شعب يغتاله كتاب!- د. صبري صيدم
أردت من خلال هذا المقال أن أنشر نسخة عن صفحة من المنهاج الإسرائيلي الذي قررت خمس مدارس عربية في القدس الشروع بتدريسه هذا العام عوضاً عن المنهاج الفلسطيني ليس فقط من باب احتجاجي الشخصي بل أيضاً لقناعتي بأن المنهاج الإسرائيلي موبوء بمحاولاته اغتيال حقوقنا التاريخية، وهذا ما تشهد عليه دون لبس صفحات كثيرة منه.
ورغم حساسية الأمر إلا أن هذا التطور قد مرّ مرور الكرام في العديد من وسائل الإعلام العربية وقلة عدد الصحف التي اهتمت به واقتصرت على البعض منها مثل الإمارات اليوم التي أشارت في تحقيق خاص إلى أن أحد الدروس في المنهاج الإسرائيلي يشير إلى أن القدس "عاصمة إسرائيل" وأنها أكبر مدينة فيها من حيث عدد السكان، و فيها معظم المؤسسات المهمة التي تدير شؤون الدولة، وهي الكنيست، والوزارات، والمحكمة العليا، وغيرها، كما يتناول كتاب آخر الديانة والتقاليد اليهودية.
وتدعي إسرائيل في أحد الدروس الذي حمل عنوان »السكان العرب في دولة إسرائيل مواطنون متساوو الحقوق«، وحسب الصحيفة المذكورة أن العرب واليهود يعيشون في إسرائيل جنباً إلى جنب، ويتعاونون في مختلف المجالات، فيما عنون الاحتلال كتاب المدنيات بعنوان »مسيرة نحو الديمقراطية في إسرائيل للمرحلة الإعدادية في المدارس العربية«، فيما طبع عليه علم إسرائيل.
و يستهدف المنهاج المطّبق مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية، ومادتي التاريخ والجغرافيا والثقافة العامة في صفوف تطال الرابع الإبتدائي وحتى الثاني إعدادي.
وإضافة إلى القول بأن القدس عاصمة دولة إسرائيل فإن المنهاج المذكور يطال المسجد الأقصى المبارك ليستبدله بالهيكل المزعوم، فيما يلغى مصطلح ذكرى النكبة، ويحل مكانه عيد استقلال دولة إسرائيل، ويدرس الطالب نشيد إسرائيل (هتكفا) بدلاً من النشيد الوطني الفلسطيني.
وأياً كانت الأسباب التي دفعت تلك المدارس إلى اتخاذ خطوة كهذه فإن "أسرلة" التعليم بات أمراً مفضوحاً بعدما حاولت إسرائيل بضغوطها الكبيرة على الكونغرس الأميركي وعدة برلمانات أجنبية أن تدعي بأن المنهاج الفلسطيني تحريضي مستفز بل وصل بها الأمر إلى الذهاب نحو المطالبة بقطع المساعدات عن السلطة الوطنية الفلسطينية للضغط عليها لتغيير منهاجها.
اليوم تمارس إسرائيل محاولاتها المستديمة لاستعادة عجلة العصر الاستعماري من القرن الماضي من خلال محاولات محو الذاكرة واللغة عبر فرض المناهج التعليمية خاصتها لتثبيت استعمارها واحتلالها.
صحيح أن بريطانيا وفرنسا وفي العديد من الدول التي احتلتاها قد فشلتا في محاولاتهما التاريخية المماثلة ذات يوم لكن الأثر التدميري بقي قائماً حتى تاريخنا هذا رغم مرور عقود طويلة من الزمن.
ولو توجه أحدنا مستفسراً إلى المدارس المقدسية المذكورة فربما سيواجه بالقول بأن تلك المدارس لم تعد تمتلك الخيار وأنها ُدفعت مكرهة نحو هذا الحال.
إذا الدفع بالإكراه نحو الأمر هو سياسة إسرائيلية أصيلة تماماً كما هي الحروب التي شهدها وسيشهدها العالم العربي والتي لعبت إسرائيل ومخابراتها ومؤسساتها العسكرية دوراً فيها ناهيكم عن محاولاتها الدفع بشبابنا نحو الهجرة الطوعية جراء التضييق المباشر في الاقتصاد والتنقل والعلاج وحتى تشجيع انتشار المخدرات والآفات الاجتماعية ومحاولات الإسقاط الأمني وغيرها.
إسرائيل بدفعها للمدارس العربية لتطبيق منهاجها ستحاول جاهدة أن تدعم سياسة الأسرلة و"تجريع" الشعب الفلسطيني روايتها المسمومة فتمحو ذاكرته المكانية والزمانية في حربي التاريخ والجغرافية.
المهم ألا نستسلم فلسطينياً لهذا الحال وألا نعالجه في أروقة التفكير والتنظير بل ننتقل إلى الميدان لإيجاد الحلول الخلاقة على أرضية عملية.
هذه الدعوة للجميع وأنا معهم للتفكير ملياً في مواطن التقصير الذي شاب حياتنا التعليمية في مدينة القدس والبدء بهجوم مضاد يستهدف النيل من المبدأ والوسائل خاصة وأن تعاملنا مع الأمر الواقع في بعض الأيام والحالات مرفوداً بثقافة الإحباط قد جعل من بعض الأمور حقيقة واقعة يطالبنا العالم اليوم بالتعايش معها.
إن إسرائيل التي لم تنجح في نظريتها التي تخص بها الفلسطينيين وتقوم على القناعة بأن الكبار سيموتون والصغار سينسون وبعد أن طاحنت الأرض لطمس الهوية الفلسطينية عبر الاحتلال والاعتقال والتهجير والمستوطنات وجدار الفصل تحاول اليوم أن تحاربنا بكتبها فتغتال قناعاتنا ووجودنا وهويتنا، فهل يعيد التاريخ نفسه؟
s.saidam@gmail.com