يهودية الدولة والرئيس عباس - رمزي نادر
رحل عنا الشهيد ياسر عرفات يبكيه الملاين من ابناء شعبنا وأحرار العالم بطلا بعد ان تصدى لكل الضغوط التي مورست عليه في كامب ديفيد رغم ان هذا البطل في حياته تلقى مئات الاتهامات من القريب والغريب وصلت الى حد التخوين والتشكيك في هويته وجرى الحديث عن ثرواته المفترضة التي فاقت حد الخيال وساعد الاعلام الصهيوني على ترويج هذه الشائعات وممارسة مزيد من الضغط على الرئيس عرفات الذي كان يؤمن بالله ويؤمن بعدالة قضيته ونبل شعبه وبعد رحيله مدحه العدو قبل الصديق وبكاه خصومه قبل مريديه وفتح صندوق عرفات ليخرج منه مئات الحكايات وآلاف المواقف الانسانية لهذا البطل الذي تكشفت بعد رحيله الايام عن وجه اسطوري لإنسان فريد آثر الشهادة على التنازل عن حقوق شعبه .
رحل عرفات لكنه ترك شعب حي قادر على حماية ما استشهد هو من اجله ,ليس من السهل الالتفاف على قضايا شعبنا او تخطي الخط الاحمر فيها فان شعبنا الذي مازال يحمل في وعيه الجمعي فلسطين التاريخية بمدنها وقراها ويتوارثها جيل بعد جيل لم يكن عليه الامر هين القبول بحدود فلسطين 67 كحل يلبي الحد الادنى لطموحات شعبنا في تحقيق مصيره وإقامة دولته الحرة المستقلة وليؤكد للعالم بان الشعب الذي قدم ألاف الشهداء والجرحى والأسرى لديه الرغبة في العيش بسلام رغم ان الحلول التي يحاول ان يفرضها عليه العالم ظالمة وتناقض قرارات اممية سابقة ومع ذلك هو قبل بأدنى ما يمكنه القبول به من اجل تحقيق السلام واستعادة جزء من ترابه الوطني التاريخي يقيم عليه دولته الموعودة.
وبرغم ان شعبنا اثبت بدمه ان الاحتلال لا يرغب في سلام ولا يؤمن به إلا ان العالم استمر في ضغطه على الشعب الفلسطيني متجاهلا الجاني الحقيقي والمغتصب لحقوق شعبنا , وعاد مرة اخرى شعبنا وقيادته لإثبات حسن نواياه وانه جاد في صنع سلام حقيقي قادر على اعادة الحقوق الى اصحابها ورد الظلم الذي اشتد على هذا الشعب .
ظن الاحتلال بان رغبة شعبنا في السلام استسلام وفهم رسائل السماحة التي ترسلها القيادة الفلسطينية بأنها ضعف ,فأراد مزيد من التنازلات بل اراد اكثر من ذلك فهو يريد انهاء قضيتنا مرة واحدة والى الابد بكلمتين "يهودية الدولة " بهاتين الكلمتين يتخلص الاحتلال العنصري الاستيطاني من احمال و اوزار جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الذي اغتصبت ارضه وهجر عن وطنه وذبح ابناءه وهو يناضل من اجل استرداد حقوقه ويدافع عن وجوده ,فلسطين عربية وستبقى عربية وسيظل اللاجئين حمل اخلاقي تتحمله دولة الاحتلال وسيبقى المواطنين في الداخل المحتل مواطنين لهم كل الحق في الوجود على ارضهم التي توارثوها من ابائهم وأجدادهم وسيبقى المهاجر الروسي والأوروبي والبولوني وافد استيطاني على هذه الارض ليس له فيها حق لا يدعم وجوده فيها إلا القوة وموازين العالم المقلوبة .
الرئيس عباس قد يكون اعتمد السلام استراتيجية في حكمه وأعلن ان برنامجه قائم على اساس المقاومة السلمية ولكنه يدرك ماهية السلام الذي يبحث عنه كما انه يدرك انه يطالب بالأحد الادنى المقبول لدى ابناء شعبنا ويناور في حدود ضيقة جدا .
الاحتلال عندما ادرك خطورة الرئيس عباس الذي احرجه من خلال تبنيه المعلن لنهج السلام رغم المقاومة الواضحة والضغط الداخلي عليه واستمراره في اعلانه عن الاستمرار في البحث عن هذا السلام او اللجوء الى المؤسسات الدولية كخيار اخر ,لم يجد الاحتلال إلا ايجاد ما يفجر المفاوضات والعملية السلمية التي لم يؤمن بها اصلا وإنما استخدمها كلغة يداعب فيها مسامع الغرب ويحاول ان يظهر الشعب الفلسطيني بمظهر الشعب الراغب في العنف والرافض للسلام قام برفع شعار يهودية الدولة رغم ان هذا المصطلح لفظ غريب في عالم السياسة وأراد الاحتلال تفصيل الدولة الفلسطينية حسب مقاييسه من خلال اقتطاع ما يريد منها والسيطرة على ما يريد من ارضها وسمائها ومائها لتفجير عملية السلام وتحميل الوزر للفلسطينيين .
لا احد يستطيع ان ينكر حكمة الرئيس عباس وقدرته على احراز تقدم وانتصارات على المستوى الدبلوماسي الدولي احرجت اسرائيل وأظهرت وجهها الحقيقي امام العالم وجعلت دولة الاحتلال تصنف الرئيس عباس على انه رجل خطير وها هي تعيد عجلة التاريخ وتذكرنا في الايام التي كانت تهدد الرئيس الشهيد عرفات على مسمع من كل العالم وتلى ذلك عملية الاغتيال الجبانة التي طالته بسم لا تملكه إلا دول نووية واليوم تتحدث عن رئيس قادم وان الرئيس عباس رجل خطير وانه صورة اخرى للرئيس عرفات ,ولم ينكر الرئيس ابو مازن ذلك وأكده عندما ردد ما كان يردده الرئيس عرفات من شعارات قبل استشهاده مرحبا بالجنة اذا جاءت وانه لا يخشى الموت اذا قدم مع تأكيده اننا شعب يحب الحياة .
الرئيس عباس الذي اختلفنا معه وهاجمنا الكثير من سياساته في الشأن الداخلي والخارجي لم يكن اختلافنا معه إلا اختلاف الاب مع ابناءه ومازلنا وسنظل نهاجم كل ما يستوجب النقد في مساره طالما انه رئيس لشعبنا وقائد لحركة فتح ولكننا لن نسمح ابدا بان تمتد اليه يد الغدر كما امتدت الى سلفه الراحل عرفات وسنحميه وندافع عنه في وجه أي اعتداء فهو الرئيس الشرعي الذي اختاره الشعب الفلسطيني وأنا اعتقد بان حتى الاكثر اختلافا مع الرئيس عباس لن يسمح بأي اعتداء يطاله وسيقف الى جواره مدافعا عنه بكل ما يملك من ادوات القوة .
الرئيس عباس في ظل تعثر مسار المفاوضات وتصاعد الهجوم اتجاه شعبنا واتجاهك انت شخصيا اننا نأمل منك ان ترد على الاحتلال بإغلاق الملفين الاكثر ازعاجا لشعبنا والأكثر الحاحا والذين سيقويان موقفك وهما ملف المصالحة الوطنية وملف المصالحة الداخلية في حركة فتح .