المصالحة الفلسطينية إلى أين؟؟؟ جمال أبونحل
مرت أكثر من سبع سنوات عجاف على الانقسام الفلسطيني؛ منذُ أن سيطرت حماس على غزة بقوة السلاح في يونيو عام 2007م؛ لم يُغاث فيه غالبية أبناء الشعب الفلسطيني؛ بل جُلهِم يُعصّرون، ويعاصرون ويعانون ويلات ونكبات ذلك الانقسام البغيض واللعين، والذي سجلهُ التاريخ في السجلات قاتمة وحالكة السواد من تاريخ شعبنا الفلسطيني، صاحب القضية الوطنية العادلة والرصيد النضالي الكبير، هذا الشعب المكافح الذي قدم قوافل من الشهداء والأسري والذين هُم من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني، ومازال يُعاني ظلم الجلاد والاستيطان الصهيوني البغيض وتهويد القدس والمقدسات، و لا يزال أكثر من أربعة ألاف وخمسمائة أسير ومعتقل، من أسري الحرية والكرامة يقبعون في سجون المحتل البغيض، والذي لا يرقب فيهم رحمة أو شفقة ويقوم بتصفيتهم جسديًا ونفسيًا ليل نهار، مُستغلاً الانقسام والفرقة في الصف الوطني الفلسطيني؛؛ كما أن القدس المحتلة تشتكي حالها إلى الله، أولي القبلتين وثاني المسجدين وثالت الحرمين، ومسري النبي الكريم سينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. والعرب إن سألت عن حالهم فهم في سكرتِهم يعمهُون، مُنشغلون في أوضاعهم الداخلية، وأصبح الربيع العربي وبالاً وصيفاً حارقا مُدمرًا، وكلٌ يغُني على ليلاه،،، و يا وحدنا في هذه المعركة، مع أنجس وأرجس احتلال عرفه تاريخ البشرية المعاصر، و ما جولات وصولات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري العشرة الأخيرة على المقاطعة في رام الله إلا محاولة منهُ لفرض اتفاق إطار للقضية الفلسطينية يرضي بهِ الاحتلال على حساب حقوقنا الوطنية المشروعة، دون مرجعية دولية للمفاوضات؛ واستغلاله للواقع الفلسطيني من خلال الانقسام الحاصل بين غزة والضفة، وواقع التشرذم العربي، وتراجع قضيتنا الوطنية العادلة كقضية جوهرية ومركزية من أولويات القضايا للدول العربية إلى قضية ثانوية بسبب انشغال تلك الدول بحالها، وهمومها، وتطبيع بعض الدول العربية وخصوصًا الخليجية علاقتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دولة الكيان الصهيوني . لقد تفاءل الشعب الفلسطيني خيرًا قبل فترة وجيزة من خلال تصريحات السيد أبو العبد هنية بخصوص المصالحة الوطنية الفلسطينية، من خلال قولهِ أن عام 2014م سيكون عام المصالحة؛ وتوقعوا خيرًا، وما لبثث أن تخبو نار تلك التصريحات الخطابية الرنانة مع مرور الأيام وتذهب أدراج الرياح، لأن الواقع والأحداث تبين حقيقة مفادها ان حركة حماس تتخذ من المصالحة تكتيك للخروج من أزمة طارئة حصلت في المنطقة العربية؛ بسبب انهيار حكم الإخوان في مصر ومشاكل تركيا الداخلية الأخيرة والأزمة المالية التي تمر بها الحكومة المقالة بغزة، والظاهر ليست المصالحة استراتيجية عندهم بل تكتيك مرحلي مصلحي. ولو فرضنا أن ما قيل تجني على حركة حماس! وأنهم فعلاً يريدون المصالحة كمصلحة استراتيجية للشعب الفلسطيني، فلماذا لم نجد موقف واحد ولو تصريح قولي من حركة حماس وعشرات الناطقين باسمها داعم للرئيس أبو مازن خاصةً بعد خطابة وموقفه الأخير الرائع؟ وذلك بعدما تعرض لضغوط كبيرة من أمريكا بعد جولات كيري العشرة المكوكية من أجل التنازل عن الثوابت الفلسطينية؛ وكان رد الرئيس واضحاً وبصراحة أمام جميع وسائل الاعلام أنه لا اعتراف بيهودية الدولة ، لا تنازل عن القدس عاصمة لفلسطين، وأن حق عودة اللاجئين حسب قرار الأمم المتحدة (194) هو حق شخصي لكل لاجئ فلسطيني، لا يملك أحد التنازل والتوقيع عنه، وقال لا للاستيطان و لا لمبادلة الأراضي، و طالب بالإفراج عن جميع الأسري والمعتقلين، وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، و أن أي اتفاق سيخضع لاستفتاء شعبي عليه؛ وأردف نحن شعب لا نريد الموت ولكن إذا كانت الشهادة فأهلاً وسهلاً بها؛ على أثر هذا الخطاب كان المتوقع من الأخوة في حماس الخروج بتصريحات داعمة ومعززة لموقف الرئيس أبو مازن وللمصالحة، في وجه الضغط الأمريكي والصهيوني؛ ولكن للأسف لم يحدث ذلك، بل تحاول حماس الهروب من الأزمة إلى الأمام عبر إشعال حرب ومواجهة جديدة في غزة مع الاحتلال الصهيوني من أجل جلب التعاطف العربي والدولي مع حماس وكسر الحصار المفروض علي غزة؛ وهذا بات يعرفه الطفل الصغير في غزة قبل الكبير؛ لكن هذا لن يؤتي أُكُله، ولن يجدي نفعًا لأن الحل الوحيد لقوتنا وعزتنا هو في وحدُتنا وتلاحمنا ضد عدونا. الجميع يعلم إن فتح لن تستطيع إقصاء حماس، وكذلك إن حماس لن تستطيع إقصاء فتح، والمطلوب إذن المصالحة الفلسطينية وليست المصلحة الحزبية الضيقة، فنحن أحوج ما نكون بأن نشد أزر بعضنا بعضًا، وإن الله عز وجل لن يُغير ما بقومٍ حتي يغيروا ما بأنفسهم، ولا ننسى مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو أرادوا الإصلاح لأصلح الله بينهما؛ لا نريد شعارات وخُطبًا رنانة على الفضائيات لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع كمن يعُطى الحُقن المُسكنة للمريض، ولكن سُرعان ما يعود له الألم أِشد قوةٍ من المرة السابقة لهذا الشعب البطل الذي أثخنته الجراح والفقر والفاقة، وسرعان ما يضيعُ صدا تلك الخُطب سُدى؛؛؛ المطلوب وقفة صادقة ومخلصة لإنهاء هذا الانقسام البغيض من خلال تجسيد فوري لما تم الاتفاق والتوقيع عليه مسبقًا في مكة المكرمة وفي الدوحة، وفي القاهرة؛ وأن نلملم جراحنا، ويكفينا الاحتلال فأخوة الدم والدين والعرض والمصير الواحد، يجب أن لا تنحرف البوصلة نحو الحزب ومصلحتهِ، بل يجب أن تكون البوصلة والجهود كلها موجه لمواجهة المحتل المُجرم ولتحرير فلسطين ولتتوحد الأيادي، وهنا الكرة في ملعب حركة حماس الأن؛ هل فعلاً تريد المصالحة؟؟؟ فلتكن الخطوة الأولي منها هو الموافقة على حكومة وحدة وطنية من الكفاءات، واستقالة الحكومتين بغزة والضفة، والاعداد لانتخابات حرة ونزيهة، لأننا بحاجة ماسة لبعضنا البعض، ولنقف مع شعبنا الصامد بوحدتنا، والذي يواجه داخليًا وخارجيًا؛ الحصار والدمار والقتل والغربة الجديدة، وخصوصاً بالمخيمات في الشتات ليلاً ونهاراً من كل حدبٍ وصوب، ومخيم اليرموك خير شاهد على ذلك، وعلى موت الضمير الإنساني المُتفرج على تصفية قضية اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية برمتها؛ ونحن نساُعدهم باستمرار الانقسام قصدنا ذلك أم لا! فلنتقي الله في هذا الشعب المسكين الصابر وكفانا إنقسامًا وتفككاً، ولنُخرِج المصالحة من طريقها المسدود عبر إزالة السدود وتطبيق الوعود والعهود على أرض الواقع الفلسطيني يرحمُكم الله. الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل كاتب ومحلل سياسي .
ha