للمرة الثالثة- يحيى رباح
محكمة القضايا المستعجلة في القاهرة، أصدرت يوم الاثنين حكماً تاريخياً, هو الحكم الثالث من نوعه منذ خمسة وستين عاماً, يقضي بحظر جماعة الاخوان المسلمين في مصر, وكل ما يتفرع عنها، ووضع اليد على مقراتها وأملاكها وأموالها السائلة والمنقولة, وطالب مجلس الوزراء بتشكيل لجنة مستقلة لادارة هذه الأموال الى حين صدور أحكام نهائية.
الحكم الأول ضد الجماعة صدر عام 1948 بعد عشرين سنة على انشائها بسبب الاغتيالات التي نفذها ما يطلق عليه في تاريخ الجماعة الدموي بالتنظيم الخاص! أما الحكم الثاني بحل الجماعة فقد كان في عام 1954على خلفية المحاولة الفاشلة لاغتيال الزعيم جمال عبد الناصر في المنشية بالأسكندرية، ثم ها هو الحكم الثالث يصدر يوم الاثنين الثالث والعشرين من سبتمبر 2013, فماذا بعد, ماذا سيفعل الشعب المصري ودولته بهذه التركة السوداء الثقيلة, وماذا تفعل الجماعة بنفسها؟.
الأسئلة كما ترون كلها من الوزن الثقيل، وحتى الدعوات التي انطلقت في الفترة الأخيرة للمصالحة والحوار، ألقمت اصحابها حجارة في افواههم, وأظهرتهم انهم خارج الدائرة, خارج الوعي, وخارج الظروف الموضوعية, لأن الجماعة لم تتقدم ولو خطوة واحدة للتصالح مع الزمن التاريخي والزمن السياسي الذي تعيش فيه, ولم تفتح اي حوار مع نفسها, فكيف لأحد مهما كان فردا او حزبا, على المستوى السياسي او على المستوى الثقافي ان يتحدث عن هذه المصالحة وعن هذا الحوار؟ تجارب جماعة الاخوان المسلمين على امتداد خمس وثمانين سنة لم تكن ناجحة, بل كانت تنتهي بها في الوقوع في نفس الحفرة لأنها كانت تتبنى نفس الافكار, ونفس الآليات, ونفس الاوهام! الفرق الوحيد ربما, ان الجماعة في الفترات السابقة, كانت تعيش مثل تلك الكائنات الغربية نصف في الماء ونصف في اليابسة, نصف في النور ونصف في العتمة, ولكن وصول الجماعة عن طريق صفقات التدخل الخارجي الى سدة الحكم لمدة سنة كاملة جعلها بالمطلق أسيرة وضحية لشهوة السلطة, فأعمتها هذه الشهوة, والاخطر من العمى انها كشفتها كاملا, لدرجة ان كثيرا من المصريين الذين يعملون في العمل العام كان لهم جيران «الباب في الباب» لمدة عشرين او ثلاثين سنة ولم يكونوا يظنون ان جيرانهم من الاخوان المسلمين! فاذا بهم بعد صعود محمد مرسي الى الرئاسة يكتشفون ان جيرانهم من القيادات المهمة للاخوان المسلمين، وعلى هذا فليكن القياس.
كما ان الاشتباك الوجودي بين الجماعة وخصومها في الثمانية عقود الماضية, كان فيه قدر كبير من الألاعيب السياسية, مثل الاحزاب مع بعضها, او الاحزاب مع القصر قبل الثورة, او الاحزاب مع المندوب السامي البريطاني، واستثمار الاخوان الذين لديهم قابلية في الاستخدام في لعبة تغيير موازين القوى الداخلية مثلما فعل الرئيس السادات الذي كان الضحية الكبرى لهذه اللعبة لأنهم اغتالوه بعد ذلك! او عقد الصفقات العجيبة مع الجماعة التي كان يطلق عليها وصف المحظورة مع نظام حسني مبارك! وكان الشعب المصري على نحو ما ليس منغمسا في تلك الالعاب السياسية, كان يرى الظاهر ولا يرى الباطن! ولكن هذه المرة فان الشعب المصري في اغلبيته الساحقة هو الخصم والحكم في آن واحد, وان الجيش المصري بكل قوته ورصيده الوطني هو الحامي لمصالح الشعب, فماذا ستفعل الجماعة؟ لقد انكشفت في الخارج قبل الداخل ولا تستطيع الآن ان تهاجر مثلما حدث في الخمسينيات والستينيات ولا ان تلعب دورا في الصراع الدولي كما في السبعينيات والثمانينيات في افغانستان, فالذين قدموا لها المأوى في ذلك الوقت كانوا اكثر من اكتوى في نارها، وشعارهم اليوم انه لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين! والذين يلعبون بالجماعة الآن عن بعد, لا يستطيعون ان يتقدموا اكثر والا سيواجهون حالة ثأرية من جميع الكبار في الوطن العر بي! وحتى الغرب نفسه, الغرب البراغماتي لا يحب البكاء على الاطلال, وهو يقف عادة مع الجيوش المنتصرة وليس مع الجماعات المهزومة، انه سريع البحث عن بدائل ولا يذرف الدموع على عملائه الفاشلين.
كما ان التجربة تقول لنا انه منذ سقوط مرسي, وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بطريقة مبهرة تسجل للجيش والشرطة المصرية, فان المحاولات الانتقامية التي تقوم بها الجماعة تزيدها كرها, وفشلا، وعداوة مع الشعب المصري, هل تخويف التلاميذ الصغار حتى لا يذهبوا الى مدارسهم يعتبر نوعا ناجحا من العمل السياسي؟ وهل التهديد ليل نهار بهدم مصر على رأس الجميع ممكن, وخاصة ان هذه الانكشافات التي اثبتت ان التآكل والعجز والتقيح كان يتراكم في احشاء تلك الجماعة بأكثر ألف مرة مما توقع جميع الخصوم.
بالاضافة الى عنصر موضوعي جديد في المعادلة وهو ان نموذج النجاح المصري الذي تحقق ضد الجماعة وجعلها تلعق جراح هزيمة سيكتب عنها التاريخ مجلدات ضخمة لاستقصاء اسبابها وتراكماتها وتداعياتها, هذا النموذج سيعتمد بالمطلق في العالم العربي, في تونس وفي سوريا وفي الاردن وفي الخليج كله, ولقد سمعت تيار المعارضة الرئيسي في تونس يهدد علنا بتكرار النموذج المصري! كما ان الكراهية الدفينة المسكوت عنها بين الفصائل الاسلامية في سوريا بدأت تنفجر بشكل مدو, بين الجيش السوري الحر, وجيش دولة العراق والشام, وجماعة النصرة، وكل فئات وشرائح ومكونات الشعب السوري كله, لأن تلك الذئاب الغازية فتكت بالسوريين بنماذج من العنف البشع تخجل منها مذابح القرون الوسطى .
الاسئلة كلها من الوزن الثقيل تتساقط جميعها في فناء جماعة الاخوان المسلمين, صحيح انها اسئلة مهمة لجميع الاطراف ولكنها بالنسبة للجماعة أسئلة الحياة او الموت.
Yhya_rabahpress@yahoo.com