الفلسطينيون ينتزعون الأغوار من أنياب المستوطنين بأشجار النخيل
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
جعفر صدقة
عهد الله ما نرحل.. كلمات رقصت عليها فرقة جامعة الاستقلال للفنون الشعبية في افتتاح معرض التمور الفلسطيني الخامس في أريحا أمس الإثنين. كلمات كأنها جرت على لسان مزارعي النخيل في الأغوار، الذين ينتزعون بهذه الشجرة الأرض من بين أنياب المستوطنين.
الدارج في وعينا أن الموظف حين يتقاعد إنما انتهت فاعليته في المجتمع، ودخل قائمة الانتظار للرحيل عن الدنيا، مستعينا فيما تبقى من أيام أو سني عمره على مخصص تقاعد في الأغلب لا يكفي لحفظ الكرامة، غير أن أربعة موظفين اختاروا طريقا آخر بعد تقاعدهم. لم يحفظ فاعليتهم في المجتمع فحسب، إنما وضعهم في مقدمة واحدة من أبرز المعارك التي يخوضها شعبهم ضد الاحتلال والاستيطان، معركة الأغوار، فأنشأوا مزرعة صغيرة للنخيل، حافظت أيضا على مستوى معيشي لائق لأسرهم.
في السنوات السبع الماضية، وخصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة، شهد قطاع النخيل نهضة مذهلة لتشكل هذه الشجرة 'الصبورة' على قساوة الظروف المناخية السلاح الأمضى دفاعا عن غور الأردن لتغيير واقع أراد الاحتلال ومستوطنوه أن يحول دون تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بدولة متواصلة فيما من المقومات ما تعطي أبناءها أسباب العيش بكرامة.
في عام 2006، لم يتجاوز عدد أشجار النخيل في المزارع الفلسطينية في الأغوار 30 ألف شجرة، ومع توجه المزارعين بكثافة نحو زراعتها، ودخول مستثمرين كبار إلى هذا القطاع، تضاعف العدد 5 مرات إلى نحو 150 ألف شجرة حاليا، تغطي 12 ألف دونم، بعضها في المناطق المسماة 'ج'، وهي مناطق إما مستولى عليها أو تنتظر ذلك لغرض استغلالها من قبل المستوطنين، ومن بين إجمالي الأشجار، هناك نحو 100 ألف شجرة زرعت في السنوات الأخيرة حول مدينة أريحا، تمثل حزاما أخضر يمتد من مثلت البحر الميت جنوبا بمحاذاة الشارع الالتفافي المسمى 'طريق 90'، حتى النويعمة شمالا.
والهدف أن يصل عدد أشجار النخيل في المنطقة إلى 250 ألف شجرة خلال خمس سنوات، تغطي 20 ألف دونم.
على أهمية الدور الذي 'اكتشف' لقطاع النخيل في حماية الأغوار والحفاظ عليها جزءا من مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن هذا القطاع أثبت جدوى اقتصادية لا مثيل لها في زراعات أخرى، أو حتى في القطاعات غير الزراعية، إذ يقدر عائد مبيعات 20 ألف دونم من النخيل بعائد مبيعات مليون دونم مزروعة بشجرة الزيتون، والتي بدورها تحتل مركزا مهما في الاقتصاد الوطني الفلسطيني، ولهذا فإن قطاع النخيل شكل أحد البنود المركزية في إستراتيجية تطوير قطاع الزراعة، كجزء من الخطة التي أعدتها الحكومة السابقة تحت عنوان 'فلسطين: إنهاء الاحتلال وبناء الدولة'.
ويبلغ معدل إنتاج شجرة النخيل حوالي 80 كيلوغراما سنويا، بمعدل سعر 15 شيقلا (حوالي 4.3 دولار بأسعار اليوم) في السوق المحلية، في حين يباع بنحو 22 شيقلا (6.25 دولار) في أسواق التصدير، علما أن 80% من الإنتاج يذهب للتصدير إلى أسواق خارجية أبرزها: أوروبا، وروسيا، والولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، ويقول عبد المجيد سويلم من جمعية مزارعي النخيل، أحد المتقاعدين الأربعة، إن هذا القطاع في طريقه ليحتل المركز الأول في التصدير بين الزراعات الأخرى، بل يرفع حجم التصدير الزراعي الفلسطيني بنسبة 300%.
إنتاج مزارع النخيل الفلسطينية في الأغوار يصل حاليا إلى 3 آلاف طن سنويا، وخلال خمس سنوات يتوقع أن يصل إلى 10 آلاف طن، ليرتفع إلى 20 ألف طن بحلول عام 2020، وعمادها تمور المجول، وهو من أجود أنواع التمور في العالم، ولا يزرع إلا في منطقتين على سطح الأرض: الأغوار، وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية.
حتى الآن، تضخ زراعة النخيل نحو 35 مليون دولار سنويا في الناتج المحلي الإجمالي 'ونحن ذاهبون إلى تحقيق رقم 100 مليون دولار خلال سنوات، وهو رقم ليس بسيطا على اقتصاد صغير'، قال سويلم، وسيرفع هذا القطاع مساهمة القطاع الزراعي عموما في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12%، بعد تدهور متواصل في هذه النسبة لسنوات طويلة.
ويشكل العائد الكبير على الاستثمار في قطاع النخيل، والذي يتراوح بين 25 و35%، عامل جذب لا يقاوم للاستثمار في هذا القطاع، ويتوقع وزير الزراعة السابق إسماعيل ادعيق أن تصل الاستثمارات فيه إلى نحو 150 مليون دولار، جميعها من القطاع الخاص، وتشمل زراعة النخيل والعمليات التصنيعية والتسويقية المصاحبة، إضافة إلى البنية التحتية، ويمكن أن يشكل نموذجا لتطوير زراعات أخرى كاللوز والفراولة والعنب المبكر والورود والنباتات الطبية.
وتتمتع التمور الفلسطينية بتنافسية عالية في الأسواق الخارجية مقارنة مع التمور التي تنتجها المستوطنات، لاعتماد المزارع الفلسطينية على مياه الينابيع العذبة للري، في حين تعتمد مزارع المستوطنات على مياه عادمة مرسبة وليست معالجة، إضافة إلى قرار الاتحاد الأوروبي مقاطعة منتجات المستوطنات، الأمر الذي يجعل من قطاع النخيل الضربة الأقسى للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة.
إضافة إلى التوسع في استغلال الأراضي المهددة، فإن أحد أبرز الآثار الإيجابية لتطور زراعة النخيل في الأغوار، توفير عدد ذي مغزى من فرص العمل، خصوصا للعمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية، إذ يبلغ عدد العاملين في هذا القطاع حاليا نحو 4 آلاف عامل مباشر، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 7 آلاف عامل، بمعدل أجرة يومية 70 شيقلا يوميا (حوالي 20 دولارا).
كذلك، فقد نشأت على هامش هذه الزراعة أنشطة اقتصادية أخرى، كمعامل الفرز والصنيع والتغليف، وبرك تربية الأسماك، والتي تستخدم مياهها الغنية في ري أشجار النخيل، إضافة إلى معامل لإنتاج السماد العضوي.
بالإجمال، فإن تطوير زراعة النخيل ساهم في تحسين دخل السكان في المنطقة، ومع اتساع رقعة المساحة المزروعة، فإنه يحسن أسعار المنتجات الزراعية الأخرى كالخضروات، حيث تتقلص المساحة المزروعة بالخضروات بنسبة 30% سنويا.
غير أن زراعة النخيل، رغم الإنجازات التي تحققت، تواجه تحديات كبيرة، أبرزها شح المياه وملوحتها.
وقال سويلم، 'لدينا مشكلة في شح المياه ودرجة ملوحتها، توفيرها بحاجة إلى موارد ضخمة، وإذا كانت الحكومة غير قادرة على توفيرها، فلتوفر الدعم لمعالجة المياه المالحة'.
كذلك، يعاني المزارعون من ارتفاع كلفة الطاقة اللازمة لمضخات المياه، وفي مبادرة لدعم هذه القطاع، فقد بادرت الحكومة إلى تخفيض سعر الكهرباء واعتماد سعر موحد للمزارعين بمقدار 43 أغورة للكيلو/ واط، 'ورغم أن هذا إنجاز يسجل للحكومة، إلا أننا نطالبها بمزيد من التخفيض في أسعار الطاقة'، قال سويلم.
وأضاف: إذا كانت الاتفاقات الدولية تمنع تقديم دعم مباشر للمزارعين، فإن لديها العديد من الآليات، كالأسعار المخفضة للطاقة، وتعويض المزارعين عن أية خسائر، ونظام تأمين ضد الكوارث والحروب، وتوفير تمويل منخفض الكلفة، وتقديم حوافز ضريبية لشركات التعبئة والتصنيع والتغليف.
في السنوات الأخيرة، دخل مستثمرون كبار إلى هذا القطاع، وفيما يبدو، فإن هذا أعطى انطباعا بإهمال ما يواجهه صغار المزارعين، الذين قال سويلم إن إنتاجهم المجمع يساهم بحصة مهمة من إجمالي الإنتاج، وهم بحاجة إلى رعاية ومساندة.
إحدى الوسائل في هذا المجال، توزيع أراضي الأوقاف على صغار المزارعين لتمكينهم من استغلالها وتنمية قطاع النخيل، 'وهي أراض واسعة' بحسب سويلم.
وانتقد سويلم احتفاظ بعض كبار المستثمرين بأراض استأجروها من الأوقاف ولم يبادروا إلى استغلالها حتى الآن، ويتساءل قائلا 'إذا احتفظ المستمرون الكبار بهذه الأراضي، من أين سيحصل المزارع الصغير على أراض لزراعتها؟'.
غير أن المشكلة الأبرز التي تواجه هذا القطاع، بحسب سويلم، تتمثل باستخدام السوق الفلسطينية لـ'تبييض' تمور المستوطنات، في مسعى من المستوطنين لتلافي ضعف تنافسية تمورهم، وأيضا للالتفاف على الصعوبات التي تواجهها منتجات المستوطنات في الأسواق العالمية لأسباب سياسية.
وقال سويلم: 'تتم عملية التبييض إما بتهريب التمور من مزارع المستوطنات إلى مزارع فلسطينية، أو تسويقها عبر تجار فلسطينيين بشهادات منشأ فلسطينية'.
وقال: 'هذا وضع يشكل خطرا كبيرا على مستقبل زراعة النخيل الفلسطينية. نحن في منطقة لإسرائيل أطماع كبيرة فيها، وهذا يتطلب جهودا كبيرة لحماية هذه الزراعة'.
على الجانب الرسمي، فإن الحكومة أظهرت في السنوات الأخيرة اهتماما ملحوظا بالأغوار عموما، وبزراعة النخيل على وجه الخصوص، 'رعاية لإنجاز كبير تحقق على مدى 20 عاما على أيدي رجال رياديين حولوا التمور من منتج هامشي إلى منتج رئيسي فتح آفاقا واسعة لاستغلال أرضنا'، قال وزير الزراعة وليد عساف.
وقال عساف إن الحكومة تولي اهتماما كبيرا لهذا القطاع، خصوصا لتوفير المياه التي يشكل شحها التحدي الأكبر أمام هذه الزراعة، مشيرا إلى مشروع تطوير سد العوجا لسد حاجة 5 آلاف دونم، إضافة إلى مشاريع سدود أخرى، وبناء 15 بركة كبيرة مشاريع لبناء برك أخرى، وتوقع توفير مليون متر مكعب من المياه هذا العام.
كذلك، قال عساف إن الحكومة بدأت مشروعا لتأهيل جميع آبار المياه في المحافظة، ونقلها إلى المناطق المستهدفة.
قال محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني: 'نقدر الظروف القاهرة التي تمر بها السلطة الوطنية وشعبنا عموما، لكننا على ثقة بأن الحكومة تقدم كل ما تستطيع لدعم صمود الأهالي في الأغوار. الحكومات المتعاقبة لم ترفض لنا طلبا واحدا'.
الاهتمام الحكومي بقطاع النخيل في الأغوار، على حيويته وإلحاحيته، لم ولن يكون كافيا لإحداث النقلة النوعية المطلوبة في هذا القطاع، ففي معرض التمور الفلسطيني الخامس، وهو نسخة هذا العام من تظاهرة سنوية احتفاء بموسم قطف التمور، 'يعكس تفاعل الجهات الرسمية والقطاع الخاص والأهلي اهتمام الجميع بهذا القطاع، الذي بات يشكل جزءا مهما من الهوية الاقتصادية للمحافظة'، قال رئيس بلدية أريحا محمد جلايطة.
وإذا كانت الشركات العالمية تداعت من كل حدب وصوب إلى صحراء لم تطأها من قبل قدم إنسان في الربع الخالي لاستخراج النفط، وهو مورد ينفذ يوما بعد يوم، فإن المزارع الفلسطيني زرع نخله في أرض قاحلة لم تستغلها من قبل يد إنسان.. 'نفط' لا ينضب، بل يزداد بركة مع الأيام.
haجعفر صدقة
عهد الله ما نرحل.. كلمات رقصت عليها فرقة جامعة الاستقلال للفنون الشعبية في افتتاح معرض التمور الفلسطيني الخامس في أريحا أمس الإثنين. كلمات كأنها جرت على لسان مزارعي النخيل في الأغوار، الذين ينتزعون بهذه الشجرة الأرض من بين أنياب المستوطنين.
الدارج في وعينا أن الموظف حين يتقاعد إنما انتهت فاعليته في المجتمع، ودخل قائمة الانتظار للرحيل عن الدنيا، مستعينا فيما تبقى من أيام أو سني عمره على مخصص تقاعد في الأغلب لا يكفي لحفظ الكرامة، غير أن أربعة موظفين اختاروا طريقا آخر بعد تقاعدهم. لم يحفظ فاعليتهم في المجتمع فحسب، إنما وضعهم في مقدمة واحدة من أبرز المعارك التي يخوضها شعبهم ضد الاحتلال والاستيطان، معركة الأغوار، فأنشأوا مزرعة صغيرة للنخيل، حافظت أيضا على مستوى معيشي لائق لأسرهم.
في السنوات السبع الماضية، وخصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة، شهد قطاع النخيل نهضة مذهلة لتشكل هذه الشجرة 'الصبورة' على قساوة الظروف المناخية السلاح الأمضى دفاعا عن غور الأردن لتغيير واقع أراد الاحتلال ومستوطنوه أن يحول دون تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بدولة متواصلة فيما من المقومات ما تعطي أبناءها أسباب العيش بكرامة.
في عام 2006، لم يتجاوز عدد أشجار النخيل في المزارع الفلسطينية في الأغوار 30 ألف شجرة، ومع توجه المزارعين بكثافة نحو زراعتها، ودخول مستثمرين كبار إلى هذا القطاع، تضاعف العدد 5 مرات إلى نحو 150 ألف شجرة حاليا، تغطي 12 ألف دونم، بعضها في المناطق المسماة 'ج'، وهي مناطق إما مستولى عليها أو تنتظر ذلك لغرض استغلالها من قبل المستوطنين، ومن بين إجمالي الأشجار، هناك نحو 100 ألف شجرة زرعت في السنوات الأخيرة حول مدينة أريحا، تمثل حزاما أخضر يمتد من مثلت البحر الميت جنوبا بمحاذاة الشارع الالتفافي المسمى 'طريق 90'، حتى النويعمة شمالا.
والهدف أن يصل عدد أشجار النخيل في المنطقة إلى 250 ألف شجرة خلال خمس سنوات، تغطي 20 ألف دونم.
على أهمية الدور الذي 'اكتشف' لقطاع النخيل في حماية الأغوار والحفاظ عليها جزءا من مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن هذا القطاع أثبت جدوى اقتصادية لا مثيل لها في زراعات أخرى، أو حتى في القطاعات غير الزراعية، إذ يقدر عائد مبيعات 20 ألف دونم من النخيل بعائد مبيعات مليون دونم مزروعة بشجرة الزيتون، والتي بدورها تحتل مركزا مهما في الاقتصاد الوطني الفلسطيني، ولهذا فإن قطاع النخيل شكل أحد البنود المركزية في إستراتيجية تطوير قطاع الزراعة، كجزء من الخطة التي أعدتها الحكومة السابقة تحت عنوان 'فلسطين: إنهاء الاحتلال وبناء الدولة'.
ويبلغ معدل إنتاج شجرة النخيل حوالي 80 كيلوغراما سنويا، بمعدل سعر 15 شيقلا (حوالي 4.3 دولار بأسعار اليوم) في السوق المحلية، في حين يباع بنحو 22 شيقلا (6.25 دولار) في أسواق التصدير، علما أن 80% من الإنتاج يذهب للتصدير إلى أسواق خارجية أبرزها: أوروبا، وروسيا، والولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، ويقول عبد المجيد سويلم من جمعية مزارعي النخيل، أحد المتقاعدين الأربعة، إن هذا القطاع في طريقه ليحتل المركز الأول في التصدير بين الزراعات الأخرى، بل يرفع حجم التصدير الزراعي الفلسطيني بنسبة 300%.
إنتاج مزارع النخيل الفلسطينية في الأغوار يصل حاليا إلى 3 آلاف طن سنويا، وخلال خمس سنوات يتوقع أن يصل إلى 10 آلاف طن، ليرتفع إلى 20 ألف طن بحلول عام 2020، وعمادها تمور المجول، وهو من أجود أنواع التمور في العالم، ولا يزرع إلا في منطقتين على سطح الأرض: الأغوار، وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية.
حتى الآن، تضخ زراعة النخيل نحو 35 مليون دولار سنويا في الناتج المحلي الإجمالي 'ونحن ذاهبون إلى تحقيق رقم 100 مليون دولار خلال سنوات، وهو رقم ليس بسيطا على اقتصاد صغير'، قال سويلم، وسيرفع هذا القطاع مساهمة القطاع الزراعي عموما في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12%، بعد تدهور متواصل في هذه النسبة لسنوات طويلة.
ويشكل العائد الكبير على الاستثمار في قطاع النخيل، والذي يتراوح بين 25 و35%، عامل جذب لا يقاوم للاستثمار في هذا القطاع، ويتوقع وزير الزراعة السابق إسماعيل ادعيق أن تصل الاستثمارات فيه إلى نحو 150 مليون دولار، جميعها من القطاع الخاص، وتشمل زراعة النخيل والعمليات التصنيعية والتسويقية المصاحبة، إضافة إلى البنية التحتية، ويمكن أن يشكل نموذجا لتطوير زراعات أخرى كاللوز والفراولة والعنب المبكر والورود والنباتات الطبية.
وتتمتع التمور الفلسطينية بتنافسية عالية في الأسواق الخارجية مقارنة مع التمور التي تنتجها المستوطنات، لاعتماد المزارع الفلسطينية على مياه الينابيع العذبة للري، في حين تعتمد مزارع المستوطنات على مياه عادمة مرسبة وليست معالجة، إضافة إلى قرار الاتحاد الأوروبي مقاطعة منتجات المستوطنات، الأمر الذي يجعل من قطاع النخيل الضربة الأقسى للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة.
إضافة إلى التوسع في استغلال الأراضي المهددة، فإن أحد أبرز الآثار الإيجابية لتطور زراعة النخيل في الأغوار، توفير عدد ذي مغزى من فرص العمل، خصوصا للعمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية، إذ يبلغ عدد العاملين في هذا القطاع حاليا نحو 4 آلاف عامل مباشر، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 7 آلاف عامل، بمعدل أجرة يومية 70 شيقلا يوميا (حوالي 20 دولارا).
كذلك، فقد نشأت على هامش هذه الزراعة أنشطة اقتصادية أخرى، كمعامل الفرز والصنيع والتغليف، وبرك تربية الأسماك، والتي تستخدم مياهها الغنية في ري أشجار النخيل، إضافة إلى معامل لإنتاج السماد العضوي.
بالإجمال، فإن تطوير زراعة النخيل ساهم في تحسين دخل السكان في المنطقة، ومع اتساع رقعة المساحة المزروعة، فإنه يحسن أسعار المنتجات الزراعية الأخرى كالخضروات، حيث تتقلص المساحة المزروعة بالخضروات بنسبة 30% سنويا.
غير أن زراعة النخيل، رغم الإنجازات التي تحققت، تواجه تحديات كبيرة، أبرزها شح المياه وملوحتها.
وقال سويلم، 'لدينا مشكلة في شح المياه ودرجة ملوحتها، توفيرها بحاجة إلى موارد ضخمة، وإذا كانت الحكومة غير قادرة على توفيرها، فلتوفر الدعم لمعالجة المياه المالحة'.
كذلك، يعاني المزارعون من ارتفاع كلفة الطاقة اللازمة لمضخات المياه، وفي مبادرة لدعم هذه القطاع، فقد بادرت الحكومة إلى تخفيض سعر الكهرباء واعتماد سعر موحد للمزارعين بمقدار 43 أغورة للكيلو/ واط، 'ورغم أن هذا إنجاز يسجل للحكومة، إلا أننا نطالبها بمزيد من التخفيض في أسعار الطاقة'، قال سويلم.
وأضاف: إذا كانت الاتفاقات الدولية تمنع تقديم دعم مباشر للمزارعين، فإن لديها العديد من الآليات، كالأسعار المخفضة للطاقة، وتعويض المزارعين عن أية خسائر، ونظام تأمين ضد الكوارث والحروب، وتوفير تمويل منخفض الكلفة، وتقديم حوافز ضريبية لشركات التعبئة والتصنيع والتغليف.
في السنوات الأخيرة، دخل مستثمرون كبار إلى هذا القطاع، وفيما يبدو، فإن هذا أعطى انطباعا بإهمال ما يواجهه صغار المزارعين، الذين قال سويلم إن إنتاجهم المجمع يساهم بحصة مهمة من إجمالي الإنتاج، وهم بحاجة إلى رعاية ومساندة.
إحدى الوسائل في هذا المجال، توزيع أراضي الأوقاف على صغار المزارعين لتمكينهم من استغلالها وتنمية قطاع النخيل، 'وهي أراض واسعة' بحسب سويلم.
وانتقد سويلم احتفاظ بعض كبار المستثمرين بأراض استأجروها من الأوقاف ولم يبادروا إلى استغلالها حتى الآن، ويتساءل قائلا 'إذا احتفظ المستمرون الكبار بهذه الأراضي، من أين سيحصل المزارع الصغير على أراض لزراعتها؟'.
غير أن المشكلة الأبرز التي تواجه هذا القطاع، بحسب سويلم، تتمثل باستخدام السوق الفلسطينية لـ'تبييض' تمور المستوطنات، في مسعى من المستوطنين لتلافي ضعف تنافسية تمورهم، وأيضا للالتفاف على الصعوبات التي تواجهها منتجات المستوطنات في الأسواق العالمية لأسباب سياسية.
وقال سويلم: 'تتم عملية التبييض إما بتهريب التمور من مزارع المستوطنات إلى مزارع فلسطينية، أو تسويقها عبر تجار فلسطينيين بشهادات منشأ فلسطينية'.
وقال: 'هذا وضع يشكل خطرا كبيرا على مستقبل زراعة النخيل الفلسطينية. نحن في منطقة لإسرائيل أطماع كبيرة فيها، وهذا يتطلب جهودا كبيرة لحماية هذه الزراعة'.
على الجانب الرسمي، فإن الحكومة أظهرت في السنوات الأخيرة اهتماما ملحوظا بالأغوار عموما، وبزراعة النخيل على وجه الخصوص، 'رعاية لإنجاز كبير تحقق على مدى 20 عاما على أيدي رجال رياديين حولوا التمور من منتج هامشي إلى منتج رئيسي فتح آفاقا واسعة لاستغلال أرضنا'، قال وزير الزراعة وليد عساف.
وقال عساف إن الحكومة تولي اهتماما كبيرا لهذا القطاع، خصوصا لتوفير المياه التي يشكل شحها التحدي الأكبر أمام هذه الزراعة، مشيرا إلى مشروع تطوير سد العوجا لسد حاجة 5 آلاف دونم، إضافة إلى مشاريع سدود أخرى، وبناء 15 بركة كبيرة مشاريع لبناء برك أخرى، وتوقع توفير مليون متر مكعب من المياه هذا العام.
كذلك، قال عساف إن الحكومة بدأت مشروعا لتأهيل جميع آبار المياه في المحافظة، ونقلها إلى المناطق المستهدفة.
قال محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني: 'نقدر الظروف القاهرة التي تمر بها السلطة الوطنية وشعبنا عموما، لكننا على ثقة بأن الحكومة تقدم كل ما تستطيع لدعم صمود الأهالي في الأغوار. الحكومات المتعاقبة لم ترفض لنا طلبا واحدا'.
الاهتمام الحكومي بقطاع النخيل في الأغوار، على حيويته وإلحاحيته، لم ولن يكون كافيا لإحداث النقلة النوعية المطلوبة في هذا القطاع، ففي معرض التمور الفلسطيني الخامس، وهو نسخة هذا العام من تظاهرة سنوية احتفاء بموسم قطف التمور، 'يعكس تفاعل الجهات الرسمية والقطاع الخاص والأهلي اهتمام الجميع بهذا القطاع، الذي بات يشكل جزءا مهما من الهوية الاقتصادية للمحافظة'، قال رئيس بلدية أريحا محمد جلايطة.
وإذا كانت الشركات العالمية تداعت من كل حدب وصوب إلى صحراء لم تطأها من قبل قدم إنسان في الربع الخالي لاستخراج النفط، وهو مورد ينفذ يوما بعد يوم، فإن المزارع الفلسطيني زرع نخله في أرض قاحلة لم تستغلها من قبل يد إنسان.. 'نفط' لا ينضب، بل يزداد بركة مع الأيام.