الخير: رشوة أم شهرة أم منفعة مستدامة؟- د. صبري صيدم
ينتاب مجتمعنا في شهر الخير الفضيل شعورٌ متصاعد بالعطاء والرغبة بالاهتمام بشرائح منسية من أبناء مجتمعنا. بل ان هذا الاهتمام يشهد ذروته مع قرب انقضاء الشهر الفضيل.
فنشهد حمى الإفطارات والأمسيات الرمضانية والطرود الغذائية والتبرعات التي تطال الأيتام والمعاقين والمرضى والجرحى وأسر الشهداء في مشهدٍ إنسانيٍ يعكس حالة من التضامن والتكافل نتمنى أن تسود شهور العام لا أن تكون طفرة محدودة الزمان والتكرار.
لكن البعض يتهم القائمين على بعض الإفطارات التي تحف وتزف بها منصات الإعلام على اختلافها في عالمي الواقع والافتراض بأنها لا تتعدى كونها افطارات استعراضية تحاول تجسيد مفهوم الرشوة الغذائية والاتجار بمعاناة الناس بحثاً عن استقدام الولاء واستجداء الدعم وشراء الشعبية على قاعدة إطعام الفم يُخجل العين وربما يبني قاعدة جماهيرية للجهات المضيفة من مؤسسات وأفراد!
ومنتقدو هذا التوجه يعتبرون الاستعراض الإعلامي المصاحب لهذه "الاستضافات" لهو الدليل الواضح على هذا النهج وأهدافه خاصة وأن الخير كما يقولون هو لله وعبده المحتاج لا للاستعراض ونفخ الذات ومحاولة لإبراز فرد أو نهج ٍ أو مؤسسةٍ أو تيارٍ ما من خلال خطوات ابتذالية مفضوحة كما يقول أيضاً منتقدوها باعتبار وحسب قولهم أن الهدف من هكذا أمر ليس طاعةً لله وإنما محاولة للضحك على رب الكون رغبة في "استولاء" عباده وشراء جوعهم ودعمهم بكسرات خبزٍ تدفع ثمنها جهة مانحة ما.
وما تلبث تلك الاستعراضات على الانتهاء حسب الرافضين لها حتى تتوالى البيانات الصحفية ممهورة بتصريح فلان ومباركات علان. لذا يتساءل البعض عن مفهومي الرشوة ومحاولة الشهرة وإبراز الذات في كل نشاطٍ وآخر خاصة وأن جوقة "المصرحين الصحفيين" هي ذاتها.
إطعام صائم محتاج وكسوة أهله ورعاية أبنائه وخدمة اليتيم والمريض وأبناء الشهداء من خلال التعطف عليهم يجب أن يكون أمراً مستداماً لا موسمياً أو رمضانياً فقط ويجب أن يكون مستتراً حيثما أمكن فلا تعرف يسارك ما أخرجت يمينك.
الخير أيضاً يحب أن يتبنى مفهوم "تعليم الصيد للمحتاج عوضاً عن إعطائه السمك" خاصة وأن طرود الطعام تنتهي بانتهائها دون أثر فعلي عدا عن أثر معنويٍ مؤقت. فلو أن كل المال الذي ينفق على الطعام والولائم في فلسطين يخصص لدعم مشروعاتٍ تنموية فإن الحال لم يكن ليكون على حاله اليوم.
فليس في الكون ما يسمى بإنسان "نصف خلوق" أو "نصف خيّر" أو "نصف تقي" أو "نصف عاطفي" أوً حتى "نصف إنسان" فإما أن يكون العطاء مستداماً وإما لا يكون.
إن روحانية رمضان ونقاءه وأخلاقه وحكمه وتعاليمه تمكن الناس من مراجعة ذاتها ومشاركة الغير بمشاعرها وهي من تستفز الخير بغرض تحويله إلى ثقافة مستدامة. كما أن شهر العطاء هو فرصة العمل وليس للكسل انسجاماً مع مفاهيم الشهر الفضيل من أخلاق وعبر. فهل نجد الخير في شهر الخير وبقية أيام السنة أم أن حبل الأمل قد انقطع واندثر؟
s.saidam@gmail.com