عن المأزق الذي ينكره أصحابه (1-2)- عدلي صادق
ربما يكون صحيحاً، أن بعض اللاعبين الإقليميين، ضغطوا على اسماعيل هنيّة، لكي لا يطرح، باسم «حماس» ما هو محدد ومفيد، لاستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني.
ولأن الطرح الناقص، الذي يضاهي الهواء الناقص، لا يحمل جديداً ولا مفيداً؛ فقد جاء كلام هنيّة مكروراً، يجتر المطولات الإنشائية، ويهندس حلولاً نظرية لمعضلة الخصومة الفلسطينية، لا تُسمن ولا تُغني، ولا تتلمس طريقاً أو نفقاً للخروج من مأزقٍ، كان الخطيب قد أنكر وجوده جملة وتفصيلاً، وقدم عوضاً عن حقائقه، وصفاً لـ «إنجازات» باهرة!
وفي الحقيقة، ليس من الحميد ولا من المنطقي، في العمل الوطني العام، إنكار المآزق. بالعكس سيكون الإقرار بوجودها هو التوطئة الطبيعية لمغالبتها على اعتبارها تحدياً.
فالسلطة الوطنية برمتها، تواجه مآزق كبرى، بعضها لأسباب موضوعية وبعضها الآخر لأسباب ذاتية ما كان ينبغي أن تكون.
اللافت أن موضع الاستراحة الوحيد، و«دوحته» التي تبقت لـ «حماس» في قطر، لا يُعد، بمعايير السياسة، أرضاً تحتضن مشروعاً «جهادياً» بديلاً يخالف مضامين المشروع الذي يحمله محمود عباس والسلطة. فلا قطر تريد جهاداً ولا اقتلاعاً لإسرائيل ولا هي تبتغي إطلاقاً للنار.
ولعل وراء المأزق الحمساوي، متنافسون يمسك كل منهم بطرف الحبل في لعبة الشد الجارية. الإيرانيون و«حزب الله» والنظام السوري، ما زالوا في حاجة الى «حماس السُنية» في صراع يتبدى في جوهره سُنياً شيعياً، وهم أحوج الى نفيْ شكلي لهذا الطابع المذهبي للصراع، بوجود الحمساويين في حلفهم.
لكن «حماس» لم تعد قادرة على الجمع بين طرفي لعبة الشد هذه، إذ لا يمكن أن تتموضع في خندق «أعداء» الجماعة. وفي الحقيقة، تأخرت «حماس» في إعلان موقفها المناهض للنظام بعد أن لفحت الرياح سوريا، وكان ذلك يُحسب عليها عند جماعتها التي أرادت أنجاز مشروعها الإسلاموي الخاص في المنطقة. كانت «حماس» قبلئذٍ، تظن أن خطاب الممانعة الذي هو دون فتح جبهة الجولان؛ أكثر من كافٍ لأن يقي دمشق هبوب الرياح، وبالتالي أن تظل مستريحة ولو ظل الاستبداد ماكثاً الى الأبد في حياة السوريين. لكن الأمور تفاقمت، وبات استنكاف «حماس» عن الاصطفاف الطبيعي مع جماعتها، ذميمة قاتلة في نظر الحلقات الإخوانية كافةً، وفي نظر ممولين آخرين.
عندئذٍ، بدأت في التنصل من محور طهران دمشق. وبعد أن ارتسمت المواقف، وتداعت التطورات، كان الصعود الإخواني في مصر وتونس، مع دور تركيا «العدالة والتنمية» يوفر لـ «حماس» أملاً للإقلاع من جديد. غير أن طبائع «الإخوان» نفسها، جلبت لها الانتكاس. ففي مصر، دفعت «الجماعة» ثمن احتقارها للسياسة وضيق أفقها وضحالة ثقافتها المدنية، من حيث هي - في المقام الأول - ممارسة تعكس فهماً لمشكلات الأوطان يماثل حجم هذه المشكلات وتعقيداتها، وتعكس القدرة والمهارة في إدارة حياة المجتمع.
فحكم الأوطان لا يسهل بمجرد تسلم الأختام!
كان السقوط السريع المدوي، للأنموذج الإخواني في مصر، كاشفاً، بتداعياته، لكل المخبوء المتعلق بجاهزية «التنظيم» لممارسة العنف الأعمى، والتمسك ببسالة، بأختام الحكم، دون أي رهان على الحضور السياسي والحرص على مقتضياته، ودون أي رهان على المستقبل وعلى المسار الديمقراطي الذي لا مفر منه. كان وما زال هذا العنف، هو جوهر الموقف الإخواني. وفي الهامش كان التظاهر، الذي يراد منه إعطاء الانطباع بأن الطابع سلمي وأن «المظلمة» قائمة.
وحيال هذا التطور الكبير، بات إسقاط الأنموذج الإخواني، والأحداث المريرة التي أعقبت السقوط (من فعاليات تفكيك وملاحقة للبنية الإخوانية)؛ ضاغطة كلها، مع الجغرافيا، على حركة «حماس» في غزة، التي هي أصلاً أنموذج مأزوم لا يمد في عمره شيء سوى السلاح!