القدس ذات الأبعاد والعويل- بكر ابو بكر
أن تكون القضية عادلة والمحامي فاشل فالخسارة تلوح في الأفق، ولكن ان تكون القضية عادلة والمحامي متمكن ويحكم القاضي بالظلم فهذا هو واقعنا بقضيتنا الفلسطينية، فان كان المجتمع العالمي هو القاضي فإنه لا يحكم بالنظر حيث القوانين والمعاهدات الأممية هي الملزمة لذلك وغيره من سياقات سنظل نصارع ونكافح ونقاوم.
لقد طرأت في ذهني فكرة المحامي المقتدر والقاضي الظالم إثر اجتماع هام عقدناه في لجنة القدس في المجلس الثوري لحركة فتح وتحدث فيها عدد من الأخوة الذين كانوا محامين متمكنين عن قضية القدس وهم: بلال النتشة وسلوى هديب وحاتم عبد القادر وحسن الخطيب وأوري ديفس من المقادسة، وعرضوا المظالم التاريخية والجغرافية والسكانية العنصرية بحق المقدسيين التي لو عرضت على قاض أو حاكم عادل لعرف موضع الحق وأقامه.
استطاع الأخوة المتحدثون أن يشخصوا آلام المدينة الصابرة المكافحة المكابرة فقدموا شرحا صادما بالمعلومات ومؤثرا اضافة الى أنه كان شرحا واضحا ومتكاملا، واختتموا كلماتهم بمجموعة من المقترحات الهامة.
إن قدرة الأخوة المذكورين على العطاء كما هي على الحديث بوضوح في أمور عدة وعن آلام المدينة المكلومة تؤهلهم لعرضها في المحافل الإقليمية والعالمية ما يعني أن شعبنا الذي لا تخبو ناره لديه من الطاقات والإبداعات الكثير.
لمدينة القدس وقضيتها - كما لفلسطين وقضيتها – أبعاد كثيرة، ولكن دعنا ننظر للقضية من 5 أبعاد محددة تفيد المحامي وتتعب الحرامي.
أولا: إن البعد الزماني التاريخي لمدينة القدس كبير لـ 5000 عام تواجد فيها الكنعانيون – الفلسطينيون في هذا البلد، الذي مر عليه الغزاة في التاريخ مرور الكرام.
ثانيا: البعد الثقافي حيث إن القدس تشكل للمليار مسلم أساسا في عقائدهم كما هي للمسيحيين أيضا، وهذا بعد تعبوي عاطفي بارز وهام.
ثالثا: البعد الجغرافي والسكاني: حيث يخوض المقدسيون حربا يوميا كي لا تسحب القدس من أحضانهم عبر كافة الاجراءات الإرهابية القمعية والعنصرية الاسرائيلية التي وصلت الى فرص عشرات الضرائب المرهقة عليهم، وتكثيف بناء المستوطنات مقابل هدم بيوتهم بأسانيد واهية بل وتسليمهم – ما حصل مؤخرا – بطاقات هوية ذات شريحة تدل على مكان تواجدهم في سابقة لا إنسانية، وعنصرية، لطرد من لا يقيم بالقدس من جهة والتجسس على تحركاتهم من جهة أخرى وهو ما يتناقض أصلا مع مبادئ حقوق الانسان.
رابعا: القدس كقضية عظيمة: إذ ان أبعادها القانونية والقومية والدينية والسياسية يجعلها أكبر من الجغرافيا فهي في قلب معظم سكان العالم، وأكبر من القيادات الذين تنازعوا ففشلوا فزالوا، وبقيت هي، بل وأكبر من كل الدول عبر التاريخ.
إن البعد العالمي للقدس يفرض علينا التفكير دوما في التأثيرات المترابطة معا ما بين المحلي الداخلي والإقليمي والعالمي، كما يفرض علينا حال التصدي لقضية القدس أن نلج المساحات الثلاث ولكل أهدافها وأدواتها وشخوصها.
خامسا: الفعل الذي يرقى الى اللافعل، فلم نعد نرى من دعم الصمود في القدس بالبعد العربي والإسلامي والعالمي إلا فُتات المال، فيقف الفلسطينيون والمقدسيون وحدانا يتصدون ويقاومون ويكرّسون بثباتهم على أرضهم تحت أبشع أنواع الاضطهاد أن قدسنا ليست أورشليم، وأن قدس-قدش التوراة وأورشليمها ليست هنا أبدا كما اثبتت الأبحاث الحديثة والحفريات.
إن القدس قضية صراع صعبة جدا، وسهلة جدا، فهي صعبة جدا إن تم النظر اليها من واقع التدخلات والتشابكات والتعقيدات بالكم الهائل الكامن فيها فنركن تاركين موسى يقاتل وحده ونتفرغ لشؤوننا، وسهلة أو متيسر التعاطي معها إن اتحدنا فنعيد تشكيل التقاطعات والخيوط في ظل فكر مستنير وتعبئة وإعادة تثقيف إقليمي وعالمي واستنهاض لهمم الأمة ودعمها المالي والمعنوي دون ابطاء أواستبدال ذلك بالدعاء والعويل وذرف الدموع.
كما طرح الاخوة المقدسيون في الاجتماع فإن توحيد قناة التعامل مع القدس فلسطينيا بداية جيدة، بل أساسية، وإقامة الحوار مع المعطلين السفهاء الذين استطابوا إدخال الاقصى في معارك العرب وبدعم مباشر من الاحتلال كي لا يكون الشذوذ قاعدة ولا نبكي تقسيم أو هدم الأقصى كما حصل مع المسجد الابراهيمي في الخليل.
وإنني إذ أرى أهمية بالغة لاعتماد خطة وطنية شاملة متعلقة بالقدس كما ذكر الاخوة المتحدثون، فإنني أشير فقط لنقاط ثلاث هي أهمية وضع القدس على جدول أعمال كل مؤسسة بل اعطائها الأولوية على ما سواها، فلا دولة بلا القدس كما لا دولة بلا حق اللاجئين.
أما النقطة الثانية فهي ضرورة أن تشمل الخطة الأبعاد التي ذكرناها وفي السياق الوطني والإقليمي والعالمي والتعبوي والثقافي والسكاني والجغرافي.
والنقطة الثالثة هو أن تُجزئ ويُخصص فيها ويُحدد مساحات ومربعات ومهمات ومسؤوليات واضحة لكل مؤسسة أو جماعة، أوفرد بما يجعل جميعنا منخرط في فعل نضالي يتعلق بالمدينة المقدسة.
إن الفكرة أو الخطة أو السراطية (=الاستراتيجية) لا تنجح إلا بوحدة الهدف والقيادة والفعل، ما يعني أننا لم نبدأ المعركة بعد فالطريق طويل، والزمن يولي ظهره ويتحول لتاريخ والجغرافيا تبتعد، والعين ساهمة.