أحمد سعدات .. تجربة ثورية متكاملة - عبد الناصر فروانة
كثيراً ما كُتب عن الأسير " أحمد سعدات " " أبو غسان " الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ومكانته الوطنية ، وكثيرة هي الأقلام الوطنية الصادقة ، الشريفة ، المخلصة التي أشادت به وبتاريخه النضالي ومسيرته الكفاحية ، وكثيرين هم الذين تحركوا وتضامنوا وأعلنوا مساندتهم له ، وملايين الألسن رددت اسمه حباً وافتخاراً ، وحناجر أحرار وثوار العالم باختلاف دياناتهم وأطيافهم السياسية ومعتقداتهم الفكرية هتفت له وأشادت ببطولاته وجرأته غير المسبوقة في تحدي الاحتلال ومقاومته .
والثورة الفلسطينية حفرت اسمه على صفحات تاريخها المضيء ، وحجزت له مساحة مرموقة على صفحات مجدها وعزها ، بجانب قوافل قادة عظام سبقوه في النضال والاعتقال والشهادة .
فالمناضل " أحمد سعدات " لا يقل شأناً عن غيره من قادة العمل الوطني والإسلامي التاريخيين ، فهو قائد وطني كبير، ذو قيمة سياسية عالية ، ومكانة وطنية مرموقة ، وهو واحد من أبرز رموز الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وهو من أبرز من أجاد فن المقاومة والعمل السري داخل فلسطين .
فالرفيق " أحمد سعدات " شكَّل بتاريخه وسلوكه ، بحاضره وماضيه ، تجربة ثورية متكاملة ، وعكس في سلوكه مقولة الشهيد غسان كنفاني " الإنسان قضية " أينما حلَّ وفي أصعب الظروف وأحلكها ، أنصح كل من أحب فلسطين ، ويعشق المقاومة ويناضل ضد الظلم والإحتلال ، أن يقرأ عن الثائر " أحمد سعدات " ، ويتعمق بتمعن في سيرة حياته ، ويقلب صفحاتها ومراحلها المختلفة ، وحينها سيجد أن التاريخ الفلسطيني لم ينصفه بعد .
وأن المقاومة لم تفِ بوعدها بتحريره من سجون الاحتلال الإسرائيلي ، وأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي يقف على رأس الهرم فيها ، مقصِّرة بحقه .
وليس بالضرورة أن تكون فلسطينياً ، مسلماً أو مسيحياً ، كي تحترم هذا الثائر ، الذي قضى سنوات عمره في مقاومة الاحتلال والظلم والاستبداد ، وأمضى على فترات متفرقة أكثر من عشرين عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، كما ليس بالضرورة أن تكون منتمياً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وناشطاً في صفوفها ، أو أن تكون قد انتميت يوماً لها ونشطت في أطرها ولجانها ، كي تقرأ أو تكتب عنه وعن مسيرته ، وأن تحترم نضالاته وتجاربه العريقة ومسيرته الرائدة .
فيكفيك فخراً بأن فلسطين الأرض المقدسة التي نناضل من أجل تحريرها من دنس الاحتلال ، هي من أنجبته ليثأر لها من مغتصبيها ولينتقم لشهدائها ، فأحبته فلسطين ، وعشق الأحرار اسمه ، وشمخ شعبنا به ، وتحرك ولا يزال يتحرك الجميع باختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية لمناصرته ومساندته ، وللتضامن معه في محنته داخل زنازين سجن إسرائيلي منذ سنوات عديدة .
" سعدات " اعتقل مرات عدة ولم تعرف عضلة لسانه طريقاً للحركة أمام محققيه ، وفي غرف السجون كان نداً قوياً وقائداً محنكاً ووحدوياً إلى أبعد الحدود ، فعزلته ادارة السجون بعيداً عن رفاقه وإخوانه الأسرى في زنازين صغيرة ، معتمة وانفرادية لا تعرف الشمس لها طريقاً لمدة تقارب الألف يوم .
ومع ذلك بقيَّ حاضراً لم ولن يغيب أبداً عن أبناء شعبه ، يسمو بمواقفه الوحدوية، وصموده الأسطوري وشموخه النادر ، ويعلو بتصريحاته الصائبة ، ليسكن أفئدتهم وعقولهم برؤيته السياسية الناضجة وسلوكه النموذجي .
ولا شك أن إدارة السجون الإسرائيلية ومن خلفها الجهات السياسية والأمنية تتعامل معه منذ اللحظة الأولى لاختطافه من سجن أريحا في الرابع عشر من مارس / آذار عام 2006 من منطلق الانتقام والثأر ، من شخصه ومن نهج المقاومة التي يمثلها ، ومن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يقف على رأس الهرم فيها ، والتي قتلت وزير السياحة الإسرائيلي " رحبعام زئيفي " في السابع عشر من أكتوبر عام 2001 ، رداً على اغتيال " إسرائيل " لأمينها العام " أبو علي مصطفى " في الخامس والعشرين من آب / أغسطس عام 2001 .
ومن الجدير ذكره أن " سعدات " سبق وأمضى قرابة عشرين عاما من عمره على فترات متفرقة متنقلا بين غرف السجون الإسرائيلية وزنازينها الانفرادية ، و انتخب أميناً عاماً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بداية أكتوبر عام 2001 ، بعد اغتيال القائد أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة في نهاية آب 2001 ، وأثناء وجوده في سجن أريحا تحت حراسة أمريكية- بريطانية ، انتخب نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 على رأس قائمة الشهيد " أبو علي مصطفى " .
وفي الرابع عشر من آذار / مارس 2006 اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي سجن أريحا واختطفت " سعدات " وأربعة من رفاقه ومعهم مجموعة من المناضلين ، وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً ، ومورس بحقه منذ اعتقاله صنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي ، واجراءات قمعية مختلفة كالتضييق والعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات وغيرها .
وبالرغم من كل ما مُورس ويُمارس ضده ،سيبقى " أحمد سعدات " نداً للاحتلال ، عصيٌ على الكسر ، يأبى الإنكسار أو الإعتراف بشرعية الاحتلال الذي لا بد وأن يزول .