لماذا لا نقوم باستغلال المناطق"ج"؟ -الدكتور عقل أبو قرع
حسب التصنيف المعروف حاليا، فان مناطق "ج" تضم العديد من التجمعات والاراضي التي وبسبب القيود الاسرائيلية لا يمكن الوصول اليها ومن ثم استغلالها لاهداف مختلفة، مثل مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية، المشاريع الصناعية، الاسكانات، ولكن ليس الزراعة، لان من ضمن التجمعات الشاسعة والتي تعتبر ممتازة للاستغلال الزراعي، هي مناطق الاغوار وغيرها، حيث هناك آبار المياه الجوفية، والتربة الخصبة، والتنوع المناخي الفريد من نوعi في المنطقة، والاهم ان الفلسطينيين او المزارعين الفلسطينيين قاموا باستغلالها زراعيا، قبل ان يتم تصنيفها "ج"، اي قبل اتفاق اوسلو، او قبل قدوم السلطة، وحتى بعد ذلك، اي بعد ان تم تصنيفها، وبالتالي وعمليا يمكن استغلالها للزراعة، واذا كان هذا الحال، واذا لا يمكن استغلالها لمشاريع ضخمة اخرى من صناعة وغيرها، فهل توجد خطة استراتيجية وطنية متكاملة للاستغلال الزراعي المستدام لهذه المناطق ولغيرها ؟
وخلال عملي في جامعة بيرزيت في فترة التسعينيات من القرن الماضي، اي قبل حوالي 20 عاما، كنا نزور منطقة الاغوار، على الاقل مرة في الاسبوع او اكثر، ولعدة سنوات والالتقاء بالمزارعين عن قرب وفي الحقل، وكان الهدف هو تطبيق برنامج" حول الاستخدام الآمن والفعال للمبيدات الكيميائية"، حيث كان وما زال هناك استخدام واسع ومكثف للمبيدات، وكذلك التوعية والتدريب نحو الاستخدام المتكامل لمكافحة الآفات، اي استخدام وسائل المكافحة البيولوجية والطبيعية الى جانب المبيدات الكيميائية، اي بمعنى آخر الاتجاه تدريجيا نحو الزراعة العضوية، وفي منطقة الاغوار يوجد تنوع زراعي ومناخي واراض خصبة ومياه، من مدينة اريحا الى العوجا والجفتلك والزبيدات وعين البيضا وبردلة وغيرهما.
وهذه الاراضي جميعها كان يتم استغلالها زراعيا من قبل الفلسطينيين، قبل وحتى بعد قدوم السلطة الوطنية، وكانت تساهم في الناتج الاجمالي، وتساهم في الاعتماد على الذات وفي تحقيق الأمن الزراعي الغذائي، ومنطقة الاغوار، من المناطق الزراعية المتنوعة، حيث يمكن زراعتها من خلال الزراعة المكشوفة في الحقول او في البيوت البلاستيكية، ومنطقة الاغوار الفلسطينية تشكل حوالي 30% من مساحة الضفة، وحسب تصنيف المناطق حسب اتفاق اوسلو، الى (ا، ب،ج)، فان منطقة ج تشكل حوالي 87% من مناطق الاغوار.
وفي التقرير الجديد للبنك الدولي، الذي صدر قبل عدة ايام او اسابيع بعنوان" المنطقة "ج" ومستقبل الاقتصاد الفلسطيني"، اشار التقرير الى ان حوالي 61% من اراضي الضفة لا يمكن للفلسطينيين ان يستغلوها او يستفيدوا منها ومن الموارد التي تحويها لانها تصنف حسب اتفاق اوسلو على انها مناطق "ج"، وحسب التقرير فان ذلك يؤدي الى خسارة الاقتصاد الفلسطيني حوالي 3.4 مليار دولار اميركي سنويا، ويضيف تقرير البنك الدولي، انه دون القدرة على الوصول ومن ثم استغلال المناطق "ج"، فانه لن يكون هناك نمو اقتصادي مستدام، اي نمو متواصل او نمو يدوم، دون الحاجة الى التدخل الخارجي كما هو الان، ودون شك فان هذه خسارة كبيرة وتكون اكبر واكثر تأثير في اقتصاد صغير ويعتمد في المعظم على المنح والمساعدات والتبرعات، مثل الاقتصاد الفلسطيني.
ومناطق الاغوار كمثال رئيسي على مناطق "ج"، لا تحوي الكثافة السكانية الموازية لأهميتها الاستراتيجية والزراعية، ويبدو انه ورغم الحديث المتواصل عن هذه المناطق، الا ان ذلك لم يترجم في الاطار العملي، او على ارض الواقع، ورغم وجود بعض الاعمال هنا وهناك للمنظمات غير الحكومية، وبعض المبادرات للقطاع الخاص، الا انه لا توجد خطط او مشاريع زراعية كبيرة وتتناسب مع اهميتها، والاهم واذا كان الجميع يشير الى اهمية مناطق الاغوار للدولة الفلسطينية القادمة، فانه من الاحرى ان يوازي هذا الاهتمام بزيادة التواجد والنشاطات وبالاخص التي يمكن القيام بها، اوحتى بانشاء هيئة وطنية خاصة لمنطقة الاغوار وتقوم بالتركيز على الاستغلال الزراعي المتاح لهذه المناطق.