الوضع الاقتصادي الفلسطيني وبروتوكول باريس الاقتصادي- امجد الاحمد
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
قبل الحديث عن بروتوكول باريس الاقتصادي لا بد من التطرق إلى الواقع الاقتصادي الفلسطيني منذ العام 1948 أي منذ بدأ احتلال إسرائيل للأرضي الفلسطينية ،حيث اعتمد الاقتصاد الفلسطيني على قطاع الزراعة بشكل رئيسي وشكل هذا القطاع ما يقارب 36 % من الناتج المحلي الإجمالي ،وباقي النسب الأخرى توزعت على الصناعة بشكل ضئيل أما الخدمات فقد شكلت ما يقارب 40 % من الناتج المحلي الإجمالي .
ومن اجل ديمومة دولة إسرائيل الوليدة كان لا بد من الاعتماد على مصادر تمويل من الأراضي الفلسطينية ،فقامت بفتح سوق العمل للفلسطينيين في المصانع التي أنشأتها العصابات الصهيونية والمستثمرين اليهود بأجور عالية وذلك من اجل ترغيب الفلسطينيين بترك العمل في الأرض والاستعاضة عنها في العمل في المصانع والمزارع والحقول اليهودية وقطاع البناء كونها تعود عليهم بالتوفير المادي أكثر من فلاحة الأرض ،كما قامت إسرائيل بمصادرة الأراضي التي كانت مملوكة للفلسطينيين والأراضي الأميرية ،بالإضافة إلى تدمير القرى وتهجير سكانها وإحلال مهاجرين يهود بدلا منهم .
وكان اقتصاد الضفة الفلسطينية تابع للاقتصاد الأردني منذ العام 1953 ،وحقق نسبة نمو أكثر من الضفة الأردنية لغاية العام 1967 بعد أن قامت إسرائيل باحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بعد حرب الأيام الستة ،وركزت المملكة الأردنية الهاشمية على الاستثمار في الأردن وأهملت الاقتصاد الفلسطيني الذي أصبح تابعا للاقتصاد الإسرائيلي بشكل كلي ،وانتهجت إسرائيل سياسة مصادرة والأراضي وتهجير فلاحينها ،وقامت أيضا بفتح سوق العمل للفلسطينيين في القطاعات الإنشائية الإسرائيلية وقطاع الزراعة وغيرها من القطاعات ،مما جعل معظم الأراضي الفلسطينية مهملة ،لتمهيد مصادرتها دون مقاومة من قبل مالكيها الذين أصبحوا عمالا في إسرائيل يجنون إضعاف مضاعفة مما يجنونه من أراضيهم مما يسهل عملية المصادرة واستغلال الموارد الطبيعية للأرض الفلسطينية مثل المياه والغاز ومنتجات البحر الميت ،وبناء المستوطنات واستغلال أراضي الغور الخصبة بحيث أصبحت أراضي الغور الزراعية تدر ربحا على إسرائيل ما يقارب أكثر من 600 مليون دولار سنويا .
أما الاقتصاد في قطاع غزة فكان تحت الإدارة المصرية كوحدة اقتصادية منفصلا عن اقتصادها ،وكانت الزراعة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي ،حيث استوعب هذا القطاع ثلث الأيدي العاملة ،وشكلت المنتجات الزراعية أكثر من 85% من الصادرات ،ثم السجاد وغيرها من المنتجات الناتجة عن العمل الحرفي ،وقد تميز اقتصاد قطاع غزة في تلك الحقبة بندرة الموارد ووفرة القوة العاملة التي توزعت بعض هذه القوة بالعمل في الخارج خاصة في الدول النفطية في الخليج وليبيا واليمن ،إلا أن البطالة في غزة كانت حاضرة في جميع الأوقات نتيجة الكثافة السكانية العالية ونتيجة التقلبات السياسية في المنطقة .
أما قطاع التجارة الفلسطيني فقد عملت إسرائيل على الحد منه وجعله تابعا كليا للاقتصاد الإسرائيلي ويتبع أوامر الحاكم العسكري الإسرائيلي من خلال الإدارة المدنية التي قامت إسرائيل بتأسيسها لمتابعة جميع نواحي الحياة الفلسطينية وربط جميع هذه المجالات بالتطلعات العسكرية والاقتصادية والسياسية . سواء كانت الاقتصادية فقامت على عمل ما يلي :
أولا: حصر منح تراخيص إنشاء مؤسسات اقتصادية فلسطينية جديدة أو توسيع ما هو موجود بيد الحاكم العسكري بحيث تبقى أي عملية اقتصادية فلسطينية تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
ثانيا : جعلت عملية الاستيراد والتصدير والاستثمار للفلسطينيين محكومة للوكيل الإسرائيلي أو المصدر والمورد الإسرائيلي وفرض ضرائب وجمارك مرتفعة على المنتجات الداخلة للسوق الفلسطيني وتعقيد الإجراءات اللازمة لضمان عدم منافستها للمنتجات الإسرائيلية .
ثالثا: إحكام القبضة على القطاع المصرفي الفلسطيني، بحجة السيطرة على مصادر تمويل (الإرهاب )، مما جعل هذا القطاع مقيد الحركة ومنعه من التطور والحد من اتصاله مع المؤسسات المصرفية العربية والعالمية.
رابعا : تخريب البنية التحتية لاقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة : مثل شبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي وتعبيد الطرق وغيرها من البني التحتية اللازمة لتطور أي قطاع اقتصادي ،حيث انه من المعروف أن أي بني تحتية تحتاج ما نسبته 30 % من الأنفاق حتى تكون مناسبة لعملية أي تطور ،وطيلة الاحتلال لم يتجاوز الأنفاق على البني التحتية أكثر من 9% من مجمل الإنفاق على الضفة وقطاع غزة من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية .
وبقى اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة على هذا الحال حتى توقيع اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي(اتفاق أوسلو) الذي وقعته منظمة التحرير لصالح السلطة الفلسطينية مع إسرائيل في العام 1993، والذي انبثق عنه بروتوكول باريس الاقتصادي في العام 1994 الناظم للعلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية .
بروتوكول باريس الإقتصادي:
وقع بروتوكول باريس الاقتصادي في واشنطن بتاريخ 29نيسان 1994 وتم اعتباره أساس العلاقة الاقتصادية التي تحكم التجارة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني خلال الفترة الانتقالية والتي كان من المفترض أن تنتهي في العام 1999، إلا انه للأسف ما زال بروتوكول باريس مطبق من الطرف الإسرائيلي فقط ،كما انه مرتبط باتفاقية إعلان المبادئ الموقعة في أوسلو من العام نفسه ،وتضمن تأسيس لجنة اقتصادية مشتركة بين الجانبين وذلك لمتابعة تنفيذه ومعالجة المشاكل المتعلقة فيه والتي قد تبرز من وقت لآخر، ويمكن لكل جانب أن يطالب بمراجعة أي مسألة تتعلق بالاتفاق عن طريق اللجنة الاقتصادية ،التي لم تجتمع منذ العام 2000 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في أواخر العام 2000.
منح بروتوكول باريس صلاحيات للسلطة الفلسطينية في استيراد المنتجات والبضائع وذلك حسب البنود المدونة في القائمة A1 والتي يتم استيرادها من الدول العربية خاصة الأردن ومصر واستمر الاستيراد منهما طوال الفترة السابقة مما يعتبر خرق واضح للبروتوكول من قبل إسرائيل والذي أدى إلى حرمان السوق الفلسطيني من التنوع في البضائع من الدول العربية الأخرى, أما القائمتين A2 وB والتي يتم استيراد البضائع والمنتجات المحددة فيها من كافة الدول و ولكن بكميات محدودة على أن يتم زيادتها حسب حاجة السوق الفلسطيني وبموافقة اللجنة الاقتصادية المشتركة, مع العلم انه لم يتم زيادتها إلا مرة وحدة ، ولم يتم الاستيراد بموجبها كونها لا تعفي البضائع المدرجة فيها من الخضوع للمواصفات والمقاييس الإسرائيلية التي تضع العوائق والعراقيل على التجارة الخارجية الفلسطينية.
البضائع الموجودة في جميع القوائم لا تتعدى أكثر من 0.5% من احتياج السوق الفلسطيني, وفي ما يتعلق بالبضائع الغير مدرجة في القوائم المذكورة أعلاه أو زيادة الكميات المحددة فيها فإنها ستخضع للمعايير والجمارك والرسوم المطبقة في إسرائيل وبذلك ستحافظ على نفس سياسة الاستيراد المتبعة في إسرائيل.
أعطى بروتوكول باريس صلاحيات واسعة للفلسطينيين فيما يتعلق باستيراد السيارات سواء الجديدة أو المستعملة بشرط أن تكون مواصفات هذه السيارات هي نفس المواصفات المتبعة في إسرائيل ،والتي تعتمد الأوامر الفنية الأوروبية في العادة ،وستقوم السلطة الفلسطينية بتحديد نسب الجمارك وضرائب الشراء حتى لو اختلفت هذه النسب عما هو مفروض في إسرائيل ،وبالنسبة للسيارات الغير مطابقة فيمكن مناقشتها في اللجنة الفرعية التي تعني بالمواصلات والمنبثقة عن اللجنة الاقتصادية المشتركة ،وقد أبقت إسرائيل على نفس الإجراءات فيما يتعلق باستيراد السيارات على المعابر الإسرائيلية حسب الفقرة 10 من البروتوكول .
وقد تعرض بروتوكول باريس للبضائع التي تستورد بشكل غير مباشر للسوق الفلسطيني حيث سيتم التعامل مع هذه البضائع ضريبيا وجمركيا على أساس المقصد النهائي للسلعة وهذا ما ذكر في الفقرة 15 من المادة الثالثة إلا أن السلطة لا تجبي إلا قيمة ضريبة القيمة المضافة فقط ،هذا إذا تم إدخال هذه البضائع بشكل رسمي ،مما يسبب خسارة للميزانية الفلسطينية بأكثر مما تجبيه من الاستيراد المباشر ،أي انه إذا تم مقارنة البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطيني بواسطة مستوردين إسرائيليين ويتم إدخالها بفاتورة مقاصة آو بدون هذه الفاتورة فإننا سنجد أن هذه البضائع أضعاف مضاعفة من الاستيراد بواسطة مستوردين فلسطينيين ،ويعتبر هذا السبب المباشر لانخفاض إيرادات السلطة من الجمارك والضرائب التي تجبى بواسطة إسرائيل ،هذا عدا عن ضرائب الشراء المفروضة على المنتجات الإسرائيلية التي تدخل السوق الفلسطيني ولا تقوم إسرائيل بدفعها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية مثل الأجهزة الكهربائية وقطع غيار السيارات ومواد التجميل وغيرها ،لأن ضريبة الشراء مثلها مثل ضريبة القيمة المضافة تفرض على السلع المستوردة والسلع المنتجة محليا ،وهذا خرق لروح بروتوكول باريس من قبل إسرائيل .
أما فيما يتعلق باستيراد البترول للمناطق الفلسطينية فقد وافقت إسرائيل على اعتماد البترول الأردني والمصري إذا تطابق مع المقاييس الأوروبية والأمريكية، أما في حالات المنتجات النفطية التي لا تتطابق مع هذه المقاييس فسوف تحال إلى لجنة خبراء مشتركة من اجل أيجاد حل مناسب لها، ويمكن للجنة أن تقرر قبول مقاييس مختلفة لاستيراد البنزين الذي يتطابق مع المقاييس الأردنية وان كانت لا تتطابق في بعض الأحيان مع المقاييس الأوروبية والأمريكية. وستتخذ اللجنة قرارها في غضون ستة أشهر، ولحين اتخاذ قرار من قبل اللجنة، وفي مدة لا تتجاوز الستة أشهر من توقيع الاتفاق، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تستورد بنزينا للأسواق الفلسطينية في المناطق وفقا لاحتياجات هذه السوق بشرط:
1- يتم تمييز لون البنزين عن ذلك المسوق في أسواق إسرائيل.
2- تتخذ السلطة الفلسطينية كل الخطوات الضرورية لضمان عدم تسويق هذا البنزين في إسرائيل.
ب- الفارق في سعر البنزين النهائي للمستهلكين الإسرائيليين والمستهلكين في المناطق يجب ألا يتجاوز 15 بالمائة من السعر النهائي الرسمي للمستهلك في إسرائيل وللسلطة الفلسطينية الحق في تحديد أسعار منتجات النفط في المناطق ما عدا البنزين. ج- إذا كان مستوى البنزين المصري يتطابق مع شروط المقاييس الأردنية ، سيتم السماح باستيراد البنزين المصري أيضا.
ولأن الشعب الفلسطيني يواجه موجة غلاء فاحش وتعالت الأصوات لحل هذه المشكلة لأنها أضرت بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني من حيث القدرة الشرائية ،والبعض يرى أن الحل يأتي من خلال إلغاء بروتوكول باريس والبعض يرى انه يجب إعادة النظر فيه وتعديله بما يتلاءم وحاجة الاقتصاد الفلسطيني ،وبتقديري أن تطبيق برتوكول باريس كما هو يمكن أن يكون جزء من الحل للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني خاصة غلاء الأسعار الفاحش ،ولنأخذ على سبيل المثال تطبيق البند المتعلق باستيراد البترول ولنفحص هل بالإمكان عند تطبيقها أن يخفف عن الشعب الفلسطيني الأزمة الاقتصادية التي يعيشها خاصة وان استهلاك الطاقة يشكل 25%من مجموع استهلاك الأسرة الفلسطينية واعتماد سوق الطاقة الفلسطيني على إسرائيل بالكامل ،فما المانع من استيراد النفط من الدول العربية ما دام بروتوكول باريس لا يمنع ذلك ،ما المانع من إنشاء مصفاة بترول فلسطينية بالتعاون مع الدول العربية بتكلفة مليار دولار حيث أن استيراد البترول وإنشاء مصفاة يخفف العبء على الشعب الفلسطيني من حيث الأسعار واستيعاب كم كبير من العمالة وبالتالي تخفيف البطالة ونسبة الفقر .
وتبرز عدة أسئلة يجب على السلطة الوطنية الإجابة عليها مثل لماذا لا يتم استيراد المازوت بما أن ضريبة الشراء المفروضة عليه فقط لا تتعدى 118 شيقل لكل طن وهو يستخدم للشاحنات الكبيرة والمصانع والتدفئة ،ولماذا نستخدم السولار ذات ضريبة الشراء المرتفعة ولماذا لا يتم إدخال النوعين مع اخذ التدابير اللازمة في كيفية الاستخدام ؟لماذا لا يتم دعم البنزين والسولار من خلال ضريبة الشراء البالغة 2990.43 شيقل لكل 1000 لتر ولسولار المستخدم للسيارات 2865.16 على التوالي . وتعلل هيئة البترول أنها تبيع البنزين والسولار بأسعار اقل مما تشتريه من إسرائيل نعم هذا صحيح لكنها تجبي من خلال المقاصة حوالي 4000 شيقل كضريبة شراء وضريبة القيمة المضافة لذلك مهما قللت من السعر فهي تحقق إرباح هائلة من البنزين والسولار .
ومن ذلك يتبين أن ارتفاع أسعار الطاقة ليس بسبب ارتفاع الأسعار العالمية فقط فهناك أسباب أخرى منها الضرائب العالية المفروضة عليها ،نعم إذا أرادت السلطة الوطنية أن تدعم أسعار الطاقة تستطيع وبشكل ذاتي ويتم ذلك بتخفيض الضرائب المفروضة على منتجات البترول .
لقد تم التطرق إلى جانب اقتصادي واحد من منظور بروتوكول باريس حيث انه يوجد عدة جوانب اقتصادية أخرى في البرتوكول يمكن أن تساعد في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تلم بالشعب الفلسطيني ،وتخفف من الأعباء الاقتصادية التي تعصف عليه من وقت إلى آخر ،لكن هذا يحتاج إلى مهنية عالية في التعامل مع هذا الاتفاق ،وتفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة ،واستغلال القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية ومن هذه القرارات القرار الصادر عن الأمم المتحدة الذي يؤكد السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية بما فيها القدس ،وهذا يعني أن للسلطة حق طلب التعويض عن جميع ما جنته إسرائيل من الموارد الفلسطينية منذ العام 1967خاصة المياه واستغلال أراضي الغور والبحر الميت وبئر النفط في رنتيس وغيرها من الموارد .
والمتابع لبرتوكول باريس يصل إلى نتيجة أن هذا البروتوكول قد انتهى مفعوله نظريا منذ العام 99 كون اتفاقية أوسلو حددت الفترة الزمنية الانتقالية لهذا الاتفاق بخمس سنوات ،حيث نصت المادة الأولى من اتفاقية اسلوا على :
" إن هدف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية ضمن عملية السلام الحالية في الشرق الأوسط هو من بين أمور أخرى ،إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية ،المجلس المنتخب (المجلس) للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ،لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على ساس قراري مجلس الأمن 242 و 338. من هذا النص يستند الداعمين إلى التخلص من بروتوكول باريس دون طرح ما هو البديل خاصة أن إسرائيل مستفردة بتنفيذ ها البروتوكول وتنفذ البنود التي لا تؤثر على اقتصادها وتجارتها الداخلية والخارجية ،لهذا نستطيع أن نجزم بأن برتوكول باريس الاقتصادي منتهي من الناحية النظرية ،لكن من الناحية العملية ما زال هذا البروتوكول هو المطبق على التجارة الفلسطينية حسب الرؤى والتفاسير الإسرائيلية لمواده وفقراته وبنوده .
البدائل المتاحة لبروتوكول باريس :
منذ توقيع بروتوكول باريس في العام 1994 ,والجدل والنقاش دائر حوله ما بين مؤيد ومعارض ومنتقد أحيانا ،وكثير من ورش العمل والمؤتمرات والمقالات تناولت هذا الموضوع من حيث السلبيات والإيجابيات والتوقعات المستقبلية ،لذلك لا بد من التعرض إلى الخيارات الأخرى والنتائج المترتبة على كل خيار ومن هذه الخيارات :
أولا: إبقاء الوضع الاقتصادي على حاله : يترتب على هذا الخيار أن يبقى بروتوكول باريس هو الساري مع التحكم الإسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني ،وإبقاء التبعية شبه الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي ،وهذا الخيار يحد من تطور كافة الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية من حيث التجارة الخارجية بشقيها الاستيراد والتصدير والتجارة الداخلية ،والحد من زيادة حجم الاستثمار وجلب مستثمرين جدد إلى فلسطين ،وعدم التطور في المجال الزراعي والصناعي والحرفي .
وهنا يخيم الجمود على الاقتصاد الفلسطيني ويحد من تنفيذ الاتفاقيات مع الدول التي تم توقيع اتفاقيات اقتصادية معها مثل الدول العربية والدول الأوروبية ودول الإفتا ودول جنوب أمريكيا وتركيا ،مما يعيق التواصل مع العالم الخارجي وترك الساحة الدولية للإسرائيليين ،مع العلم أن القيادة الفلسطينية تعتبر هذه الساحة أداة من أدوات الصراع التي يستخدمها الفلسطينيين لمجابهة الغطرسة والتعنت الإسرائيلي في الانصياع للقرارات الدولية والأممية .
لذلك من غير المنطقي والمعقول إبقاء الوضع الاقتصادي الفلسطيني على حاله وحرمانه من المرونة والتطور والانخراط والاستفادة من اقتصاديات الأمم والخبرات والنفاذ للأسواق الأخرى والانضمام للمنظمات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية التي تشترط ان يكون العضو دولة لها سياستها الاقتصادية الخاصة فيها .
ثانيا : تطبيق بروتوكول باريس بحذافيره : وهذا يتطلب إعادة قراءة بروتوكول باريس الاقتصادي بتمعن ومهنية تامة وتحديد ما هي المواد والفقرات المطبقة بشكل جزئي والعمل على تطبيقها بشكل كامل ،وتحديد المواد والفقرات الغير مطبقة أصلا والعمل على تنفيذها بما يخدم ويعزز نمو الاقتصاد الفلسطيني مثل الفقرة المتعلقة باستيراد البترول وإصدار عملة فلسطينية ….وغيرها .
وهذا الخيار ممكن أن يساهم في دفع الاقتصاد الفلسطيني إلى الأمام بشكل متوسط لكنه لا يرقى إلى تأسيس اقتصاد دولة فلسطينية ،كما يلزمه حشد الرأي العام ودعم الدول من اجل الضغط على إسرائيل لتنفيذ بروتوكول باريس كما يلزمه الإعداد المهني والعلمي والعملي الممتاز من الجانب الفلسطيني .
ثالثا: العمل على إيجاد اتفاقية اقتصادية جديدة :
وهذا الخيار يحتاج إلى دراسة الوضع الاقتصادي الفلسطيني من جميع الجوانب ،وقدرته على الدخول في اتحادات أو اتفاقيات مع إسرائيل بحيث لا يؤثر من الناحية السلبية على الاقتصاد الفلسطيني ،ويمكن اللجوء إلى نوعين من الاتفاقيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحل محل بروتوكول باريس وهي :
1- اتفاقية التجارة الحرة: وتعتمد هذه الاتفاقية على مبدأ الميزة النسبية مما يدفع إلى التخصص الإنتاجي الفلسطيني خاصة أن هناك تماثل بسيط بين المنتج الفلسطيني والمنتج الإسرائيلي، مما يعطي نوع من التخصص للمنتجات الفلسطينية على أساس اقل التكاليف وأقصى الأرباح.
2- الإتحاد الجمركي الكامل : وبموجب اتفاق الاتحاد الجمركي بين التجارة الفلسطينية والإسرائيلية يتم وضع سياسات جمركية واحدة بين الطرفين وأطراف أخرى إن أمكن مثل الأردن ومصر ،ووضع آليات تحصيل وتوزيع الإيرادات بين الدول الأعضاء ،ويعتبر الإتحاد الجمركي وسيلة لتحسين الاقتصاد الفلسطيني من حيث التنوع في الأسواق ،كما انه ينهي تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي بالإضافة إلى انه أداة للوصول إلى تسوية سياسية عادلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين .
وعادة ما يتم الوصول إلى اتفاقية تجارة حرة ومن ثم توقيع اتفاقية الإتحاد الجمركي ،كون الإتحاد الجمركي يتضمن الاندماج الكامل وتوحيد جميع الإجراءات الجمركية والتجارية .
على الأغلب سيتم اللجوء إلى مثل هذه الاتفاقيات في مرحلة ما ولكي نكون جاهزين لها هناك عدة خطوات يجب القيام فيها على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى الدولي.
الخطوات على المستوى الفلسطيني :
1- التحضير المهني الجيد لخيار اتفاقية التجارة الحرة أو الإتحاد الجمركي : ويتم ذلك من خلال إعداد الدراسات المهنية على أسس اقتصادية علمية وبناءا على الواقع الاقتصادي الفلسطيني من حيث الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها من المجالات الاقتصادية الأخرى .
2- اعتماد جهة تخطيط فلسطينية واحدة تشرف على جميع الدراسات والإعدادات الأخرى حتى لا يتم تشتيت المواقف والقرارات المتعلقة بذلك الموضوع ،ويتم ذلك بتشكيل فريق اقتصادي متخصص وملم بالاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء .
3- أيجاد مخرج للمعيقات الأمنية التي تتذرع فيها إسرائيل في كافة الأمكنة والأزمنة ،والذي يعتبر المعيق الأساسي أمام التجارة الفلسطينية منذ البدء بالعمل ببروتوكول باريس الاقتصادي ،لأن هذا البروتوكول جعل التدابير الأمنية الإسرائيلية بشكل فضفاض غير محدد مما جعل الإسرائيليين يفرضوا الإجراءات الأمنية حسب مصالحهم التجارية والاقتصادية والسياسية .
4- تطوير معهد المواصفات والمقاييس الفلسطيني وتجهيزه بكافة الإمكانيات من حيث الأجهزة والمعدات والكوادر المدربة بحيث يقوم هذا المعهد بجميع المسائل الفنية ،والتي تتذرع إسرائيل بأن الجانب الفلسطيني غير جاهز للتعامل معها فنيا .
الخطوات المطلوبة على المستوى الدولي :
1- كسب رأي دول العالم للرؤية الاقتصادية الفلسطينية المستقبلية والتي تجد حلا اقتصاديا ينصف الفلسطينيين يقود إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، وحث هذه الدول للضغط على الإسرائيليين لتتعامل مع هذه الرؤية.
2- التنسيق مع الدول العربية من اجل المساعدة عل طرح الرؤية الاقتصادية الفلسطينية والحصول على الدعم المادي والوجستي لتجهيز المؤسسات الفلسطينية الاقتصادية للمرحلة المقبلة .
3- التوجه إلى المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتبني ودعم الرؤية الفلسطينية من الناحية الفنية والمادية بما يخدم المصلحة الفلسطينية وليس على أساس الأجندات الخاصة بهذه المؤسسات.
خلاصة القول أن الاقتصاد الفلسطيني منذ العام 1994 وهو يدور مكانه خاصة العلاقة مع إسرائيل ،وبعد أن كسبت فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة ،والعضوية الكاملة في اليونسكو والعمل جاري على الانضمام لمنظمات دولية أخرى ،في ظل هذه التطورات لا بد من إحداث تغير على هذا الاقتصاد الذي تعب وأرهق من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي عليه، التي تتمثل بالسيطرة على موارده الطبيعية مثل المياه والغاز ومصادرة الأراضي ،وبسط السيطرة الكاملة على 61% من مساحة الضفة الغربية بما فيها منطقة الأغوار ،لذلك آن الأوان لينعم الفلسطينيين بما يملكون ويتحرروا من قبضة الاحتلال الجاثمة عليه منذ العام 1967سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .
zaقبل الحديث عن بروتوكول باريس الاقتصادي لا بد من التطرق إلى الواقع الاقتصادي الفلسطيني منذ العام 1948 أي منذ بدأ احتلال إسرائيل للأرضي الفلسطينية ،حيث اعتمد الاقتصاد الفلسطيني على قطاع الزراعة بشكل رئيسي وشكل هذا القطاع ما يقارب 36 % من الناتج المحلي الإجمالي ،وباقي النسب الأخرى توزعت على الصناعة بشكل ضئيل أما الخدمات فقد شكلت ما يقارب 40 % من الناتج المحلي الإجمالي .
ومن اجل ديمومة دولة إسرائيل الوليدة كان لا بد من الاعتماد على مصادر تمويل من الأراضي الفلسطينية ،فقامت بفتح سوق العمل للفلسطينيين في المصانع التي أنشأتها العصابات الصهيونية والمستثمرين اليهود بأجور عالية وذلك من اجل ترغيب الفلسطينيين بترك العمل في الأرض والاستعاضة عنها في العمل في المصانع والمزارع والحقول اليهودية وقطاع البناء كونها تعود عليهم بالتوفير المادي أكثر من فلاحة الأرض ،كما قامت إسرائيل بمصادرة الأراضي التي كانت مملوكة للفلسطينيين والأراضي الأميرية ،بالإضافة إلى تدمير القرى وتهجير سكانها وإحلال مهاجرين يهود بدلا منهم .
وكان اقتصاد الضفة الفلسطينية تابع للاقتصاد الأردني منذ العام 1953 ،وحقق نسبة نمو أكثر من الضفة الأردنية لغاية العام 1967 بعد أن قامت إسرائيل باحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بعد حرب الأيام الستة ،وركزت المملكة الأردنية الهاشمية على الاستثمار في الأردن وأهملت الاقتصاد الفلسطيني الذي أصبح تابعا للاقتصاد الإسرائيلي بشكل كلي ،وانتهجت إسرائيل سياسة مصادرة والأراضي وتهجير فلاحينها ،وقامت أيضا بفتح سوق العمل للفلسطينيين في القطاعات الإنشائية الإسرائيلية وقطاع الزراعة وغيرها من القطاعات ،مما جعل معظم الأراضي الفلسطينية مهملة ،لتمهيد مصادرتها دون مقاومة من قبل مالكيها الذين أصبحوا عمالا في إسرائيل يجنون إضعاف مضاعفة مما يجنونه من أراضيهم مما يسهل عملية المصادرة واستغلال الموارد الطبيعية للأرض الفلسطينية مثل المياه والغاز ومنتجات البحر الميت ،وبناء المستوطنات واستغلال أراضي الغور الخصبة بحيث أصبحت أراضي الغور الزراعية تدر ربحا على إسرائيل ما يقارب أكثر من 600 مليون دولار سنويا .
أما الاقتصاد في قطاع غزة فكان تحت الإدارة المصرية كوحدة اقتصادية منفصلا عن اقتصادها ،وكانت الزراعة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي ،حيث استوعب هذا القطاع ثلث الأيدي العاملة ،وشكلت المنتجات الزراعية أكثر من 85% من الصادرات ،ثم السجاد وغيرها من المنتجات الناتجة عن العمل الحرفي ،وقد تميز اقتصاد قطاع غزة في تلك الحقبة بندرة الموارد ووفرة القوة العاملة التي توزعت بعض هذه القوة بالعمل في الخارج خاصة في الدول النفطية في الخليج وليبيا واليمن ،إلا أن البطالة في غزة كانت حاضرة في جميع الأوقات نتيجة الكثافة السكانية العالية ونتيجة التقلبات السياسية في المنطقة .
أما قطاع التجارة الفلسطيني فقد عملت إسرائيل على الحد منه وجعله تابعا كليا للاقتصاد الإسرائيلي ويتبع أوامر الحاكم العسكري الإسرائيلي من خلال الإدارة المدنية التي قامت إسرائيل بتأسيسها لمتابعة جميع نواحي الحياة الفلسطينية وربط جميع هذه المجالات بالتطلعات العسكرية والاقتصادية والسياسية . سواء كانت الاقتصادية فقامت على عمل ما يلي :
أولا: حصر منح تراخيص إنشاء مؤسسات اقتصادية فلسطينية جديدة أو توسيع ما هو موجود بيد الحاكم العسكري بحيث تبقى أي عملية اقتصادية فلسطينية تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
ثانيا : جعلت عملية الاستيراد والتصدير والاستثمار للفلسطينيين محكومة للوكيل الإسرائيلي أو المصدر والمورد الإسرائيلي وفرض ضرائب وجمارك مرتفعة على المنتجات الداخلة للسوق الفلسطيني وتعقيد الإجراءات اللازمة لضمان عدم منافستها للمنتجات الإسرائيلية .
ثالثا: إحكام القبضة على القطاع المصرفي الفلسطيني، بحجة السيطرة على مصادر تمويل (الإرهاب )، مما جعل هذا القطاع مقيد الحركة ومنعه من التطور والحد من اتصاله مع المؤسسات المصرفية العربية والعالمية.
رابعا : تخريب البنية التحتية لاقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة : مثل شبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي وتعبيد الطرق وغيرها من البني التحتية اللازمة لتطور أي قطاع اقتصادي ،حيث انه من المعروف أن أي بني تحتية تحتاج ما نسبته 30 % من الأنفاق حتى تكون مناسبة لعملية أي تطور ،وطيلة الاحتلال لم يتجاوز الأنفاق على البني التحتية أكثر من 9% من مجمل الإنفاق على الضفة وقطاع غزة من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية .
وبقى اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة على هذا الحال حتى توقيع اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي(اتفاق أوسلو) الذي وقعته منظمة التحرير لصالح السلطة الفلسطينية مع إسرائيل في العام 1993، والذي انبثق عنه بروتوكول باريس الاقتصادي في العام 1994 الناظم للعلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية .
بروتوكول باريس الإقتصادي:
وقع بروتوكول باريس الاقتصادي في واشنطن بتاريخ 29نيسان 1994 وتم اعتباره أساس العلاقة الاقتصادية التي تحكم التجارة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني خلال الفترة الانتقالية والتي كان من المفترض أن تنتهي في العام 1999، إلا انه للأسف ما زال بروتوكول باريس مطبق من الطرف الإسرائيلي فقط ،كما انه مرتبط باتفاقية إعلان المبادئ الموقعة في أوسلو من العام نفسه ،وتضمن تأسيس لجنة اقتصادية مشتركة بين الجانبين وذلك لمتابعة تنفيذه ومعالجة المشاكل المتعلقة فيه والتي قد تبرز من وقت لآخر، ويمكن لكل جانب أن يطالب بمراجعة أي مسألة تتعلق بالاتفاق عن طريق اللجنة الاقتصادية ،التي لم تجتمع منذ العام 2000 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في أواخر العام 2000.
منح بروتوكول باريس صلاحيات للسلطة الفلسطينية في استيراد المنتجات والبضائع وذلك حسب البنود المدونة في القائمة A1 والتي يتم استيرادها من الدول العربية خاصة الأردن ومصر واستمر الاستيراد منهما طوال الفترة السابقة مما يعتبر خرق واضح للبروتوكول من قبل إسرائيل والذي أدى إلى حرمان السوق الفلسطيني من التنوع في البضائع من الدول العربية الأخرى, أما القائمتين A2 وB والتي يتم استيراد البضائع والمنتجات المحددة فيها من كافة الدول و ولكن بكميات محدودة على أن يتم زيادتها حسب حاجة السوق الفلسطيني وبموافقة اللجنة الاقتصادية المشتركة, مع العلم انه لم يتم زيادتها إلا مرة وحدة ، ولم يتم الاستيراد بموجبها كونها لا تعفي البضائع المدرجة فيها من الخضوع للمواصفات والمقاييس الإسرائيلية التي تضع العوائق والعراقيل على التجارة الخارجية الفلسطينية.
البضائع الموجودة في جميع القوائم لا تتعدى أكثر من 0.5% من احتياج السوق الفلسطيني, وفي ما يتعلق بالبضائع الغير مدرجة في القوائم المذكورة أعلاه أو زيادة الكميات المحددة فيها فإنها ستخضع للمعايير والجمارك والرسوم المطبقة في إسرائيل وبذلك ستحافظ على نفس سياسة الاستيراد المتبعة في إسرائيل.
أعطى بروتوكول باريس صلاحيات واسعة للفلسطينيين فيما يتعلق باستيراد السيارات سواء الجديدة أو المستعملة بشرط أن تكون مواصفات هذه السيارات هي نفس المواصفات المتبعة في إسرائيل ،والتي تعتمد الأوامر الفنية الأوروبية في العادة ،وستقوم السلطة الفلسطينية بتحديد نسب الجمارك وضرائب الشراء حتى لو اختلفت هذه النسب عما هو مفروض في إسرائيل ،وبالنسبة للسيارات الغير مطابقة فيمكن مناقشتها في اللجنة الفرعية التي تعني بالمواصلات والمنبثقة عن اللجنة الاقتصادية المشتركة ،وقد أبقت إسرائيل على نفس الإجراءات فيما يتعلق باستيراد السيارات على المعابر الإسرائيلية حسب الفقرة 10 من البروتوكول .
وقد تعرض بروتوكول باريس للبضائع التي تستورد بشكل غير مباشر للسوق الفلسطيني حيث سيتم التعامل مع هذه البضائع ضريبيا وجمركيا على أساس المقصد النهائي للسلعة وهذا ما ذكر في الفقرة 15 من المادة الثالثة إلا أن السلطة لا تجبي إلا قيمة ضريبة القيمة المضافة فقط ،هذا إذا تم إدخال هذه البضائع بشكل رسمي ،مما يسبب خسارة للميزانية الفلسطينية بأكثر مما تجبيه من الاستيراد المباشر ،أي انه إذا تم مقارنة البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطيني بواسطة مستوردين إسرائيليين ويتم إدخالها بفاتورة مقاصة آو بدون هذه الفاتورة فإننا سنجد أن هذه البضائع أضعاف مضاعفة من الاستيراد بواسطة مستوردين فلسطينيين ،ويعتبر هذا السبب المباشر لانخفاض إيرادات السلطة من الجمارك والضرائب التي تجبى بواسطة إسرائيل ،هذا عدا عن ضرائب الشراء المفروضة على المنتجات الإسرائيلية التي تدخل السوق الفلسطيني ولا تقوم إسرائيل بدفعها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية مثل الأجهزة الكهربائية وقطع غيار السيارات ومواد التجميل وغيرها ،لأن ضريبة الشراء مثلها مثل ضريبة القيمة المضافة تفرض على السلع المستوردة والسلع المنتجة محليا ،وهذا خرق لروح بروتوكول باريس من قبل إسرائيل .
أما فيما يتعلق باستيراد البترول للمناطق الفلسطينية فقد وافقت إسرائيل على اعتماد البترول الأردني والمصري إذا تطابق مع المقاييس الأوروبية والأمريكية، أما في حالات المنتجات النفطية التي لا تتطابق مع هذه المقاييس فسوف تحال إلى لجنة خبراء مشتركة من اجل أيجاد حل مناسب لها، ويمكن للجنة أن تقرر قبول مقاييس مختلفة لاستيراد البنزين الذي يتطابق مع المقاييس الأردنية وان كانت لا تتطابق في بعض الأحيان مع المقاييس الأوروبية والأمريكية. وستتخذ اللجنة قرارها في غضون ستة أشهر، ولحين اتخاذ قرار من قبل اللجنة، وفي مدة لا تتجاوز الستة أشهر من توقيع الاتفاق، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تستورد بنزينا للأسواق الفلسطينية في المناطق وفقا لاحتياجات هذه السوق بشرط:
1- يتم تمييز لون البنزين عن ذلك المسوق في أسواق إسرائيل.
2- تتخذ السلطة الفلسطينية كل الخطوات الضرورية لضمان عدم تسويق هذا البنزين في إسرائيل.
ب- الفارق في سعر البنزين النهائي للمستهلكين الإسرائيليين والمستهلكين في المناطق يجب ألا يتجاوز 15 بالمائة من السعر النهائي الرسمي للمستهلك في إسرائيل وللسلطة الفلسطينية الحق في تحديد أسعار منتجات النفط في المناطق ما عدا البنزين. ج- إذا كان مستوى البنزين المصري يتطابق مع شروط المقاييس الأردنية ، سيتم السماح باستيراد البنزين المصري أيضا.
ولأن الشعب الفلسطيني يواجه موجة غلاء فاحش وتعالت الأصوات لحل هذه المشكلة لأنها أضرت بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني من حيث القدرة الشرائية ،والبعض يرى أن الحل يأتي من خلال إلغاء بروتوكول باريس والبعض يرى انه يجب إعادة النظر فيه وتعديله بما يتلاءم وحاجة الاقتصاد الفلسطيني ،وبتقديري أن تطبيق برتوكول باريس كما هو يمكن أن يكون جزء من الحل للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني خاصة غلاء الأسعار الفاحش ،ولنأخذ على سبيل المثال تطبيق البند المتعلق باستيراد البترول ولنفحص هل بالإمكان عند تطبيقها أن يخفف عن الشعب الفلسطيني الأزمة الاقتصادية التي يعيشها خاصة وان استهلاك الطاقة يشكل 25%من مجموع استهلاك الأسرة الفلسطينية واعتماد سوق الطاقة الفلسطيني على إسرائيل بالكامل ،فما المانع من استيراد النفط من الدول العربية ما دام بروتوكول باريس لا يمنع ذلك ،ما المانع من إنشاء مصفاة بترول فلسطينية بالتعاون مع الدول العربية بتكلفة مليار دولار حيث أن استيراد البترول وإنشاء مصفاة يخفف العبء على الشعب الفلسطيني من حيث الأسعار واستيعاب كم كبير من العمالة وبالتالي تخفيف البطالة ونسبة الفقر .
وتبرز عدة أسئلة يجب على السلطة الوطنية الإجابة عليها مثل لماذا لا يتم استيراد المازوت بما أن ضريبة الشراء المفروضة عليه فقط لا تتعدى 118 شيقل لكل طن وهو يستخدم للشاحنات الكبيرة والمصانع والتدفئة ،ولماذا نستخدم السولار ذات ضريبة الشراء المرتفعة ولماذا لا يتم إدخال النوعين مع اخذ التدابير اللازمة في كيفية الاستخدام ؟لماذا لا يتم دعم البنزين والسولار من خلال ضريبة الشراء البالغة 2990.43 شيقل لكل 1000 لتر ولسولار المستخدم للسيارات 2865.16 على التوالي . وتعلل هيئة البترول أنها تبيع البنزين والسولار بأسعار اقل مما تشتريه من إسرائيل نعم هذا صحيح لكنها تجبي من خلال المقاصة حوالي 4000 شيقل كضريبة شراء وضريبة القيمة المضافة لذلك مهما قللت من السعر فهي تحقق إرباح هائلة من البنزين والسولار .
ومن ذلك يتبين أن ارتفاع أسعار الطاقة ليس بسبب ارتفاع الأسعار العالمية فقط فهناك أسباب أخرى منها الضرائب العالية المفروضة عليها ،نعم إذا أرادت السلطة الوطنية أن تدعم أسعار الطاقة تستطيع وبشكل ذاتي ويتم ذلك بتخفيض الضرائب المفروضة على منتجات البترول .
لقد تم التطرق إلى جانب اقتصادي واحد من منظور بروتوكول باريس حيث انه يوجد عدة جوانب اقتصادية أخرى في البرتوكول يمكن أن تساعد في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تلم بالشعب الفلسطيني ،وتخفف من الأعباء الاقتصادية التي تعصف عليه من وقت إلى آخر ،لكن هذا يحتاج إلى مهنية عالية في التعامل مع هذا الاتفاق ،وتفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة ،واستغلال القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية ومن هذه القرارات القرار الصادر عن الأمم المتحدة الذي يؤكد السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية بما فيها القدس ،وهذا يعني أن للسلطة حق طلب التعويض عن جميع ما جنته إسرائيل من الموارد الفلسطينية منذ العام 1967خاصة المياه واستغلال أراضي الغور والبحر الميت وبئر النفط في رنتيس وغيرها من الموارد .
والمتابع لبرتوكول باريس يصل إلى نتيجة أن هذا البروتوكول قد انتهى مفعوله نظريا منذ العام 99 كون اتفاقية أوسلو حددت الفترة الزمنية الانتقالية لهذا الاتفاق بخمس سنوات ،حيث نصت المادة الأولى من اتفاقية اسلوا على :
" إن هدف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية ضمن عملية السلام الحالية في الشرق الأوسط هو من بين أمور أخرى ،إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية ،المجلس المنتخب (المجلس) للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ،لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على ساس قراري مجلس الأمن 242 و 338. من هذا النص يستند الداعمين إلى التخلص من بروتوكول باريس دون طرح ما هو البديل خاصة أن إسرائيل مستفردة بتنفيذ ها البروتوكول وتنفذ البنود التي لا تؤثر على اقتصادها وتجارتها الداخلية والخارجية ،لهذا نستطيع أن نجزم بأن برتوكول باريس الاقتصادي منتهي من الناحية النظرية ،لكن من الناحية العملية ما زال هذا البروتوكول هو المطبق على التجارة الفلسطينية حسب الرؤى والتفاسير الإسرائيلية لمواده وفقراته وبنوده .
البدائل المتاحة لبروتوكول باريس :
منذ توقيع بروتوكول باريس في العام 1994 ,والجدل والنقاش دائر حوله ما بين مؤيد ومعارض ومنتقد أحيانا ،وكثير من ورش العمل والمؤتمرات والمقالات تناولت هذا الموضوع من حيث السلبيات والإيجابيات والتوقعات المستقبلية ،لذلك لا بد من التعرض إلى الخيارات الأخرى والنتائج المترتبة على كل خيار ومن هذه الخيارات :
أولا: إبقاء الوضع الاقتصادي على حاله : يترتب على هذا الخيار أن يبقى بروتوكول باريس هو الساري مع التحكم الإسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني ،وإبقاء التبعية شبه الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي ،وهذا الخيار يحد من تطور كافة الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية من حيث التجارة الخارجية بشقيها الاستيراد والتصدير والتجارة الداخلية ،والحد من زيادة حجم الاستثمار وجلب مستثمرين جدد إلى فلسطين ،وعدم التطور في المجال الزراعي والصناعي والحرفي .
وهنا يخيم الجمود على الاقتصاد الفلسطيني ويحد من تنفيذ الاتفاقيات مع الدول التي تم توقيع اتفاقيات اقتصادية معها مثل الدول العربية والدول الأوروبية ودول الإفتا ودول جنوب أمريكيا وتركيا ،مما يعيق التواصل مع العالم الخارجي وترك الساحة الدولية للإسرائيليين ،مع العلم أن القيادة الفلسطينية تعتبر هذه الساحة أداة من أدوات الصراع التي يستخدمها الفلسطينيين لمجابهة الغطرسة والتعنت الإسرائيلي في الانصياع للقرارات الدولية والأممية .
لذلك من غير المنطقي والمعقول إبقاء الوضع الاقتصادي الفلسطيني على حاله وحرمانه من المرونة والتطور والانخراط والاستفادة من اقتصاديات الأمم والخبرات والنفاذ للأسواق الأخرى والانضمام للمنظمات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية التي تشترط ان يكون العضو دولة لها سياستها الاقتصادية الخاصة فيها .
ثانيا : تطبيق بروتوكول باريس بحذافيره : وهذا يتطلب إعادة قراءة بروتوكول باريس الاقتصادي بتمعن ومهنية تامة وتحديد ما هي المواد والفقرات المطبقة بشكل جزئي والعمل على تطبيقها بشكل كامل ،وتحديد المواد والفقرات الغير مطبقة أصلا والعمل على تنفيذها بما يخدم ويعزز نمو الاقتصاد الفلسطيني مثل الفقرة المتعلقة باستيراد البترول وإصدار عملة فلسطينية ….وغيرها .
وهذا الخيار ممكن أن يساهم في دفع الاقتصاد الفلسطيني إلى الأمام بشكل متوسط لكنه لا يرقى إلى تأسيس اقتصاد دولة فلسطينية ،كما يلزمه حشد الرأي العام ودعم الدول من اجل الضغط على إسرائيل لتنفيذ بروتوكول باريس كما يلزمه الإعداد المهني والعلمي والعملي الممتاز من الجانب الفلسطيني .
ثالثا: العمل على إيجاد اتفاقية اقتصادية جديدة :
وهذا الخيار يحتاج إلى دراسة الوضع الاقتصادي الفلسطيني من جميع الجوانب ،وقدرته على الدخول في اتحادات أو اتفاقيات مع إسرائيل بحيث لا يؤثر من الناحية السلبية على الاقتصاد الفلسطيني ،ويمكن اللجوء إلى نوعين من الاتفاقيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحل محل بروتوكول باريس وهي :
1- اتفاقية التجارة الحرة: وتعتمد هذه الاتفاقية على مبدأ الميزة النسبية مما يدفع إلى التخصص الإنتاجي الفلسطيني خاصة أن هناك تماثل بسيط بين المنتج الفلسطيني والمنتج الإسرائيلي، مما يعطي نوع من التخصص للمنتجات الفلسطينية على أساس اقل التكاليف وأقصى الأرباح.
2- الإتحاد الجمركي الكامل : وبموجب اتفاق الاتحاد الجمركي بين التجارة الفلسطينية والإسرائيلية يتم وضع سياسات جمركية واحدة بين الطرفين وأطراف أخرى إن أمكن مثل الأردن ومصر ،ووضع آليات تحصيل وتوزيع الإيرادات بين الدول الأعضاء ،ويعتبر الإتحاد الجمركي وسيلة لتحسين الاقتصاد الفلسطيني من حيث التنوع في الأسواق ،كما انه ينهي تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي بالإضافة إلى انه أداة للوصول إلى تسوية سياسية عادلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين .
وعادة ما يتم الوصول إلى اتفاقية تجارة حرة ومن ثم توقيع اتفاقية الإتحاد الجمركي ،كون الإتحاد الجمركي يتضمن الاندماج الكامل وتوحيد جميع الإجراءات الجمركية والتجارية .
على الأغلب سيتم اللجوء إلى مثل هذه الاتفاقيات في مرحلة ما ولكي نكون جاهزين لها هناك عدة خطوات يجب القيام فيها على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى الدولي.
الخطوات على المستوى الفلسطيني :
1- التحضير المهني الجيد لخيار اتفاقية التجارة الحرة أو الإتحاد الجمركي : ويتم ذلك من خلال إعداد الدراسات المهنية على أسس اقتصادية علمية وبناءا على الواقع الاقتصادي الفلسطيني من حيث الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها من المجالات الاقتصادية الأخرى .
2- اعتماد جهة تخطيط فلسطينية واحدة تشرف على جميع الدراسات والإعدادات الأخرى حتى لا يتم تشتيت المواقف والقرارات المتعلقة بذلك الموضوع ،ويتم ذلك بتشكيل فريق اقتصادي متخصص وملم بالاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء .
3- أيجاد مخرج للمعيقات الأمنية التي تتذرع فيها إسرائيل في كافة الأمكنة والأزمنة ،والذي يعتبر المعيق الأساسي أمام التجارة الفلسطينية منذ البدء بالعمل ببروتوكول باريس الاقتصادي ،لأن هذا البروتوكول جعل التدابير الأمنية الإسرائيلية بشكل فضفاض غير محدد مما جعل الإسرائيليين يفرضوا الإجراءات الأمنية حسب مصالحهم التجارية والاقتصادية والسياسية .
4- تطوير معهد المواصفات والمقاييس الفلسطيني وتجهيزه بكافة الإمكانيات من حيث الأجهزة والمعدات والكوادر المدربة بحيث يقوم هذا المعهد بجميع المسائل الفنية ،والتي تتذرع إسرائيل بأن الجانب الفلسطيني غير جاهز للتعامل معها فنيا .
الخطوات المطلوبة على المستوى الدولي :
1- كسب رأي دول العالم للرؤية الاقتصادية الفلسطينية المستقبلية والتي تجد حلا اقتصاديا ينصف الفلسطينيين يقود إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، وحث هذه الدول للضغط على الإسرائيليين لتتعامل مع هذه الرؤية.
2- التنسيق مع الدول العربية من اجل المساعدة عل طرح الرؤية الاقتصادية الفلسطينية والحصول على الدعم المادي والوجستي لتجهيز المؤسسات الفلسطينية الاقتصادية للمرحلة المقبلة .
3- التوجه إلى المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتبني ودعم الرؤية الفلسطينية من الناحية الفنية والمادية بما يخدم المصلحة الفلسطينية وليس على أساس الأجندات الخاصة بهذه المؤسسات.
خلاصة القول أن الاقتصاد الفلسطيني منذ العام 1994 وهو يدور مكانه خاصة العلاقة مع إسرائيل ،وبعد أن كسبت فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة ،والعضوية الكاملة في اليونسكو والعمل جاري على الانضمام لمنظمات دولية أخرى ،في ظل هذه التطورات لا بد من إحداث تغير على هذا الاقتصاد الذي تعب وأرهق من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي عليه، التي تتمثل بالسيطرة على موارده الطبيعية مثل المياه والغاز ومصادرة الأراضي ،وبسط السيطرة الكاملة على 61% من مساحة الضفة الغربية بما فيها منطقة الأغوار ،لذلك آن الأوان لينعم الفلسطينيين بما يملكون ويتحرروا من قبضة الاحتلال الجاثمة عليه منذ العام 1967سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .