طَـــــــــــــــــل سلاحــــــــــــي- عزيزة محمود خلايلة*
حاربت ما يزيد على أربعين عاما، يدي هذه كانت تضغط على الزّناد، كنت أرى الطّّلقة تطارد الطّلقة، والرّصاص يلاحق الرّصاص، عازفاً لحن الحياة، كنت أرى زخّات الرّصاص تسقط كأمطار كانون، الآن أسمعُ لحن الموت، هل سمعتَ يوما لحنَ الموت ؟
هذا اللّحن لا يعزف في ساحات المعارك، يعزف حين يُختم فم المقاتل بالشّمع الأحمر، يُعزف حين يطأطئ المقاتل رأسَه، وحين يصبح المتحدّث عن الرّصاص كمعلّمٍ في مدرسةٍ ابتدائيّةٍ يعيد درساً للطّلاب الكُسالى، معلنًا أن التّكرار يعلّم الشُّطّار، عندها يُعزَف لحنُ الموت، لحنُ الموت يُعزف حين تطلب من زوجتك خرقةً بيضاء فتعطيك منديلَها الأبيض المطرّز، فتصرخ في وجهها:أريد منديلاً أبيضَ خالصاً لا يشوبه أيّ لون آخرَ عندها يُعزف لحنُ الموت. هل تعرف شعور المقاتل حين يلقي سلاحَه ؟هل تعرف معنى الوقوفَ على حافة الخطر؟ هل تعرف معنى الوقوف على حافّة الموت؟
حين يلقي المقاتل سلاحَه يصبح الطّعام مثيراً للقيء، ويصبح للماء طعمُ الغثيان، وتصبح وجوهُ النّاس كأحذيةٍ بلاستيكيةٍ هجرها أصحابُها واستبدلوا بها أحذيةً جلدية ًإيطاليةٍ أو أمريكيةٍ. هل من مكان يتّسع لي ؟
ضاقت عليّ الدّنيا بما رحبت، بدأتْ تصغُر تدريجيا، صارت الآن أصغرَ من ثقب الإبرة، هل من قلب يتّسع لي، أصبحتُ أصغرَ مما تتخيّلون، وأبسطََ مما تتخيّلون، وأكثَرَ حزنا مما تتخيّلون، أصبح حزني بمساحة العالم، الآن يحدّني من الشّمال الحزن، ومن الجنوب الحزن، ومن الشّرق الحزن، ومن الغرب الحزن، ومن فوق يحدّني الحزن، ومن تحتي يحدّني الحزن، رقعة حزني أكبرُ من رقعة وجودي، حزني له متنّزهات وساحات وملاعب وغابات وأشجار، حزني كالأشجار له فروع وأغصان وثمار، الحزن هو نصفي الأكبر، حزني كالنار له لهب مشع ذو حجم خرافي. ألقيتُ سلاحي وطأطأت إلى خرقة بيضاء، ورفعت كلتا يديّ مستسلماً ولوّحت بها، وقفت على شرفة الموت ملوّحا بخرقتي، عندها بدأوا يعزفون سيمفونيةَ الموت، وبدأتُ أدندنُ بصوت منخفض: َفلْ سلاحي من جراحي يا ثورتنا َفلْ سلاحي، أُصبتُ بنوبةٍ تشبه الجنونَ لا بل تشبهُ الوعيَ، تشبه الصّحوَ والعقلَ رفعت سلاحي ناديت على نسور الفتح، على صقور الفتح، على فتح العاصفة، على فتح الثّورة، على فتح النّضال، على مقاتلي الفتح، على أحرار الفتح، على ثوار الفتح ، على( أبو عمّار) ياسر عرفات، على( أبو جهاد)، على( أبو مازن)على ( أبو ثائر) ياسر عمرو ، على ماجد أبو شرار على شهداء الفتح، على فدائيي بيروت، على شهداء بيروت ، ورفعت سلاحي بدأنا نصرخ:طلْ سلاحي من جراحي يا ثورتنا طلْ سلاحي، ولا يمكن قوات الدّنيا تنزع من إيدي سلاحي، طلْ سلاحي، ولا يمكن قوات الدّنيا تنزع من إيدي سلاحي، ولا يمكن قوات الدّنيا تنزع من إيدي سلاحي، طلّ سلاحي،طل سلاحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي .
مشرفة اللغة العربية/ مكتب تربية الخليل
عاشت حركة فتح الأبية حرّة عربيّة، حرّة عزيزة تستعصي على الموت.