الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

علي الخليلي: الراحل الباقي - وليد ابو بكر


كان مقدّراً لي أن أزور علي الخليلي ليلة رحيله. أعرف عن نفسي جيداً أنني من أجبن الناس عن زيارة المرضى الذين أحبهم، ولأنني ـ أيضاً ـ أحبّ أن تبقى صورتهم في الذهن، كما أعرفها. وهذا الجبن لم يأت غريزياً، لكنه تأصل عبر تجارب صعبة، بدأت بالابن البكر، ثمّ تكررت، حتى انتهت القدرة على الاحتمال أمام وجه أمل دنقل، شاعر مصر الكبير، والصديق، الذي البياض الشمعي يحيط به، عندما رأيته في المستشفى أواخر أيامه.
وكأمثلة من حالات كثيرة جداً بعد ذلك: لم أستطع زيارة صديق العمر، المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس حين مرض: كنت أتصل وأسأل، حتى حين أكون في الشام، ولا استطعت زيارة الشاعر متعدد المواهب ممدوح عدوان، رفيق الحياة السعيدة في بعض أوقاتها. لكني لم أتردد في زيارة علي الخليلي، ليلة رحيله، (التي لم أكن أتنبأ بها بالطبع) بمجرّد أن طلب مني ذلك، لا لأنني كنت أحاول الزيارة منذ زمن، فلا تمنح لي وحسب، وإنما أيضاً لأن هذه زيارة لا تحتاج إلى إذن، فسوف أكون واحداً من ثلاثة (برفقة مراد السوداني ومحمد حلمي الريشة) حملوا إليه نسخاً أولى من أعماله الشعرية المنجزة.
ولأنني أعرف أبا سريّ جيداً، كنت أعرف أنه سوف يصحو، حتى وإن كان في غيبوبة مطلقة، عندما يرى جزءاً أثيراً على نفسه، من منجزه الثقافي الكبير، في مجلدات موحدة تحترم ما في داخلها، لأن ذلك كان جزءاً من حلمه، كما هو جزء من حلم أي أديب، لا يطمع في شيء من متاع الدنيا، الذي يلهث وراءه تجار الثقافة وسماسرتها، فيبيعون ويشترون، ومن بينهم أولئك التجار الذين حاولوا اضطهاده، لأنه شاعر كبير وصادق، وأدانهم في حياته، كما أدانهم حتى في رحيله، الذي حرص أهله ومحبوه جيداً على ألا يستغله تجار المناسبات، حتى وإن كانت فوق قبر.
كنت عرفت علي الخليلي شاعراً وكاتباً قبل أن أسعى إلى معرفته إنساناً، وفي زمن الغربة، قد يكون هو الوحيد الذي ظللت حريصاً على متابعة جميع ما يكتب، لا ما هو متاح بسهولة وحسب، لأنني شعرت بأنني أمام إنسان يخدم الثقافة الفلسطينية بصدق، ولا يمتطيها من أجل وظيفة أو كسب من أي نوع. ولم أكتف بمعرفته شاعراً، بل عرفته باحثاً جاداً ومخلصاً في قضايا تراثية وثقافية كثيرة، له فيها دراسات مؤسِّسة، غالباً ما كانت مفتاح الدرب لباحثين كثيرين.
حين عرفت علي الخليلي شخصياً، لم أفاجأ بأن أجده كما كنت أتخيله، ولعلني لم أبخل عليه بالقول إن الإنسان الحقيقي في كلّ سلوكه هو تماماً كما يكتب، أما صاحب الوجه المختلف عن كلماته فهو يدخل في فئات معلومة، يصعب الكشف عما هو مكشوف من تسمية لها في التصنيف، كما أن التصريح بذلك لا يضيف شيئاً، لأن من ينتسبون إلى تلك الفئة يعرفون جيداً أين اختاروا أن يقفوا.
لن أتحدث كثيراً عن طيبة الصديق الراحل، ولا على تفانيه، ولا عن مبادراته الثقافية التي حقق كثيراً منها رغم أنف الاحتلال، لكن تجار الثقافة ـ أنفسهم ـ حالوا بينه وبين الفعل بعد ذلك، كما فعلوا مع كل الذين لم يخضعوا لسمسرة أو نفوذ.
حين كرّم علي الخليلي، بمبادرات فشل أصحاب الزمن الرديء في أن يفسدوها، طلب مني أن أقول كلمة في حفل تكريمه، وقيل لي إنها رغبته. ولأنه علي الخليلي، وهو واحد ممن لا أقدر أن أقول لهم لا حين أستطيع، استجبت، رغم محاولة عزوفي عن "كلام" المناسبات التي يقال فيها ما هو مطلوب أن يقال، ما يصعب الالتزام به ممن لا يحسن التكرار الذي نعيش مواسمه منذ زمن طويل.
تحدثت في حضرة علي الخليلي عن زمنهم هذا، الذي لا زمن له فيه، وحين انتهيت، أشعرني بأن ما قلته هو نفسه الذي كان على طرف لسانه. وضحك حين قلت له إنني سئلت من أين أجيء بمثل هذا الكلام، فقلت: من وحي من يتوجه إليهم. قال علي: هذا ليس زمن الصدق الثقافي، هو زمن البهرجة والتظاهر والادعاء. هو الزمن الذي أتاح لكل من يخطّ حرفاً، أو يُخَطّ له حرف، أن يرى نفسه من الكبار.
يا علي الخليلي: نحن في مواجهة الموت. ولو كان الموت يستشير، لتوجهت كلّ أصابعنا إلى كثيرين غيرك، ولأقنعناه بأن غياب أولئك لا يترك وراءهم إلا سوء سيرة، أما غيابك، فإنه يترك فراغاً كبيراً، لا في وسطنا الثقافي الذي لم يترك للفراغ فراغاً، لأنه مزدحم به، ولكنه فراغ في قلوب توجهت إليها وقتك كلّه، بشعرك ونثرك، وريادتك ورعايتك لحلم فلسطيني ثقافيّ، زرعت فيه بذوراً أولى صحيحة، أردت لها أن تطرح ثمراً شهياً، ولم يكن ذنبك أن ما بذرت اختنق كثير منه، وأن كثيراً من الزرع لا يطرح الآن إلا ثمراً فاسداً.
عليك الرحمة، ولك منا كلّ الحبّ، راحلاً عنا وباقياً فينا.
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025