مناسبتان مهمتان- عادل عبد الرحمن
الثامن والعشرون من ايلول /سبتمبر تميز باحتضانه مناسبتين مهمتين، لهما علاقة بالشأن الفلسطيني، كل مناسبة لها وقعها واهميتها في الحياة الوطنية والقومية.
المناسبة الاولى رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة(مصر) في مثل هذا اليوم من عام 1970. ثلاثة واربعون عاما مضت على رحيل زعيم الامة العربية في عصر ما بعد إندحار الاستعمار القديم في اعقاب الحرب العالمية الثانية 1939 / 1945. كانت آخر مهمة للرئيس المصري وقف نزيف الدم بين الاشقاء الفلسطينيين والاردنيين ايلول عام 1970، وحماية الثورة الفلسطينية وقيادتها. وفعلا تمكن الرئيس عبد الناصر بحكمته وشجاعته في وقف الحرب الاشقاء بين الاشقاء. لكن قلبه المرهف،كان مثقلا بهموم الامة وقضاياها السياسية ،وفي طليعتها قضية فلسطين، والاقتصادية والعسكرية ... إلخ فلم يقوَ على مواصلة الخفقان، وغادر الدنيا في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق.
عبد الناصر بما امتلكه من كريزما وحضور قيادي طاغي ورؤية برنامجية للنهوض بمكانة ودور مصر والامة على حد سواء، بغض النظر عن الملاحظات المشروعة عليها، شكل صورة البطل القومي في الذهنية الشعبية العربية. فحملته الجماهير العربية في عقولها وقلوبها، حتى عندما هزم برنامجه في حرب الخامس من حزيران / يونيو 1967، واعلن التنحي في الثامن من ذات الشهر، خرجت الجماهير في بقاع الارض العربية كما في مصر، ورفضت تنحيه، وطالبته بالعودة والبقاء في قيادة الامة. وعندما فارق الحياة خرجت شعوب الامة العربية من اقصاها لإقصاها في وداع الرجل العظيم.
عبد الناصر، هو صاحب المقولة التاريخية : إن الثورة الفلسطينية أنبل ظاهرة قومية، ووجدت لتبقى وتنتصر" ، وهو حامل الهم الفلسطيني، بل ان ثورته، ثورة يوليو / تموز 1952، جاءت من وسط المعارك، التي خاضها في فلسطين، واكتشافه الاسلحة الفاسدة، وتواطؤ نظام الملك فاروق مع الحكام العرب آنذاك على تمزيق وبيع فلسطين بابخس الاثمان للحركة الصهيونية,,
لرحيل عبد الناصر في الذاكرة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية مرارة خاصة، وله مكانة لا يرقى لها سوى زعيمه الراحل الشهيد ياسر عرفات. حتى ان الاعتزاز الفلسطيني بابو خالد يحير الكثيرون من المصريين، لانهم لا يعرفون سوى الصورة المشوهة، التي رسمتها دوائر الغرب الاستعمارية وجماعة الاخوان المسلمين وبعض القوى قاصرة الرؤية في قراءة مكانة الزعيم.
إنجازات عبد الناصر الوطنية والقومية، لا يمكن ان تنسى من الذاكرة المصرية والعربية، من قيادة الثورة ضد الملك فاروق، إلى تأميم قناة السويس، إلأى هزيمة العدوان الثلاثي البريطاني / الفرنسي والاسرائيلي، بناء السد العالي، الاصلاح الزراعي ، وبناء الثقافة الوطنية والقومية، وبناء الجيش المصري على اسس حديثة، وخوض حروب العرب القومية في اليمن والجزائر والسودان وطبعا في المقدمة منها في فلسطين... إلخ نعم لعبد الناصر ايضا اخطاء كثيرة، لكنها لم تؤثر للحظة على عظمة إنجازاته ومكانته القومية كزعيم للامة.
********
المناسبة الثانية إنتفاضة الاقصى الثانية ايلول /سبتمبر 2000، كانت حدثا هاما في مسيرة الكفاح الوطني، وجاءت ردا على جرائم وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي، وإنعدام افق الامل في تحقيق تسوية عادلة بالمعايير النسبية، التي تجلت في فشل مؤتمر كامب ديفيد (2) تموز/يوليو 2000، الذي حاول فيه الرئيس بيل كلينتون فرض حل سياسي على القيادة الفلسطينية لا يستجيب لمصالح الشعب العليا، وينتقص من اهداف الشعب في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 ، والقدس الشرقية عاصمة الدولة ذات السيادة، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، فجاءت زيارة ارئيل شارون للمسجد الاقصى ، لتشعل فتيل الغضب الشعبي الفلسطيني، وتحرق السهل والجبل والوادي في وجه المحتل الاسرائيلي البغيض.
الانتفاضة الثانية لم تكن وليدة الصدفة البحتة، لان حجم الضغط والسخط والاحتقان الشعبي بلغ ذراه لاسباب عديدة ابرزها ما ورد اعلاه، وكانت الانتفاضة حاجة وطنية لاعادة الاعتبار للحقوق الوطنية الفلسطينية، وايضا لتصويب مسار القيادة السياسية، التي وقعت في كم من الاخطاء الداخلية، مما زاد من سخط الجماهير، وبالتالي، كانت الانتفاضة المخرج للازمة الوطنية الداخلية، التي لولاها لحدث ما هو اعظم في الساحة الداخلية.
لكن الانتفاضة حادت عن طريقها الشعبي، حين تم عسكرتها، فخرجت عن مسارها، وفشلت في تحقيق الاهداف الوطنية المرادة، وسمحت بإحياء عظام حركة حماس الرميم، التي تم فتح الابواب امامها لترميم مكانتها في الشارع الوطني، وهيأت الانتفاضة لها الاجواء للاعداد لمخططها الاستحواذي والتقسيمي لنسيج الارض والشعب والاهداف الوطنية، الذي تم عبر الزج بالشباب والاطفال الفلسطينيين الى حومة الموت والاستشهاد المجاني، لتسويق دورها باسم شعار نبيل جدا، شعار "المقاومة"، في الوقت، الذي حاولت القوى الاخرى اللحاق بمنطق وخيار حماس،/ لاسيما وان الرئيس الشهيد ابو عمار، كان معنيا بذلك الخيار، وداعما له، ليس بهدف التخلي عن السلام، ولكن لاعادة الاعتبار للاهداف الوطنية، وللشخصية والهوية الوطنية الفلسطينية. غير ان الامور فلتت من يديه على صعيدين، الصعيد الاسرائيلي / الاميركي، الذي تجلى بعد إستلام شارون الحكم مطلع عام 2001، وفي اعقاب العملية الارهابية في الحادي عشر من ايلول / سبتمبر ضد البرجين في نيونيورك، وعلى الصعيد الداخلي، مكنت التطورات حركة حماسمن تبوأ مكانة اساسية في الساحة، مما جعلها الاسهام في زعزعة مكانة السلطة الوطنية تدريجيا، ومن خلال التحريض اليومي عليها في مختلف الاوساط.
النتيجة ان الانتفاضة، التي كان من النمفترض ان تلعب دور الرافعة للنضال الوطني، إنقلبت مفاعليها سلبا على المشروع الوطني، وافقدت القيادة القدرة على الامساك بزمام الامور، ومهدت للانقلاب الحمساوي الاسود في محافظات القطاع,
اهمية استحضار الانتفاضة الان، هو استخلاص العبر والدروس مع العودة للمفاوضات مع حكومة نتنياهو، التي تعمل بخطى حثيثة لاشعال الحريق الوطني بجرائمها وانتهاكاتها للمصالح الوطنية العليا والخاصة لابناء الشعب الفلسطيني ، يجاريها في ذلك حركتي حماس والجهاد وبعض الفصائل الوطنية، الامر الذي يفرض على القيادة الشرعية والقوى الوطنية التنبه للاخطار، التي يمكن ان تنجم في حال إنفجار الشارع دون الاعداد المسبق لاليات العمل الشعبي الفلسطيني نتاج فشل المفاوضات,,