حروب جاهليّة- عزيزة محمود الخلايلة
يتربّع في زاوية في السّاحة الخلفيّة، ليشاهد حروب عبس وذبيان، ويحزن لأنّ داحس سبق الغبراء، ويعلن ولاءه للشّيطان، لا أعرف ماذا يرى؟
لكنّني أعرف أنّني رأيت كلّ حروبنا صورة عن حرب الفجّار، وحرب داحس والغبراء، وحرب البسوس، منذ أكثر من ألف وخمسمئة عام، والبسوس تولول وتسأل: من رمى بالسّهم المسموم ضرع ناقتي؟ فني كلّ فتيان وشباب وكهول بكرٍ وتغلب، والبسوس ترى أنّ دم ناقتها أغلى من دماء كلّ الفرسان، حروبنا كحرب داحس والغبراء، وقودها كلّ فتيان غطفان، وسؤالهم الوحيد المطروح إلى يوم القيامة؟ من ردّ وجه داحس، ودبّر هزيمته في مضمار السّبق أمام الغبراء؟ يتحاربون ويتطاعنون أربعين سنة لأنّ فرساً، سبق فرساً في الميدان، أو انتقاماً لمقتل قرد، ّأو لأنّ ناقة قُتلت وطوى صفحاتها الزّمان. منذ لامست قدما آدم الأرض، ونحن نرفع سعر الفرس، ونخفّض أسعار الفرسان، ومن يومها، ونحن نضاعف سعر النّاقة، ونقلّل أسعار الفرسان، نزيد سعر القرد، وننقص أسعار الفرسان، نشعلهم ونحرقهم وقوداً لتدفئة القرد، والنّاقة، والفرس، وفداء للرّسن واللّجام، ولم يجر أيّ تعديل على الرّسالة، ولا على الشّعار، فشعارنا منذ ألف وخمسمئة عام: الإنسان أغلى ما نملك، كلّ ما جدّ علينا أنّه بسبب الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة، قمنا بتوسيع نطاقّ التنزيلات، وزيادة أنواع المعروضات، ليصبح الفرسان من ضمن المبيعات، ولتشمل التنزيلات أسعار الفرسان، بالضّبط كما تشمل سعر القميص والفستان، ونظراً لضيق ذات يد المواطن، زدنا التّنزيلات فصار الموت بالمجّان، وصارت الأفراس والفرسان تباع بالمجّان. حروب الوطن العربيّ مدروسة ومحسوبة في مصر، والعراق، وسوريا، وتونس، واليمن، وفي السّودان، وفي كلّ ميدان، من قال: إنّ حروبنا غير مدروسة؟ خسئ ذلك الجبان، نحن نحارب لأسباب وجيهة، ونخوض حروباً مدروسة وهادفة، ومخطّطة، مع حرصنا الشّديد على الفرسان، نحن نخطّط حتّى لا نتخربط في العنوان، ومهما كانت دوافع حروبنا فإنّ لها في الأوّل والآخر هدف واحد معلن، هو الدّفاع عن الأوطان، ولها آلاف النّتائج الإيجابيّة الكامنة غير المرئيّة للعيان، لكنّ السّلطان يراها بوضوح، وهذا يؤكّد أنّها موجودة، وهو يقول: إنّ من لا يراها يكون غبيّاً، ولأننا أذكياء، وحتّى لا نتّهم بالغباء، رأيناها كما رآها السّلطان، وكانت لها نتيجة واحدة ظاهرة للعيان، أنّنا خسرنا الأوطان، وأصبحنا لاجئين في الأوطان، أو في أوطان الجيران.
أيّ نصر سيتحقّق بعد زواج فرس السّلطان من ناقة البسوس؟ داحس يطلب يد سراب، والسّلطان يرى أنّ عقد القران يصبّ في مصلحة الأوطان، ونحن نحزن عند تخيّل أشكال المواليد الجدد التي سنخوض من على ظهورها حروبنا المدروسة، على الرّكوبة المشوّهة، ونتخيل حجم النّصر المرتجى، هل سيكون المولود ناقة، أم قرداً، أم فرساً؟ وهل شكل الرّكوبة المستقبليّة سيكون له أثر على حياة الفرسان؟ ولكنّ السّلطان يؤكّد أنّ شكل الرّكوبة سيكون مريحا جدّاً للفرسان، والكلّ يقول لي: مهما نظرتَ بعين ناقدة، فلن تصلَ لبعد رؤية السّلطان، تاه قلبي على مصير الفرسان، وهل على أمثال هذه الرّكوبة سيتحرّك الفرسان الزّاحفون من كلّ الوطن العربيّ لتحرير فلسطين؟ ما شكل الزّحف؟ وكيف سترتفع الرّايات؟ وكيف ستنتصب على ظهورها قامات الفرسان، وهل سنسمّي ظهورها صهوات، أم سنغيّر التّسميات؟ وهل ستُبقي هذه الحروب المدروسة على حياة الفرسان؟
مشرفة اللغة العربية مكتب تربية الخليل
Email : azizah_m2012@yahoo.com