ماذا لو ولد الجنين ميتا؟- د. صبري صيدم
الجنين الذي ينتظره الشعب الفلسطيني بعد تسعة أشهر بفعل المفاوضات الحالية ربما يلد ميتاً، أو ربما يجزم البعض بموته اليوم قبل الغد.’فالرئيس الأمريكي يتحدث من جديد وأمام الأمم قاطبة، في حضرة الجمعية العامة عن حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو ويعود من جديد للتحدث عن حق الشعب الفلسطيني بالحرية والكرامة وإقامة الدولة، مدللاً على اهتمامه من خلال إدارته لمفاوضات التسعة أشهر الحالية بحثاً عن حلٍ ما للصراع، مفاوضات يديرها للأسف بالأمنيات والرغبات، بينما يديرها حليفه نتنياهو بالبلدوزرات والآليات والقرارات التعسفية المتلاحقة.
فنتنياهو اليوم يعمل ما لا يقوله أو يشاء أن يقوله بارك أوباما: يبني المستوطنات ويصادر الأراضي والبيوت وينفذ قرارات الهدم ويغلق الطرقات الواصلة بين شرايين المدن، ويترك أسرى فلسطين المرضى يحتضرون ولا من مجيب.’
لعبة للمد والجزر يديرها نتنياهو بإمعان وعن سبق إصرارٍ وترصد، لانه يعرف تماماً أن حـــــرب الجغرافية والوقائع على الأرض أشد وطأة وأصدق أنباءً من حرب الكلام معسولاً كان أم نارياً.
هذا الكر والفر يستوجب انتقالاً فلسطينياً تكاملياً من مرحلة ترقب لولادة جنين المفاوضات، ومرحلة العمل الجاد على الخطة البديلة، أو ما يصطلح على تسميتها باللغة الإنكليزية بالخطة (ب).’وهذه الخطة وإن أقدمت على إعدادها القيادة الفلسطينية اليوم ستخلق شعوراً عارماً بأن أحداً لا ينتظر صدور شهادة الوفاة ليتحرك فيكون ضحية الوقت بعد إهداره من قبل إسرائيل، وأن القيادة إنما تحدد وبمشاركة الجميع خيارات المستقبل وتجمع عليها ضمن معادلة الفعل المسبق وليس ردة الفعل.
لهذا من المفيد أن تتم دعوة المجلس المركزي الفلسطيني للالتئام اليوم على أرضية رسم معالم الخطة (ب) وإقرارها، ليس من باب استباق النتائج ولا مناكفة لأحد، وإنما تحسباً لمخاطر الأيام وتحدياتها. وعوضاً عن الحديث في ذلك الاجتماع عن الأمنيات برأب الصدع الفلسطيني وتنفيذ المصالحة فلا ضير، وكما تم في بعض الحالات، بدعوة مندوب عن حركة حماس للمشاركة في اجتماع تنفيذية المنظمة، أن يدعى لهذا الاجتماع ولو معنوياً، اللاعب الصامت ظاهرياً والمنغمس فعلياً في حوارات حماس الداخلية، خالد مشعل تدليلاً واضحا على أن حركة فتح، وكما قالت دائماً ومعها فصائل منظمة التحرير، جاهزون لتوفير الهبوط الآمن لحركة حماس في مرحلة تتطلب مسؤولية فلسطينية عالية تجنب الفلسطينيين بشاعة مواجهات مستقبلية.
فمعظمنا، نحن الفلسطينيين، نخجل أن تلوث مسيرتنا النضالية التراكمية ببذل المزيد من حبات العرقْ في حرب التناحر الداخلي، لذا فإن الأمور يجب أن تجري على أرضية الاستيعاب والتروي والحكمة والرزانة.
نعم العالم ليس مسطحاً وأمورنا لا تسطح بحسن النوايا وسذاجة العاطفة. لذا فإن الجميع يعي تعقيدات الخلاف الفلسطيني الداخلي، لكنه يعي أيضاً حجم وعبأ القادم مما فرضه وسيفرضه الاحتلال. فنتنياهو الذي يقول بأن بيده التفويض بإبرام اتفاق للسلام مع الفلسطينيين، بينما يوقع بيده قرارات التوسع الاستيطاني ويوقع بيده الأخرى قرارات هدم البيوت العربية، يجب أن يُسأل بأي يد سيوقع اتفاق السلام الذي يتحدث عنه؟
اليوم يجب أن نقفز فلسطينياً إلى مربع المبادرة، وليس انتظار المولود الجديد، فإن كان الحمل كاذباً فإن خطة الإجماع البديلة ستكون حاضرة، وإن كان الحمل ناجحاً، وهذا أمر لا مؤشرات إيجابية له حتى تاريخه، فإننا سنكون قد حققنا المصالحة الفلسطينية.. مصالحة شهدت ولادة أجنة كثيرة في الديمقراطية والربيع والفوضى الخلاقة، دونما أن تنجح في تقديم مولودٍ جديد لشعبٍ تقتله إسرائيل في كل يوم.