علي عبد الكريم السويركي.. فارس آخر يترجل - الأسير المحرر/ سلمان أبو سليم جادالله
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى"قال - تعالى -: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41].صدق الله العظيم
في زمن التحدي، تحدي الدم للمخرز وقت ينصهر الوعي بالمطلق في القضية الوطنية حين لا كوابح تحد من البذل الأقصى من اجل تحقيق الانتصار، في هذا الزمن يشكل نكران الذات والتحرر من القيود السلبية لغريزة حب البقاء، يشكلان أهمية قصوى للدافع الذي ينبثق منه سلوك الإنسان المناضل إزاء التحديات التي في ذروتها استغواء الشهادة.
الأسير المحرر علي عبد الكريم السويركي واحد من هؤلاء المناضلين الذين يتحاشون كل ما يلهيهم عن المهام النضالية وينأون بأنفسهم وبإصرار عن المباهاة بما ينجزون، على خلاف آخرين يزهون بما يقومون به، فهو يتكتم على كل ما قد يضره أمنياً، ويحاذر أن يبوح به حفاظاً على استمرار دوره النضالي، هذا الحذر لا يعني التكتم الكلي ولا يعني عدم خوضه النقاش في العموميات حيث يمتلك الوعي في المسائل الوطنية ولديه الجرأة في الحديث وخوض الحوار بذلاقة لسان تفصح عن قوة إرادة ونفاذ بصيرة.
لقد عاصر أبو العبد مراحل الثورة، مداً وجزراً وكان له الإسهام في كل منهما، حيث أسهم بدور فعال: ففي المد، انخرط في أول السبعينات من القرن الماضي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهو لما يزل طالباً في الثانوية واعتقلته قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأمضى محكومتيه متنقلا بين سجني غزة وبئر السبع، تعرف خلالها على خيرة أبناء الثورة الفلسطينية وراكم وعيه الفكري والأمني على يد أبطال الثورة الذين شاركهم زنازين سجن غزة المركزي وسجن بئر السبع ( المفتتح حديثاً)، من بين هؤلاء الأبطال أبو احمد الجرو والدحدوح ومحمود الزق وسمير حسان وجلال عزيزة ومنصور ثابت والآخرون من قدامى الأسرى.
بعد إطلاق سراحه انضم إلى كلية التدريب المهني بوكالة الغوث وحصل بعد عامين على إجازة فني تلفزيون لينخرط في سوق العمل بافتتاحه ورشة تصليح في حارة السيد هاشم بغزة، في هذه الورشة تهيأت له الفرصة للاتصال بالناس، حيث كان يزور المنازل لإصلاح أجهزة أصحابها لكون أهالي المدينة يفضلون الإصلاح داخل المنزل، وهذا مكنة من التطرق لأحاديث وحوارات تصب في التحريض للثورة مستغلا رغبة هؤلاء الناس في غالبهم إلى الاستماع لأحاديثه خاصة حين يعلمهم أنه كان أسيرا.
أحاديثه كان يبدأها بحكايات من داخل غرفة زيارات سجن بئر السبع، الأولى عن والدته التي زارته لأول مرة في سجن بئر السبع، والثانية عن زيارة والده، وفي كليهما كان يتعاطف معه المتلقون ويستوعبون مرامي حكاياته التي تهدف في الأساس إلى التبشير بالثورة، وأن لا قوة يجب أن نخشاها في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي.
كان له مريدون كثر يرتادون ورشته وبالذات يوم السبت حيث عطلة العمال، كان (علي) يدير الحديث وفي الغالب يحرفه نحو بوصلة الأعمال الثورية حتى غدت هذه الورشة بؤرة إشعاع للثورة تتردد فيها أخبار الناس وأحاديثهم عن العمليات العسكرية والاعتقالات والتفاعل مع قضايا الأسرى وانتهاكات حقوق الإنسان والطلاب وتنامي دور الجامعات.
في صيف 1978 ومع إرساء السنة الجامعية في معهد الأزهر الديني بغزة وقبل أن يغدو هذا القسم الجامعي, ويتحول إلى جامعة غزة ثم الجامعة الإسلامية، تعرف (علي) على أبو سليم جاد الله الذي يعمل صحافياً وكاتباً في (الطليعة) المقدسية ثم في (الميثاق) المقدسية ثم (نضال الجماهير) ثم (العودة المقدسية)، في هذا الوقت بدأ يؤم الورشة ويزورها قوى ومناضلون وطلاب جامعيون وعمال ومناضلات وهو ما حول الورشة إلى بؤرة نابضة بالثورة كونها تشكل مكاناً مأموناً ومصدراً للمعلومات والأخبار التي تكشف نبض الشارع بتوجهاته.
في هذا العام تضافرت جهود متعددة تواكبت بعمليات عسكرية كان لها الدور التحريضي الأساس في إنضاج الظرف لخلخلة رتابة الجزر في الثورة وبروز عملية مد مبنية على الأطراف المختلفة من طلاب جامعيين وثانويين, ولجان المرأة بما فيها الاتحاد النسائي وعمال ونقابات, ومكتبات(العلمية) لطلعت الصفدي و(الجماهير) لمحمود الغرباوي و(ابن خلدون) لسلمان جاد الله و(المكتبة العامة) مكتبة الهلال الأحمر والمؤسسات ( الجمعيات العثمانية) ولجان الشبيبة ولجان العمل التطوعي للشعبية والحزب الشيوعي (حالياً حزب الشعب ) يضاف إليها ورشة (علي السويركي) التي كانت مقراً للتجمع الوطني الذي أصبح فيما بعد كتلة التجمع النقابي التقدمية.
إن الأمانة التاريخية تلزمنا أن نوفي هذا الرجل حقه بالتأريخن إنه كان من بين النخب الثورية, الرجال الذين كانوا يشغلهم هم الوطن بين الناس قبل الانتفاضة المجيدة, وأسهم مع الآخرين وعموم أبناء شعبنا في إنضاج العوامل لانطلاق الانتفاضة في العام 1987.
كان رحمه الله غيوراً لا يبخل في الإسهام بأي عمل نضالي يسهم فيه دون أن يسأل ما دام يصب في تعزيز الثورة ويوطد أركانها لذا فقد كان يحظى بتقدير المغفور له بإذن الله القائد الدكتور حيدر عبد الشافي, والمناضل أبو وديدة, والمغفور له بإذن الله عبد الله أبو العطا والبرغوثي ( لجان العمل التطوعي) والأخت نعمه الحلو وآخرين وأخريات.
ومن الأهمية بمكان القول إن الأبطال الحقيقيين و(علي) من بينهم لا يرون أن أمراً خارقاً قد أحدثوه حين ينفذون عملاً بطوليا فهم يعتبرون أنفسهم قد نفذوا واجباً، ينفذون واجباً عليهم لهذا الوطن لا يبتغون منه مغنماً وهو ما يناقض آخرين يهللون حتى إذا ما قاموا بعمل عادي لا بطولي.
وعليه فإن هذا البطل أبو العبد السويركي كما كثره من الأبطال الحقيقيين لم يحظ بالمكانة اللائقة على الرغم من أن الثرثارين قد استأثروا بما لا يستحقونه.
وهي دعوة لجبهة النضال الشعبي لتصحيح مكانته حتى ولو معنوياً، حتى ولو بعد وفاته كما هي دعوة للجنة الأسرى في القوى الوطنية والإسلامية إلى تصحيح خطأ آلم ( الأسير المحرر المرحوم علي السويركي) كثيراً حين لم تسجله للحج على نفقة خادم الحرمين الشريفين كحق متعارف لأعضاء لجنة الأسرى، فهل يحقق النافذون في لجنة الأسرى (لعلي) هذا الحج بعد وفاته وذلك بأداء أرملته الحج لتهبها له؟
لقد كان (لعلي عبد الكريم السويركي) إسهامات في الثورة يجهلها كثرة لم يفصح عنها في حياته للضرورة أما الأقربون فيتجاهلونها كونها تكشف عظمة هذا الفارس الذي في (أثوابه أسد هصور).
لقد فقد شعبنا الفلسطيني فارساً مجيداً وفقد أصدقاؤه فيه ثورياً أصيلاً مقداماً احتضن الثوار حين كان البعض لا يجرؤون.
كنت ملزما أن اكتب عن بعض ما تحفظه الذاكرة (لعلي) وأوفيه ـ للأسف _ بعد مماته بعضاً من إسهاماته الثورية والنضالية والله نسأل أن يتغمده بواسع رحمته.