إلى من يهمه الأمر - رامي محمد فارس
الاختلاف بين البشر سنة كونية لا يمكن إنكارها ، فما أراه أنا جميلاً قد يراه الآخرون قبيحاً وهذا لا ينتقص من جماله شيئاً ، ولقد أتاح ديننا الإسلامي الحنيف مساحة للاختلاف فكانت هناك المذاهب التي لم يجمع أصحابها على أمر ما ، وإن سلّم جميعهم بوحدانية الله وبالأركان التي لا تقبل الاختلاف.
هذا التقديم مهم جداً لنوضح أن الاختلاف في المواقف والرؤى السياسية أمراً مقبولاً وصحياً وقد يكون مطلوباً في بعض الأحيان .
ولكن الأمر الغير مقبول أن يخرج المختلفون عن أدب الخلاف وأن يتحول الخلاف السياسي إلى صراعٍ لا يحتكم إلى العقل والمنطق والأعراف السليمة.
بالأمس خرج علينا الرفيق الدكتور جميل مزهر بتصريحٍ هاجم فيه الأخ الرئيس محمود عباس ونعته بألفاظ خارجة عن آداب الاختلاف لا أريد تكرارها لأنه أقل ما يمكن أن نصفها بأنها تنم عن مراهقة سياسية ولا تلتزم الحد الأدنى من الضوابط التي تفرضها مقتضيات الحالة السياسية الفلسطينية الشائكة.
ولقد تمادى رفيقنا كثيراً في تصريحه ولاتهامه للأخ الرئيس إلى درجة أننا أصبحنا نشر بأن هناك اتفاقاً وقعه الأخ الرئيس محمود عباس تنازل فيه عن القدس وحق العودة وباع بأبخس الأثمان كل الثوابت الوطنية الفلسطينية .
كان بودي أن أهاتف هذا الرجل وأسأله مجموعة من الأسئلة أولها وأهمها: هل ما تضمنه مقالك أو تصريحك هو موقف شخصي أم هو موقف الجبهة الشعبية ، وهل ما استرسلت به من قذفٍ واتهام بحق الرئيس يستند إلى دلائل أم أنك تحاول أن تخطب ود شخص هنا أو جماعة هناك ؟ ولماذا تستمر الجبهة الشعبية التي تعتبر أنت عضواً في مكتبها السياسي حتى اللحظة في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية التي يعتبر الأخ الرئيس محمود عباس رئيساً لها؟!!
أنا هنا يا سادة لا أنتظر من الرفيق مزهر أن يخرج حاملاً صورة الأخ الرئيس محمود عباس ويطوف بها شوارع الوطن ، ولا أدعوه إلى أن يتبنى موقف القبول بالمفاوضات التي لنا في حركة فتح اجتهادات ومواقف منها، بل والأكثر من ذلك مطلوب من فصائل المعارضة ان تصعد من معارضتها لأن هذا من شأنه أن يقوي موقف القيادة الفلسطينية ويرفع من سقف المطالب ، ولكني أدعوه إلى أن يتأدب وألا يتماهى في كيل الاتهامات دون أدلة أو شواهد.
كما أود أن أذكر رفيقنا مزهر وأطمأنه بأن حركة فتح وقيادتها كانت وستبقى حاملة هذا المشروع وحاميته وأن الأخ الرئيس قالها في أكتر من موقف : لا يمكننا أن نوقع أي اتفاق دون العودة إلى الشعب واستفتائه وإن رفضه الشعب فسيعتبر جزءً من الماضي ولن يخرج عن طور الاجتهاد السياسي.
وإلى رفاقنا في الجبهة الشعبية التي انتهز الفرصة لتهنئتهم بذكرى انطلاقتهم المجيدة أقول بأن المسئولية التنظيمية تتطلب منكم أن تصدروا موقفاً واضحاً بخصوص ما تلفظ به الرفيق مزهر بحق الأخ الرئيس محمود عباس مع ثقتي بأن جبهة الحكيم لا تقبل بهذه الترّهات التي جاء بها السيد مزهر وأن مواقف الجبهة المشرفة لا يمكن لها أن تلتقي مع ثقافة تخوين الأخر.
وعلى الصعيد التنظيمي مطلوب من قيادة حركة فتح مخاطبة الرفاق في الجبهة الشعبية وأن يتم تبني ذلك بشكلٍ رسمي واستيضاح موقف الجبهة مما قاله السيد مزهر وإن لم يتم الاستجابة فعلى حركة فتح أن تمتنع عن المشاركة في احتفالات الجبهة كردٍ أولى على حالة المراهقة السياسية التي ينتهجها البعض على قاعدة أن الخلاف في المواقف لا يعني بأي حال أن ينتهي به المطاف بالتهجم على رموز وقيادة الشعب الفلسطيني ، ومن المهم أن أذكر السيد مزهر بأن الأخ الرئيس محمود عباس هو الذي تحدى قبل عامٍ من الآن الإدارة الأمريكية ورفض الخضوع للابتزاز عندما هددوه بقطع المساعدات إذا ما أصر الذهب إلى الأمم المتحدة ، فانتصر لفلسطين ورفض الإذعان لامتلاءات السيد الأمريكي فكيف له أن يستثمر الانقسام ليمرر مشاريع مشبوهة كما زعمت؟؟.
وختاماً أتمنى أن ينتصر صوت العقل والحكمة على الناعقين بالتهم الجزاف والباحثين عن دورٍ هنا أو مصلحةٍ هناك ، فالحالة الفلسطينية تتطلب من كل الغيورين أن يذهبوا بنا إلى وحدة واتفاق لا إلى فرقة وشقاق.