جبال ثلج دون قطرة ماء..- عزيزة محمود خلايلة
جبال ثلج دون قطرة ماء كان المطر الغزير والثّلج يغسل شوارع مدينة الخليل، ورغم أنّ المدينة تعوم فوق الماء في الشّتاء، دون ثلوج بسبب سوء أنظمة الصّرف الصّحيّ للمياه في الشّوارع، ورغم سوء توزيع المياه في مدينتنا، ورغم تساؤلي بعد أضخم موجة ثلوج شهدتها فلسطين منذ خمسين عاماً -إن لم يكن أكثر- كيف ينبع الماء من الأرض وينزل من السّماء، وكيف تتراكم جبال الثّلوج في المدينة بشكل مخيف، ومع ذلك لا توجد لدينا نقطة ماء؟
هل يقبل عقل من سلطة المياه أو من بلديّة الخليل أن تقول: ليس لدينا مياه، وهم الذين كانوا يعلنون منذ خمسة أيّام عن منسوب كميّات المياه التي تساقطت في مدينة الخليل، وليقبل ذلك من يقبله أما أنا فأتساءل لماذا؟
وهل هناك إمكانيّة لتحرّك تنكات لتحضر للناّس المياه في مثل هذه الظروف؟
مع أنّ مجرّد التّفكير بشراء تنكات مياه بعد نزول كلّ هذه المياه والثّلوج هو بحدّ ذاته مهزلة كبيرة وضخمة، وبعد كلّ هذه المهزلة يأتي من يقول لك: المسؤول الفلاني كان متواجداً في الميدان الفلاني، وهل الشّعب بحاجة إلى مسؤولين يلتقطون لأنفسهم صوراً في الثّلج أو بجانب شجرة عيد الميلاد في بيت لحم؟ أم هو بحاجة إلى مسؤول يؤمّن له قطرة الماء؟
هل نتوقّع من المسؤول الذي رضي بتحمّل مسؤولية محافظة أو مدينة أو حتّى قرية بأكملها أن يتواجد فقط على موائد الغداء في صالات الأفراح؟ أو في الكافيهات أو في المطاعم الفاخرة فقط ولا يتواجد حيث تتواجد مشكلات الشّعب؟
وهل الدّولة عندما تؤمّن للمسؤول سيارة فارهة تومّنها له ليتنزّه فيها مع عائلته في المتنزّهات؟ أم ليحلّ مشاكل الشّعب؟ ما الذي حصل لنا؟ هل هانت علينا حقوقنا لدرجة أن نعتبر تقديمها من المسؤول منّة وفضل يجب أن نشكره عليه؟ أم أنّ لنا حقّاً وعليه واجب يجب أن يقدّمه؟ ويجبّ أن تحاسبه الجهات المختصّة إن قصّر في تقديمه!!!
أرى حقّاً أنّنا أصبحنا بحاجة إلى إذاعات وفضائيّات نسمّيها إذاعات وفضائيّات الشّكر والتّقدير، نخصّصها لشكر وتقدير المسؤولين الذين قدّموا أقلّ من واجبهم بكثير، ونعلّق الأوسمة على صدورهم، ونسلّمهم شهادات التّقدير على العطش وانعدام نقطة الماء في الحنفيّات، وعلى أنّهم وافقوا على أن يكونوا مسؤولين عنّا؟؟!!
ورغم أنّنا قرّرنا ألف مرّة أن نصارح المسؤول بواقعنا، وَوَضَعْنا كلّ هذه الأمور على رأس أجندتنا، وكنّا نتحين الفرصة لزيارته، إلّا أنّنا لمّا زارنا ورأيناه بدأنا ننظر إليه بتأمّل زائد، كنّا كمن يفتّش في زوايا وجهه عن لوحة الموناليزا، محاولاً أن يفكّ لغز تلك الابتسامة السّاحرة، لكنّ خشوعنا أثناء التّأمّل كان زائداً، بحيث صرنا كمن يقف أمام مهد السّيّد المسيح، ويستحضر صورة العذراء بحنان تضمّ الرّضيع، أو كمن يقف أمام مرقد النبيّ فتسحّ من عينيه الدّموع، ومن فرط الخشوع نسينا الأجندة ونسينا أن نقول.
أعطى المسؤول كثيراً من الإملاءات مدّعياً أنّه كان يحاور، وفي الحقيقة كان يحاور دون أن يحاور، كان يشاور دون أن يشاور، كان يناور ويداور، كان حوار الأموات مع الأموات يتمّ بمنتهى الخشوع والصّمت، وبلا صوت، ما جدوى ما جرى إن كان كلّ ما حدث في أحسن حالاته ثرثرة فوق مقبرة، بعيداً عن أجندتنا المحضّرة
كان الخوف يسيطر علينا كأخطبوط خارج من عمق الماء، يمتلك ثلاثة قلوب لكن كلّها خائفة، وثمانية أذرع كلّها مشلولة وعاجزة، ليته كان يمتلك قلباً واحداً جريئاً، ويدين اثنتين قادرتين، كان يلتصق بقلوبنا التصاقاً مرّاً، ويستقرّ في الأعماق، ويمسح كلّ بنود الأجندة، يحتلّ قلوبنا، ويستعمرها، فيجعلها تتزحزح عن توحيد الله، وتوحّد الوثن.
كان علينا أن نقول كلمات بحجم الكرة الأرضيّة، إلّا أنّنا لسوء الحظّ لم نقل، بعضنا طرح لغزاً مكوّناً من كلمات متقاطعة، بدأ النّصف الآخر يعصر فكره، ويحاول حلّ اللغز، حللناه جميعاً، وتوصّلنا إلى جواب واحد" السّكوت من ذهب" نهض المسؤول وعلّق وساماً على صدر كلّ من حلّ اللغز، لكنّ أرفع وسام ناله أكثرنا صمتاً والذي لم يحاول حتّى حلّ اللغز، خلع عليه المسؤول لقب "ملك الخلق والأدب". ما رأيكم في قداس جنائزيّ لراحة نفس هؤلاء الموتى؟ 15/12/2013