ليَعْلم بنيامين نتنياهو!- صالح القلاب
إمَّا أنَّ هذه الحكومة الإسرائيلية التي يقودها بنيامين نتنياهو تعاني من عجز فعلي في إدراك حقائق كل هذه التحولات الهائلة التي تشهدها هذه المنطقة وحقائق كل هذه الإصطفافات الدولية المستجدة أو أنها تدرك كل هذا وتعرفه ولكنها من قبيل المكابرة ومن قبيل الإتكاء على حكاية :»شعب الله المختار» تزداد إصراراً على الإستمرار بسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف وتحدي العالم كله الذي لم يعد مضطراً لمواصلة مواقفة السابقة :»مع إسرائيل ظالمة ومظلومة» والذي بات يشعر بوجع ضمير تجاه شعب ظُلم أكثر من اللزوم هو الشعب الفلسطيني الذي أثبت بالصبر وبالمعاناة وبالنضال وبالشهداء أنَّ من حقِّه أن يكون له وطن مثله مثل كل شعوب الأرض وإنَّ من حقه أن يكون له مكانٌ تحت الشمس.
على الإسرائيليين أن يدركوا أن هذه التحولات التي تشهدها هذه المنطقة الشرق أوسطية هي عامل قوة للعرب وليس عامل ضعف وعليهم أن يقرأوا ومنذ البدايات، منذ بدايات هذا الربيع العربي الذي بدأ في عام 2011، حركة التاريخ بعقولهم وليس لا بعيونهم فقط ولا بعواطفهم وبإصرارهم على حكاية :»شعب الله المختار» و»الأرض الموعودة»... لقد كان عليهم بحكم التجارب الأوروبية التي عاشها آباؤهم وأجدادهم أن ينظروا إلى الواقع العربي المستجد بعيون لا تعاني لا من الرَّمد ولا من القراءة الخاطئة إذْ أن كل هذه الدماء التي تسيل تعني أن هناك فجراً عربياً بات على الأبواب وأنها تعني أنَّ ظلام الأنظمة الديكتاتورية سينقشع لا محالة وأن العرب سيمتلكون حتماً وفي المدى المنظور السلاح الفعال الذي حاربهم الإسرائيليون به وهو سلاح الديموقراطية الفعلية والحقيقية.
إن هذه التحشدات التي يقوم بها الإسرائيليون تجاه القدس وتجاه المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، بدفعٍ من حكومتهم هذه الحكومة الغارقة في أوهام التاريخ وخرافاته حتى شوشة رأسها، تدل على الذعر والخوف من الحاضر ومن المستقبل وتدل على إعتقاد خاطئ بأنَّ إسرائيل التي تملك القوة العسكرية وليس قوة الحق بالتأكيد قادرة على الإستمرار بفعل ما كانت فعلته وما بقيت تفعله على مدى الفترة منذ أربعينات القرن الماضي وحتى آخر حرب على غزة وآخر غارات مدمرة على سوريا.
لقد إنتهت تلك اللحظة التاريخية التي كانت إسرائيل خلالها تفرض نفسها وتفرض مواقفها على العالم كله ولعل ما يجب أن يدركه الإسرائيليون هو أن كل هذا التحول من قبل الرأي العام العالمي تجاه الفلسطينيين وقضيتهم بدأ يتجسد حقائق تمثلت في الإعتراف بدولة فلسطينية تحت الإحتلال وتمثلت أيضاً في إتخاذ الشعب الفلسطيني المواقع التي يستحقها في الكثير من الهيئات الدولية الفاعلة... فشمْس أن الدولة الإسرائيلية المدللة التي من حقها أنْ تفعل ما تشاء قد أخذت تغرب وشمس أن هناك شعباً مظلوماً مكافحاً بدأت تشرق وهذه حقيقة يجب أن يفهمها بنيامين نتنياهو ويجب أن يُفهِّمها لهذا اليمين الإسرائيلي الأحمق الذي يضع كفيه فوق عينيه حتى لا يرى كل هذه التحولات التي باتت تتجسد في هذه المنطقة كوقائع لا ينكرها إلاَّ أعمى بصر وبصيرة وأهم هذه الوقائع أن الشعب الفلسطيني ليس شعباً زائداً في هذه المنطقة وإن هذا الشعب المكافح العظيم سيُقيم دولته المنشودة حتماً فوق كل ذرة ترابٍ مما أُحتل من وطنه في عام 1967.
إنها فرصة تاريخية وعلى الإسرائيليين إغتنامها الآن هذا إذا كان يهمهم فعلاً ألاَّ تتعرض أجيالهم اللاحقة إلى ما تعرض له أجدادهم وآباؤهم في دول الأنظمة العنصرية في أوروبا.. إنَّ الفلسطينيين ومعهم العرب يريدون أن يعيش أطفالهم والأطفال الإسرائيليون بسلام ولكن كما يبدو أنَّ هذه الحكومة الإسرائيلية المتخمة والمنتفخة بالأوهام اليمينية تريد شيئاً آخر فهذا الزحف المفتعل رسمياً الذي يقوم به المجندون والمستوطنون تجاه المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة سينعكس حتماً على المستقبل القريب والبعيد وسيشكل منذ الآن حواجز بين أطفال هذا المستقبل الذين من حقهم ألاَّ يكتووا بالنيران التي يشعلها المتطرفون الإسرائيليون الآن في مستقبل العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية.
على بنيامين نتنياهو أنْ يدرك وأن يفهم :»أنَّ زمنْ أوَّل حوَّل» وأن هذا الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن التنازل ولا عن ذرة منه وأنَّ الدولة الفلسلطينية المنشودة على كل الأراضي التي أحتلت عام 1967 ستقوم قريباً وأن عاصمتها ستكون القدس بالتأكيد وأن الصخرة المشرفة ستبقى عربية وفلسطينية وكذلك الأقصى الشريف وأن كنيسة القيامة ستبقى عربية ومسيحية وأن الحق سيبقى حقاً وان العدوان لن يستمر وأن الإحتلال سيزول لا محالة.
عن الرأي الاردنية