فرح الامهات الغائبات- صالح مشارقة
ملكات جمال هذا الصباح.. في الستين من اعمارهن.
استيقظن بعد ليلة طويلة من تحسس حواجب وشوارب الرجال العائدين من السجون، وفك اصابع الايدي المقبوضة.
.. لا روماتيزم ولا يحزنون. ولا ابرة السكري ولا غيرها، الآن الافكار تتنافس على اساور عروس الولد الذي لم يتزوج بعد، الفكرة كلها تتمحور في البحث عن احلى بنت في الحارة لتستلم التاج.
القصة: أي الفساتين الملونة ستنزل من الخزانة بعد سنوات من الحرمان.
سيكون مسموحا ان تأكل الملكة لاول مرة دون لوم او ذكريات.
والبحث مستمر عن شكل الابتسامة.
لكن ثمة غائبات عن حفل التتويج، وثمة رجال عائدون من السجن لن يجدوا امهات في المنازل، عنهن لا يجدر الكتابة، يمكن توجيه سؤال الى الابنة او الاخت كي تتخيل لك مشاعرهن، وبعد صدمة السؤال ربما تتخيل قبرا يفرح، ربما تقول لك ابنتك: الاعشاب حول القبر تنمو بسرعة اكثر في هذه اللحظات، او ان الشمس ستخلع اذن التلة التي تقع عليها المقبرة.
اكيد ان الخيال هنا سيجد لوحة ما لصورة الغائبات بذات ثياب ليلة الاعتقال، او على شباك حافلة الصليب الاحمر في الزيارات، لن تختفي المناديل الطويلة ولا سلال الطبخات والبيجامات والكتب، التي سترميها السجانة الاسرائيلية دون التفات للقلب الذي انكسر عندما فتشوا الطبخة الدافئة.
غليظة الكتابة الادبية عن قصص الاسرى، فهؤلاء تغطي الصحافة مفرداتهم المدججة بالثوريات الفصيحة والاسلحة والكفاح المر، لا طائل هنا من اية مداخلة ادبية.
هو مجرد خيال عن نساء فلسطينيات ميتات، يحركن جدران القبور لحظة تحرر اطفالهن من السجون، يتابعن الحافلة من باب المعتقل الى ميدان المدينة، يقرأن ما تيسر من القرآن، ليطردن الشيطان عن احتمالية عودة الحافلة الى السجن، يفتشن على الشاشات ظهور وجه الابن المصفر، يتحسسن ما حولهن بحثا عن النظارة الجديدة وعلبة السجائر والهاتف الخلوي التي يجب ان تكون في جيب الولد مثل كل الشباب، لن يأبهن بغيابهن وسيصرخن على كل الناس المستقبلين: خفوا على الولد.
حديث بالانابة ، كم انا باهت هنا، لكن كل ما للاحياء قيل، وملكاتنا الغائبات لم يقلن شيئا في العلن.
غير صحيح، ورغم ان لحظة الافراج حدثت في الليل، كانت اصوات النداءات من القبور مسموعة، لكل من انصت للغياب، زميلات وصديقات واصدقاء كثيرون اعترفوا لي بذلك. لكن من يصدق؟