الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

بائع البندورة

القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
لم تدفعه الشمس للابتعاد عن عربته الصغيرة التي يضع عليها القليل من "البندورة"، ملامح بشرته صبغتها الشمس بلون داكن، مغاير للون البرونزي الذي يدفع الغرب للقدوم إلى منطقتنا والاسترخاء تحت اشعة الشمس لساعات طويلة طمعاً في الوصول إليه، توحي سمرة بشرته أن الشمس صادقته رغماً عن أنفه، ملامحه تؤكد أنه ما زال في النصف الأول من العقد الثاني من العمر، طبقاً للمقاييس الغربية ما زال في مرحلة الطفولة، تلك المرحلة الذي يكرس الغرب جل طاقاته لخدمة منتسبيها، وطبقاً للمقاييس الشرقية التي تفرضها الظروف القهرية وتترك بصماتها على الشكل والمضمون فهو في المرحلة المبكرة للرجولة، وعادة ما تنفرج أساريرنا عند سماعنا ما يشير إلى أن الطفل لدينا نفض عن كاهله الطفولة ودخل مرحلة الرجولة مبكراً، كأن ثقافتنا لا تطيق للطفل أن ينعم بالطفولة ومعانيها.
خشونة الحياة تركت آثارها على ملامحه، لكنها لم تتمكن من وأد ابتسامته البريئة، كأنه يرغب في الابقاء على دلالتها بأن ظروف الحياة القهرية لم تتمكن من انتزاع الطفولة منه، لا أحد من الأطفال يرغب في طمس هذه المرحلة مبكراً من حياته، فقط نحن الكبار من يحاول أن يفعل ذلك، لا نطيق أن نراه يمارس طفولته، وعندما يفعل ذلك نسارع إلى تأنيبه من باب تعليمه، أي تعليم هذا الذي نقتلع به الطفل من حياته ونلقي به في عالم ليس عالمه؟، أعتقد أن عجزنا عن توفير حياة كريمة لأبنائنا يدفعنا لمربع الوهم الذي ندافع فيه عن قصورنا، حين ندعي باطلاً بأن شظف العيش في المرحلة المبكرة من العمر يصقل الرجولة وينبت فيها صفة الاعتماد على الذات، ولتمرير ذلك لا نتورع في الاستدلال على من شق حياته من رجال الأعمال بطريقة عصامية تبعث على الاعجاب.
أرادت أسرة أوروبية أن ترسل ابنها الصغير الذي لم يتجاوز عامه الخامس لدولة أخرى لزيارة أقارب له، تركته يفعل ذلك بمفرده، أعطته القليل من النقود وقصاصة ورق مكتوب عليها العنوان الذي يرغب في الوصول إليه، وذيلته بجملة "الرجاء مساعدة الطفل"، مؤكد أن خوف الأسرة الأوروبية على ابنها لا يقل عن خوفنا على أولادنا، لكن الفارق أنها تريد له أن يطلع على العالم ومكوناته بطريقته، لأنها تعي جيداً أن المعرفة هي الطريق الأمثل لبناء الانسان، فيما نحن ما زلنا نجهل المتغيرات المحيطة بنا، ونسعى لتلقين أولادنا مفردات الحياة التي نعرفها، كأننا نريد أن نبقيهم أسرى لها، دون أن ندرك قيمة مقولة علي بن أبي طالب كرم الله وجه "علموا أبناءكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم".
الطفل صاحب البشرة السمراء أعادني إلى عقود عدة مضت، يومها لم أكمل المرحلة الابتدائية بعد، أخذت من الوالدة النقود وقبل أن يختفي ظلام الليل كنت اشق طريقي إلى "الخان" حيث مكان بيع الخضروات بالجملة، كنت أقبض على "رأس المال" في جيبي وأتفحصه فيها بين الفينة والأخرى، في الخان أدركت سريعاً أن "رأس مالي" يبقيني خارج بواباته، لا أريد أن اعود ادراجي بخفي حنين، اشتريت به صندوقاً من "البندورة"، بالكاد يمكن أن تعرف أنها "بندورة" بفعل موجة الصقيع التي أصابتها وغيرت ملامحها من اللون الأحمر إلى الأسود فقدت معه دلال اسمها، ذهبت ببضاعتي إلى السوق واتخذت مكاناً لي بين الباعة، جاءت سيدة تسأل عن السعر، وقبل أنها أجيبها سارعت بالسؤال التالي " ابن من تكون؟"، اجبتها على سؤاليها بالتتابع، يبدو أن اشفقت على حالي أكثر من رغبتها في شراء طماطم فقدت رونقها، بينما كانت تنتقي بعضاً منها جاءت أخرى لم تسأل عن السعر قبل أن تعطينا "موشحاً" لم تبق كلمة تصلح للتشهير بالطماطم إلا وقالتها، ردت الأولى بالقول "لا يعجبكم العجب ولا الصيام في رجب"، تبسمت لمقولتها التي تجافي الواقع، مؤكد أن شفقة على طفولتنا دفعها لذلك، ويبدو أن طفولتنا ما زالت بحاجة إلى الكثير من الشفقة.
osgovernor@hotmail.com 
 
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025