الشّهيد القائد ياسر عرفات أبو عمّار- عزيزة محمود الخلايلة
من السّهل أن أتحدّث عن شخص يمشي على الأرض، ولكن من الصّعب أن أكتب عن مارد يخترق السّماء، عن نسر يُحلّق في الفضاء، عن جبل لا تُحرّكه الدّنيا، ولا تهزّه الرّيح، عن أسد شاهد العالم نضالاته، وسمع عن أخبار صولاته وجولاته، يمكنك الكتابة عن خيل أصيل، أمّا أن تكتب عن فارس امتطى صهواته لأكثر من سبعة وأربعين عاماً، فمهما كان خيالك واسعا لن تؤتيه حقّه، لأنّك لن تستطيع تخيّل مارد جبّار.
تذكّرت دخوله من مصر إلى غزّة مقاتلاً متطوّعاً عام 1948، ورجوعه إلى مصر عقب النّكبة، والتحاقه مع صلاح خلف (أبو إياد) بالوحدة الفلسطينيّة في جيش مصر، ثمّ تمركز قواته في الأردن، وخروجه من الأردن عقب مذابح أيلول الأسود، وقصف قواعده العسكريّة في إربد، ثمّ تشكيله قوّة عسكريّة في بيروت وجنوب لبنان، وحصاره في بيروت الغربيّة، عقب الاجتياح الإسرائيليّ للبنان، ونضالات أطفال (الآربيجي) من الأشبال والزّهرات، ومزايدات العرب عليه وخياناتهم، كانوا معه بالصّوت فقط، كما تقول كلمات الأغنية: بالصّوت كانوا معانا يا بيروت والصّورة ذابت في المَيّة.
تذكّرت كيف سالت دماء الفلسطينيين في الأردن ولبنان، وكيف سالت دماء الفدائيين الفلسطينيين المتسلّلين من لبنان إلى فلسطين، ودماء الفتحاويّين في مقاومة المحتلّين، تذكرت كلّ السّكاكين التي حزّت في عنق فلسطين، شعرت بأنّني أكتب عن ثورة.
كيف أكتب عن عملاق مثل أبي عمار، نضالاته تهزم كلماتي في كلّ المرات، وتتفوّق في كلّ الجولات، إذن يصير الحبر كالبركان، ويرتفع منسوب الإيمان، وتزداد حرارة الكلمات، والأوراق، وحرارة عشقه في قلبي، وفي قلوب الفلسطينيين الأحرار. عندما أرى ثنيات كوفيته أشعر بهيبة كبيرة، أرى سطوراً قد كتبت عن "عمليّة ميونخ "، "وعمليّة فندق سافوي"، عن صموده تحت الحصار ومقاومته اثنين وثمانين يوما في بيروت، عن حصاره في رام الله، أغضّ بصري، أنحني أشعر أنّه أمامي بجبروته بكبريائه بعنفوانه بثورته التي صارت أسطورة، أسطورة اسمها كفاح المغوار( أبو عمّار).
منه تعلمنا سعة الأفق، وأن اختلافنا مع الآخرين لا يفسد للودّ قضيّة، كان يعتبر الجميع أبناءه، يُقبّل أيدي الأطفال الصّغار، والجرحى، ويقلق على حياتهم ومصيرهم، ويحرص على وَحدة الصّفّ، ويخاف علينا جميعا، مهما اختلفت مشاربنا وانتماءاتنا، ما أصعب أن أكتب عن أسطورة الثّورة، وعن مجلّدات الكفاح، عمن كان يتحدّث في المواقف من فوّهة السّلاح! لقي عرفات وجه الله عندما اطمأنّ إلى أنّه يتوسّد القلوب، ككلّ الشّرفاء لا يستريحون إلا إذا توسّدوا القلوب، وناموا بين الرّموش، ودفنوا في أهداب الشّعب، كان الياسر سعيداً بأن يدفن في أهداب الشّعب، ويوم رحيله نزلت النّجوم من شرفاتها، وشاركت في تشييعه، بكت بحرقة، وطلعت الشّمس من خدرها، وانحنت لهّ نصف انحناءة تعظيماً وإجلالاً، وحضر الرّجال الرّجال ليقولوا له:وداعا يا رمز الشّرفاء الأحرار.
سمعت البارحة أنّ قزماً يدعى الحمّاميّ يسيء إليه في وسيلة إعلام، نحن دعاة وَحدة، ولن نكون أبداً دعاةَ انتقام. ولكن سيكون ردّنا مزلزلاً على كلّ من يتجرّأ على قادتنا العظام، مهما اختلفت أطياف وانتماءات القادة . لأنّ قامة المارد لا يصلها الأقزام، ولا يمكن لمآذن الجوامع أن تلامس الأقدام. ما على الأقزام إلّا أن يصطفّوا بانتظام، وينظروا إلى مآذن المساجد باحترام.
فالياسر ولد ورحل مقروناً بجبل عرفات، والحمّامي -بشخصه -ولد وسيموت مقروناً بالحمّامات. البارحة تقيّأ من على منبر الجزيرة ببضع كلمات. لو لم تحل بيننا وبينه سدود وحدود ومسافات، لأهداه الفتحاويّون من بريدنا بضع رسالات، ولكنّها ستصله إلى مخدعه ولو بعد سنوات.
نحن ننظر إلى نبل علاقة القائد ياسر عرفات بالشّيخ أحمد ياسين، تلك العلاقة الدّافئة التي حيّرت حتّى الاحتلال، جدليّةُ تلك العلاقة لا يفهمها إلا الأحرار، ولا يفكّ رموزها إلّا الثّوار ولا يفهمها أمثال الحمّاميّ من الأقزام الصّغار، فالحمّامي لم يقرأ شيئاً في سفر الثّوار، وقرأ في سفر الفتنة فصولاً كبار، قرأ في سفر العمالة فصولا كبار، لا ينتمي لأحد، ولا يمثّل إلّا نفسه، ولذلك خطّط لفتنة وتمزيقٍ ودمارٍ.
أمّا نحن فلنا خياران الوَحدة أو الوَحدة، هي أوّل وآخر شعار، وللحمّاميّ الخزي والعار.
مشرفة اللغة العربية مكتب تربية الخليل
Email : azizah_m2012@yahoo.com