حساباتها الدقيقة على حيثيات حياته في المجالين الاجتماعي والسياسي، لذلك إرتأيت منذ البداية أن أوضح صورة ما يجري على الأرض من خلال تركيب هذه الأحداث على معادلة التفسيرين العلمي والديني، لنعرف إذا ما كان الذي حدث ثورة تغيير وتصويب مسار ثورة كما يقول الطرف الأول، أم إنقلاباً عسكرياً كما يروج الطرف الآخر، وبالتالي نخلص إلى الإستنتاج الذي يريح ضمائرنا، ويخرجنا من دائرة التردد والحيرة، إلى دائرة الفعل والقرار.
حيث يميز الباحثون بين الثورة والإنقلاب وفق مذهبين:
الأول: يرى ان الحركة (movement) تعتبر ثورة (revolution) إذا كان القائم بها هو الشعب، وتعد إنقلاباً إذا كان القائم بها إحدى الهيئات صاحبة الحكم أو السلطة. وبعبارة أخرى إن الإنقلاب عبارة عن تغير في زمام الحكم أحدثه ذوو السلطان من غير أتباع الأحكام الدستورية.
الثاني: يُرجع التفرقة إلى الهدف، فإذا كان الهدف هو تغيير النظام السياسي أو تغير النظام الإجتماعي تعتبر الحركة ثورة بالمعنى الصحيح على أن يكون لها سمتان:
أن تكون حركة شعبية تستند إلى إرادة جماهيرية أكيدة.
أن تكون حركة هادفة أو بعبارة أخرى أن تكون حركة تقدمية ترتبط بأهداف واضحة من التغيير السياسي أو الإجتماعي أو بهما معاً.
وعندما نحاول تطبيق ما قامت به حركة تمرد وقوى الشعب المصري الحية على كلا المذهبين، نجد أن لا كلمة تنطبق على وصف ذلك الفعل غير كلمة "ثورة"، فبناء على التفسير الأول، يتضح لنا على أن الشعب هو صاحب العلاقة الأولى بكل ما حدث، والجيش المصري إنحاز له بفعل واجبه الدستوري ومهمته الوطنية، ورفض الخضوع للرئاسة التي كانت تنوي الإنقلاب على شرعية الشعب، تماماً كما حدث سابقاً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولو حدث العكس من ذلك لكان الجيش ساعد على ارتكاب انقلاب عسكري لصالح جماعة الأخوان المسلمون، التيار السياسي صاحب البرامج والأهداف الحزبية الخاصة، التي –وباجماع المثقفين المصرين- تجاوزت الحدود الدنيا للقواسم المشتركة التي أجمعت عليها مختلف القوى والتيارات المصرية بعد ثورة 25 يناير، وذلك بهدف الاستئثار بالحكم واقصاء الآخرين ضاربة بعرض الحائط كل القيم الأخلاقية والثورية التي توافقت عليها مختلف فئات الشعب المصري العظيم.
أما عند الاحتكام إلى المذهب الثاني الذي يحمل في طياته إحدى سمات المذهب الأول والتي تؤكد على وجوب توفير العمق الشعبي، الحاضر بقوة كما أسلفنا، بالإضافة إلى أن كل الصور التي شاهدناها في ميادين مصر التي ازدحمت بالملايين، وكل الشواهد والمدلولات المادية، سياسية ومعنوية، تثبت ارتباط ذلك الفعل بحركة تقدمية لا رجعية، رفضت المنطق الأخواني الذي يجر مصر عشرات السنين إلى الوراء، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في خطاب الرئيس المخلوع محمد مرسي الذي دعا إلى التمسك بشرعيته كرئيس ولو أدى ذلك إلى سفك دمه. أوليست هذه دعوة صارخة لزج مصر العروبة في حرب أهلية كارثية وتحد سافر لإرادة الشعب؟ عدى عن اعتباره الحراك الشعبي قائم بفعل فلول النظام السابق، متجاهلاً حقيقة أن ثلثي المتواجدين في ميدان التحرير هم الذين صوتوا له في الانتخابات التي سلمته مقاليد الحكم في مصر.
وعند الإنطلاق من زاوية المعادلة الدينية لمفهوم الإنقلاب، فضلت الإستفادة من رؤية الأب الروحي لجماعة الأخوان المسلمين، فضيلة الشيخ القرضاوي، فخلال استعراضه إلى سبل تحقيق الحل الإسلامي، ونقاش كل واحد منها بما له وعليه من إيجابيات وسلبيات، تطرق فضيلته إلى "سجل الإنقلابات العسكرية" وبعيداً عن كل المبررات التي تلجأ إليها جماعة الإنقلاب العسكري في تأييد فكرتها، إلا أنه يبقى هناك جانب كبير من الأهمية لم يؤخذ بالحسبان ومنه "أن النجاح في الإستيلاء على السلطة بالقوة لايعني النجاح في تطبيق المبادئ التي قام الإنقلاب من أجلها، وكم من فئات حزبية إنقضت على السلطة، وتمكنت من إزاحتها، وظلت تحكم عدة سنين، ومع هذا ظلت معزولة عن الشعب، مبغضة إليه، وكلما طال بقاؤها، إزدادت كراهية الناس لها". فحتى لو كان الإنقلاب مرتبطاً بمجموعة من المبادئ الإجتماعية والسياسية، فإن نتائجه لن تقود إلا إلى الإستبداد والكراهية والبغضاء، وعليه فالحركة الإسلامية يجب أن تنكر هذه الظاهرة الخطرة، لا أن تسهم في بقائها واتساعها".
نستشف من هذا الفهم الواعي لخطورة بناء الحكم على فوهات البنادق –فيما لو استجاب الجيش لرغبة مرسي- بأن مصر العروبة ستنهار، ناهيكم عن الاثار السلبية التي يراكمها اللجوء إلى القوة في ثنايا المجتمع، لأن الإنقلاب على إرادة الشعب عبارة عن هزة اجتماعية وسياسية عميقة تضرب كل مقومات التماسك الداخلي لأبناء الشعب الواحد، وبالتأكيد سيتبعها هزات ارتدادية طويلة الأمد يصعب التكهن بحجم أضرارها، لذلك على جماعة الأخوان المسلمين ان تعيد قراءة الواقع مرة أخرى ومن زاوية شعبية أوسع من زاوية المرشد، ففرصة مشاركتها في العمل السياسي لا زالت متاحة، فمصر الديمقراطية الحديثة قائمة على احترام التعددية الحزبية، وهذا ما عبرت عنه جميع القوى الشعبية والسياسية بما فيهم الجيش الذي نأى بنفسه جانباً عن العمل السياسي، أما إذا لجأت إلى القوة فإنها سترتكب الحماقة الكبرى على مدار تاريخ نشأتها، فهي أخطأت في إدارة الحكم ويجب أن تعترف بأخطائها لا أن تلقي باللائمة على الشعب!! فدماء الشعب المصري أهم وأسمى وأثمن من جماعة سياسية ومن سلطة مؤقتة. ومن المغالطات الكبرى لدى جماعة الأخوان أنها تستلهم تجربتها من تجربة حركة حماس في قطاع غزة، فحماس وفق الرؤيتين البحثية العلمية، والفقهية الدينية، ارتكبت جريمة الإنقلاب العسكري عن سبق الإصرار والترصد.
وفي توضيح الفرق بين الإنقلاب والثورة ذكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في حديث له بأن "الثورة وصول إلى القوة لتحقيق تغيير جذري في الأوضاع، أما الإنقلاب فهو وصول إلى القوة من أجل القوة، والحكم في الثورة بداية، بينما الحكم في الإنقلاب بداية النهاية، وبينما الإنقلاب في حقيقته محاولة لتغيير شخص الحاكم فإن الثورة في حقيقتها محاولة لتغيير أساس المجتمع".
والقارئ لأفكار جماعة الأخوان يجد أنها تساهم في التربية على رفض الآخر، بدلاً من تعزيز مفاهيم التعاون والمحبة، وتزرع الإنتماء للتنظيم بدلاً وليس إلى جانب زراعة الإنتماء والمواطنة في نفسية ووجدان أعضائها، على اعتبار أنها صاحبة دعوة دينية، تهدف إلى تحقيق دولة الإسلام التي هي أكبر من الدولة القطرية وإن كانت الثانية جزء من الأولى، مما يحافظ على غلواء السيطرة على السلطة كمحرك دائم لعناصرها من أجل حماية كل ما يتحقق من إنجازات حزبية على طريق الوصول إلى الهدف الإستراتيجي الأسمى حسب اعتقادهم، دولة الخلافة!!
علم الإجتماع السياسي، د "محمد توهيل" فايز أبوهنطش، ص 261
الحل الإسلامي فريضة وضرورة – د يوسف القرضاوي- ص 196.
نفس المصدر السابق، ص 203
الانقلابات العسكرية في سوريا 1949-1954، د سيد عبدالعال، ص 31.
haحيث يميز الباحثون بين الثورة والإنقلاب وفق مذهبين:
الأول: يرى ان الحركة (movement) تعتبر ثورة (revolution) إذا كان القائم بها هو الشعب، وتعد إنقلاباً إذا كان القائم بها إحدى الهيئات صاحبة الحكم أو السلطة. وبعبارة أخرى إن الإنقلاب عبارة عن تغير في زمام الحكم أحدثه ذوو السلطان من غير أتباع الأحكام الدستورية.
الثاني: يُرجع التفرقة إلى الهدف، فإذا كان الهدف هو تغيير النظام السياسي أو تغير النظام الإجتماعي تعتبر الحركة ثورة بالمعنى الصحيح على أن يكون لها سمتان:
أن تكون حركة شعبية تستند إلى إرادة جماهيرية أكيدة.
أن تكون حركة هادفة أو بعبارة أخرى أن تكون حركة تقدمية ترتبط بأهداف واضحة من التغيير السياسي أو الإجتماعي أو بهما معاً.
وعندما نحاول تطبيق ما قامت به حركة تمرد وقوى الشعب المصري الحية على كلا المذهبين، نجد أن لا كلمة تنطبق على وصف ذلك الفعل غير كلمة "ثورة"، فبناء على التفسير الأول، يتضح لنا على أن الشعب هو صاحب العلاقة الأولى بكل ما حدث، والجيش المصري إنحاز له بفعل واجبه الدستوري ومهمته الوطنية، ورفض الخضوع للرئاسة التي كانت تنوي الإنقلاب على شرعية الشعب، تماماً كما حدث سابقاً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولو حدث العكس من ذلك لكان الجيش ساعد على ارتكاب انقلاب عسكري لصالح جماعة الأخوان المسلمون، التيار السياسي صاحب البرامج والأهداف الحزبية الخاصة، التي –وباجماع المثقفين المصرين- تجاوزت الحدود الدنيا للقواسم المشتركة التي أجمعت عليها مختلف القوى والتيارات المصرية بعد ثورة 25 يناير، وذلك بهدف الاستئثار بالحكم واقصاء الآخرين ضاربة بعرض الحائط كل القيم الأخلاقية والثورية التي توافقت عليها مختلف فئات الشعب المصري العظيم.
أما عند الاحتكام إلى المذهب الثاني الذي يحمل في طياته إحدى سمات المذهب الأول والتي تؤكد على وجوب توفير العمق الشعبي، الحاضر بقوة كما أسلفنا، بالإضافة إلى أن كل الصور التي شاهدناها في ميادين مصر التي ازدحمت بالملايين، وكل الشواهد والمدلولات المادية، سياسية ومعنوية، تثبت ارتباط ذلك الفعل بحركة تقدمية لا رجعية، رفضت المنطق الأخواني الذي يجر مصر عشرات السنين إلى الوراء، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في خطاب الرئيس المخلوع محمد مرسي الذي دعا إلى التمسك بشرعيته كرئيس ولو أدى ذلك إلى سفك دمه. أوليست هذه دعوة صارخة لزج مصر العروبة في حرب أهلية كارثية وتحد سافر لإرادة الشعب؟ عدى عن اعتباره الحراك الشعبي قائم بفعل فلول النظام السابق، متجاهلاً حقيقة أن ثلثي المتواجدين في ميدان التحرير هم الذين صوتوا له في الانتخابات التي سلمته مقاليد الحكم في مصر.
وعند الإنطلاق من زاوية المعادلة الدينية لمفهوم الإنقلاب، فضلت الإستفادة من رؤية الأب الروحي لجماعة الأخوان المسلمين، فضيلة الشيخ القرضاوي، فخلال استعراضه إلى سبل تحقيق الحل الإسلامي، ونقاش كل واحد منها بما له وعليه من إيجابيات وسلبيات، تطرق فضيلته إلى "سجل الإنقلابات العسكرية" وبعيداً عن كل المبررات التي تلجأ إليها جماعة الإنقلاب العسكري في تأييد فكرتها، إلا أنه يبقى هناك جانب كبير من الأهمية لم يؤخذ بالحسبان ومنه "أن النجاح في الإستيلاء على السلطة بالقوة لايعني النجاح في تطبيق المبادئ التي قام الإنقلاب من أجلها، وكم من فئات حزبية إنقضت على السلطة، وتمكنت من إزاحتها، وظلت تحكم عدة سنين، ومع هذا ظلت معزولة عن الشعب، مبغضة إليه، وكلما طال بقاؤها، إزدادت كراهية الناس لها". فحتى لو كان الإنقلاب مرتبطاً بمجموعة من المبادئ الإجتماعية والسياسية، فإن نتائجه لن تقود إلا إلى الإستبداد والكراهية والبغضاء، وعليه فالحركة الإسلامية يجب أن تنكر هذه الظاهرة الخطرة، لا أن تسهم في بقائها واتساعها".
نستشف من هذا الفهم الواعي لخطورة بناء الحكم على فوهات البنادق –فيما لو استجاب الجيش لرغبة مرسي- بأن مصر العروبة ستنهار، ناهيكم عن الاثار السلبية التي يراكمها اللجوء إلى القوة في ثنايا المجتمع، لأن الإنقلاب على إرادة الشعب عبارة عن هزة اجتماعية وسياسية عميقة تضرب كل مقومات التماسك الداخلي لأبناء الشعب الواحد، وبالتأكيد سيتبعها هزات ارتدادية طويلة الأمد يصعب التكهن بحجم أضرارها، لذلك على جماعة الأخوان المسلمين ان تعيد قراءة الواقع مرة أخرى ومن زاوية شعبية أوسع من زاوية المرشد، ففرصة مشاركتها في العمل السياسي لا زالت متاحة، فمصر الديمقراطية الحديثة قائمة على احترام التعددية الحزبية، وهذا ما عبرت عنه جميع القوى الشعبية والسياسية بما فيهم الجيش الذي نأى بنفسه جانباً عن العمل السياسي، أما إذا لجأت إلى القوة فإنها سترتكب الحماقة الكبرى على مدار تاريخ نشأتها، فهي أخطأت في إدارة الحكم ويجب أن تعترف بأخطائها لا أن تلقي باللائمة على الشعب!! فدماء الشعب المصري أهم وأسمى وأثمن من جماعة سياسية ومن سلطة مؤقتة. ومن المغالطات الكبرى لدى جماعة الأخوان أنها تستلهم تجربتها من تجربة حركة حماس في قطاع غزة، فحماس وفق الرؤيتين البحثية العلمية، والفقهية الدينية، ارتكبت جريمة الإنقلاب العسكري عن سبق الإصرار والترصد.
وفي توضيح الفرق بين الإنقلاب والثورة ذكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في حديث له بأن "الثورة وصول إلى القوة لتحقيق تغيير جذري في الأوضاع، أما الإنقلاب فهو وصول إلى القوة من أجل القوة، والحكم في الثورة بداية، بينما الحكم في الإنقلاب بداية النهاية، وبينما الإنقلاب في حقيقته محاولة لتغيير شخص الحاكم فإن الثورة في حقيقتها محاولة لتغيير أساس المجتمع".
والقارئ لأفكار جماعة الأخوان يجد أنها تساهم في التربية على رفض الآخر، بدلاً من تعزيز مفاهيم التعاون والمحبة، وتزرع الإنتماء للتنظيم بدلاً وليس إلى جانب زراعة الإنتماء والمواطنة في نفسية ووجدان أعضائها، على اعتبار أنها صاحبة دعوة دينية، تهدف إلى تحقيق دولة الإسلام التي هي أكبر من الدولة القطرية وإن كانت الثانية جزء من الأولى، مما يحافظ على غلواء السيطرة على السلطة كمحرك دائم لعناصرها من أجل حماية كل ما يتحقق من إنجازات حزبية على طريق الوصول إلى الهدف الإستراتيجي الأسمى حسب اعتقادهم، دولة الخلافة!!
علم الإجتماع السياسي، د "محمد توهيل" فايز أبوهنطش، ص 261
الحل الإسلامي فريضة وضرورة – د يوسف القرضاوي- ص 196.
نفس المصدر السابق، ص 203
الانقلابات العسكرية في سوريا 1949-1954، د سيد عبدالعال، ص 31.