والدة الشهيد: رحل "الطبيب" وبقي كأس الحليب!
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
محمد بلاص:
استجمعت الحاجة فاطمة محمود صوافطة، من مدينة طوباس، أمس، حكاية رحيل ابنها الشهيد باسم، مطلع انتفاضة "الحجارة"، لتروي خلال الحلقة السادسة من برنامج "كواكب لا تغيب" والذي تنظمه وزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، حكاية اللقاء الأخير الذي جمعها بولدها قبل استشهاده برصاص جيش الاحتلال.
تقول صوافطة برواية تفوح حسرة: "كانت رجل باسم مكسورة، وطلب مني قبل العصر بوقت قصير، كأس حليب سخنته له ووضعته على الطاولة، وقبل أن يشربها سمع باقتحام جيش الاحتلال للبلدة القديمة في طوباس، فأراد الخروج لمكان المواجهات، إلا أنني منعته ووالده، وقلنا له: (أنت مكسور ولا تستطيع المشي)، فهرب من باب البيت الخلفي، وعندما رأيته من بعيد، لحقت به لكنه رفض العودة".
وتتابع الأم: "أخفيت عن والده خبر هروبه من المنزل، وبعد نصف ساعة، جاء ابن الجيران، محمد عبد الفتاح، وكانت كل ملابسه تغرق بالدم، ليخبرنا أن باسم أصيب، هو وصديقه نازك صوافطة، فاستغرب والده، وقال: (يا عمي باسم في غرفته!)".
وانطلقت صوافطة، إلى مستشفى الاتحاد النسائي بمدينة نابلس، حيث بدأت تفتش عن ابنها الجريح، لكن الممرض، صديق العائلة، تدرج في إخبارها أن روح باسم صعدت إلى السماء، بعد إصابة قاتلة في الرأس.
وتستذكر: "نقلوا ابني الشهيد إلى بيتنا، وأخفيناه خشية سرقة جنود الاحتلال لجثمانه، وجلست بجانبه طوال الليل، وكانت كل ملابسه تسبح في دمه، وبعد أن أحضروا جثمان صديقه نازك، دفناه في جنازة شاركت فيها كل البلاد".
ومن الروايات التي تسكن فؤاد "أم باسم"، كيف أن صغيرها فارع الطول، وأسمر البشرة، ومربوع الوجه، كان يسرع إلى أخوته الأقل عمرا، ويطلب أن يكشف عنهم، باعتباره الطبيب الذي يداوي الناس، ويعالجهم بالحقن، ويقول لهم: "لا تخافوا، الإبر ما بتوجع"، وبعدها سكنت في عقله أحلام دراسة الطب، غير أن الرصاص بدد خطة باسم الذي جاء إلى الدنيا في الأول من نيسان عام 1970، وتوقف قلبه عن العزف.
وتواصل الأم بث أحزانها: "كان باسم شجاعا ولا يخاف من أي شيء، وقوي الجسم، ولا أنسى طلبه الأخير لي بأن أطبخ له المنسف في أيام الجمع، وفي كل مناسبة أسرع إلى خزانته، لأشتم رائحة ملابسه، وأحتفظ بصورته في محفظتي، ولا يغادر قلبي، ولا أنسى كيف أنه كان يحمل شقيقه الصغير حمادة على رقبته، ومنذ يوم غيابه حرّمت الحليب الذي لم يشربه على نفسي".
وتضيف: "رزق الله ابني مالك بولد، فأسميناه باسم، واليوم عمره 21 سنة، وصار يشبه ابني الشهيد، لكنه أبيض منه. ولو بقي ابني بيننا لكان اليوم أبو أولاد، وأولاده طوله".
وبحسب الأم، تعرض ابنها الشهيد للاعتقال لمدة ستة أشهر قبل استشهاده بسنوات، حين لاحقه جيش الاحتلال داخل المدرسة، بدعوى حيازته لسكين، وبعد وقت قصير اشتعلت انتفاضة "الحجارة"، وتبخرت أحلامه بمواصلة الدراسة والطب.
وتواصل الأم وهي تحتضن صورة ابنها: "قبل سنتين، جاءت جارتنا أم نضال وقالت لي إن باسم زارها في المنام، وطلب منها أن أتوقف عن البكاء عليه، وأن لا أذهب لزيارة قبره، لأنه يريدني أن أظل مبتسمة، فلبيت له أحلامه، ولم أزر قبره، لكن الدموع ليست بيدي لأمنعها".
وأنهت صوافطة بالقول: "اليوم كل شيء تغير، والشهيد راح عزه، والناس بطلت تتأثر، يمكن هذا صار من كثرة الدم والقتل والذبح!".
بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن برنامج "كواكب لا تغيب"، يحرص بالشراكة مع الاتحاد العام للمرأة، على توثيق الروايات الشفوية لأمهات الشهداء، ويعيد رسم قصصهم الإنسانية، ويتتبع القهر الذي يستقر في أفئدة أمهاتهم، ويؤكد أنهم ليسوا مجرد أرقام صماء.
zaمحمد بلاص:
استجمعت الحاجة فاطمة محمود صوافطة، من مدينة طوباس، أمس، حكاية رحيل ابنها الشهيد باسم، مطلع انتفاضة "الحجارة"، لتروي خلال الحلقة السادسة من برنامج "كواكب لا تغيب" والذي تنظمه وزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، حكاية اللقاء الأخير الذي جمعها بولدها قبل استشهاده برصاص جيش الاحتلال.
تقول صوافطة برواية تفوح حسرة: "كانت رجل باسم مكسورة، وطلب مني قبل العصر بوقت قصير، كأس حليب سخنته له ووضعته على الطاولة، وقبل أن يشربها سمع باقتحام جيش الاحتلال للبلدة القديمة في طوباس، فأراد الخروج لمكان المواجهات، إلا أنني منعته ووالده، وقلنا له: (أنت مكسور ولا تستطيع المشي)، فهرب من باب البيت الخلفي، وعندما رأيته من بعيد، لحقت به لكنه رفض العودة".
وتتابع الأم: "أخفيت عن والده خبر هروبه من المنزل، وبعد نصف ساعة، جاء ابن الجيران، محمد عبد الفتاح، وكانت كل ملابسه تغرق بالدم، ليخبرنا أن باسم أصيب، هو وصديقه نازك صوافطة، فاستغرب والده، وقال: (يا عمي باسم في غرفته!)".
وانطلقت صوافطة، إلى مستشفى الاتحاد النسائي بمدينة نابلس، حيث بدأت تفتش عن ابنها الجريح، لكن الممرض، صديق العائلة، تدرج في إخبارها أن روح باسم صعدت إلى السماء، بعد إصابة قاتلة في الرأس.
وتستذكر: "نقلوا ابني الشهيد إلى بيتنا، وأخفيناه خشية سرقة جنود الاحتلال لجثمانه، وجلست بجانبه طوال الليل، وكانت كل ملابسه تسبح في دمه، وبعد أن أحضروا جثمان صديقه نازك، دفناه في جنازة شاركت فيها كل البلاد".
ومن الروايات التي تسكن فؤاد "أم باسم"، كيف أن صغيرها فارع الطول، وأسمر البشرة، ومربوع الوجه، كان يسرع إلى أخوته الأقل عمرا، ويطلب أن يكشف عنهم، باعتباره الطبيب الذي يداوي الناس، ويعالجهم بالحقن، ويقول لهم: "لا تخافوا، الإبر ما بتوجع"، وبعدها سكنت في عقله أحلام دراسة الطب، غير أن الرصاص بدد خطة باسم الذي جاء إلى الدنيا في الأول من نيسان عام 1970، وتوقف قلبه عن العزف.
وتواصل الأم بث أحزانها: "كان باسم شجاعا ولا يخاف من أي شيء، وقوي الجسم، ولا أنسى طلبه الأخير لي بأن أطبخ له المنسف في أيام الجمع، وفي كل مناسبة أسرع إلى خزانته، لأشتم رائحة ملابسه، وأحتفظ بصورته في محفظتي، ولا يغادر قلبي، ولا أنسى كيف أنه كان يحمل شقيقه الصغير حمادة على رقبته، ومنذ يوم غيابه حرّمت الحليب الذي لم يشربه على نفسي".
وتضيف: "رزق الله ابني مالك بولد، فأسميناه باسم، واليوم عمره 21 سنة، وصار يشبه ابني الشهيد، لكنه أبيض منه. ولو بقي ابني بيننا لكان اليوم أبو أولاد، وأولاده طوله".
وبحسب الأم، تعرض ابنها الشهيد للاعتقال لمدة ستة أشهر قبل استشهاده بسنوات، حين لاحقه جيش الاحتلال داخل المدرسة، بدعوى حيازته لسكين، وبعد وقت قصير اشتعلت انتفاضة "الحجارة"، وتبخرت أحلامه بمواصلة الدراسة والطب.
وتواصل الأم وهي تحتضن صورة ابنها: "قبل سنتين، جاءت جارتنا أم نضال وقالت لي إن باسم زارها في المنام، وطلب منها أن أتوقف عن البكاء عليه، وأن لا أذهب لزيارة قبره، لأنه يريدني أن أظل مبتسمة، فلبيت له أحلامه، ولم أزر قبره، لكن الدموع ليست بيدي لأمنعها".
وأنهت صوافطة بالقول: "اليوم كل شيء تغير، والشهيد راح عزه، والناس بطلت تتأثر، يمكن هذا صار من كثرة الدم والقتل والذبح!".
بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن برنامج "كواكب لا تغيب"، يحرص بالشراكة مع الاتحاد العام للمرأة، على توثيق الروايات الشفوية لأمهات الشهداء، ويعيد رسم قصصهم الإنسانية، ويتتبع القهر الذي يستقر في أفئدة أمهاتهم، ويؤكد أنهم ليسوا مجرد أرقام صماء.