حملة تطوّع الفتحاوية ،، فكرة تستحق الشكر- حامد حج محمد
واكب العمل الثوري مسيرة النضال الفلسطينيَ الطويلة، وحقق لحركة فتح ولمنظمة التحرير الفلسطينية الجماهير الحاشدة والانتصارات التليدة في مختلف المراحل النضالية منذ انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وحتى سنوات قليلة سابقة، هذا العمل الذي ارتكز على فكرة العمل المجتمعي التطوعي، ناهيك عن البطولات العسكرية التي نستطيع إدراجها تحت فكرة التطوع النضالي، شبان أوفياء وشيوخ حكماء ونساء ماجدات وفتيات مناضلات كلهم تطوعوا لخدمة الثورة الفلسطينية المجدية، التي ثبّتت ولا تزال لشعبنا الفكرة والثابت الفلسطيني الذي لا يزول وهو (الدولة والعودة) ...
أذكر وقد كنت طفلا مهرجانات حركة فتح ولجان الشبيبة للعمل التطوعي قبيل مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية، أذكر ذلك الانتماء للحركة الذي فجّر في داخل كل فلسطيني مارد الصمود والنضال والأسطورة، خدم أبناء فتح الناس وفق قاعدة التطوّع الحركي، الذي شمل كل الناس وكل من يحتاج إلى المساعدة، أسر الشهداء والأسرى، أبناء الثورة وثوارها، الفقراء والجرحى وكل فلسطيني يستحق المساعدة، وكسبوا الجماهير بلا تخطيط وبلا أهداف مسّبقة، فكرتهم النبيلة جعلت للثورة طعم وروح.
وحين انتهت المراحل المفصلية العظيمة بمجيء السلطة الوطنية الفلسطينية، ذلك الحدث التاريخيّ العظيم، ورغم أهمية الحالة ودخول الجميع في حالة هدوء سياسي وعسكري، بدأت فكرة التطوع بالاختفاء والاضمحلال، وبدأت حياتنا الفلسطينية تتجه نحو الاستقرار الوظيفي والنمو الحياتي لشعبنا، ورويدا رويدا تلاشت الفكرة التي صنعت الجماهير، وصار القائد والكادر والعضو والمناصر في حركة فتح يبحث عن وظيفة يستقر فيها ويختفي عن الأجواء، وما هي إلا سنوات حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية المباركة (انتفاضة الأقصى) واشتعلت الميادين ونفض الكل الفلسطيني الغبار عن سلاحه وفكرته المتلاشية (التطوع) وأعادت الانتفاضة لفتح هيبتها التي كادت ترحل مع غياب العمل النضاليّ.
ومع رحيل الانتفاضة واستشهاد الزعيم ياسر عرفات، حاول الفلسطينيون النهوض مجددا والتخلص من تبعات الانتفاضة وآلامها، استقروا مجددا، وباتت المعركة السياسية الجديدة يقودها رفيق لياسر عرفات بحنكة ودهاء، الرئيس أبو مازن، الذي قدّر له أن يخوض أقوى المعارك السياسية مع إسرائيل، داخلياً وخارجياً، وفي مختلف الدول والمنظمات الدولية.
إلى ذلك كان الوضع التنظيمي في تفاقم، صراعات على أمانات السر واللجان التنظيمية المختلفة، من الشعب والمناطق إلى الإقليم، إلى المكاتب الحركية ولجان الشبيبة المختلفة، ناهيك عن تفريغات المقر العام للحركة التي تنفذ فقط بواسطة (كولسات) معينة فقط، سفرات إلى الخارج يكررها نفس الأشخاص سنوياً، أذكر للتمثيل لا الحصر أن مجموعة منتقاة من أعضاء إقليم ومن يرافقهم سافروا في عام واحد إلى المغرب وتونس ولبنان في ثلاث سفرات مختلفة، واسحب عليهم مئات الأمثلة إن لم يكن الآف لكل دولة وقطر باسم فتح حركتنا التطوعية العملاقة..!!
وباتت فكرة العودة إلى فكرة التطوع القديمة ضرب من الجنون، هكذا كنت أعتقد وأنا أرى الترهل غير المسبوق في واقع حركة عملاقة كفتح، هكذا ظننت قبل أن تشتعل فكرة ما وتنتشر كالنار في الهشيم ، إنها (تطوّع) نعم بكل ما في الكلمة من معنى، وكان لي شرف حضور اجتماعها الأول الذي سجلته في دفتر مذكرتي كأحد أهم أحداث حياتي!!
ولدت الفكرة من رحم المرحلة، فكرة فتحاوية خالصة، فيها نبض الصدق وأمل بالعودة إلى سفينة فتح المتروكة على الشاطئ، هي الأمل الذي سينقذ فتح مما فيها من معاناة، رحّب بها الجميع لأنهم أدركوا معنى (تطوّع) قديماً، وعرفوا أن كل البناء العظيم والإنجازات الكبرى ولدت كلها من رحم التطوع الحركي، إن فكرة لجان الشبيبة للعمل التطوعي لا تزال تسكن في أفكار القادة والكوادر الذين عاصروها قديما، وما هذه المصالح الدخيلة على الحركة إلا كالغبار المتراكم على سطح شفاف، جاءت حملة تطوّع لتنفض هذا الغبار ويشرق الوجه الفتحاوي مجدداً.
أذكر أنني جلست بجانب (عبد الله كميل) صاحب فكرة حملة تطوّع، وعندما بدأ حديثه عن فتح ونضالاتها وواجبنا تجاهها، صارت تتراءى لي مشاهد المهرجانات الفتحاوية والأعمال التطوعية للجان فتح التطوعية في الثمانينات وبداية التسعينات، صدق الفكرة والانتماء، وروح المبادرة والتطوع جعلت المجتمعين كلهم يقررون إطلاقها، ونجح المناضل القديم الجديد عبد الله كميل في تحقيق حلمه بإعادة فتح إلى رسالتها الجميلة الصادقة، (التطوّع)...
تطوّع : جسم لا ينفصل عن فتح، هو روح فتح ومتنفسها، المارد الفتحاوي تململ أخيراً وقرر الصعود إلى عنان السماء، بدأت (أخيراً) كرة الثلج الفتحاوية تتدحرج وتستعد رجالها، لن تقذف هذه الكرة إلا كل دخيل وصاحب مصلحة وأجندة غير وطنية، شارك في حملات تطوّع المختلفة أعضاء في اللجنة المركزية للحركة، وقيادات حركية وكوادر وطنية وشباب وشابات جمعهم صدق الانتماء والرسالة من مختلف المدن والقرى والمخيمات، أنا فخور أنني شاركت في نشاطاتها وسأشارك، وأستطيع أن أقول أن فتح ستعود بخير، بجهود كل مخلص لها.