تقرير جديد يوثق المسّ بالعائلات الفلسطينية المقسومة بين غزة والضفة
أكد تقرير جديد صدر عن مكتب الدفاع عن الفرد 'هموكيد' ومنظمة بتسيلم، اليوم الإثنين، أن سياسة إسرائيل المعلنة بعزل قطاع غزة تلحق مسا جسيما بحقوق أفراد عائلات من عشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في عائلات مقسومة بين قطاع غزة والضفة الغربية وأراضي 1948.
ويتناول التقرير المعنون بـ'ما وراء الظلمات' القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على العبور إلى قطاع غزة ومنه، وكيف يؤدّي إلى الفصل بين أفراد العائلة الواحدة ويفرض على الزوجين اللذين أحدهما من سكان قطاع غزة، حياة خاضعة لسلسلة من القيود البيروقراطية، من دون أي إمكانية لإدارة حياة أسرية معقولة.
وجاء في التقرير: إن العبور اليوم من الضفة الغربية إلى قطاع غزة محدود باتجاه واحد: الجيش يوافق على الانتقال من الضفة إلى غزة فقط -وذلك بعد التزام 'بالاستقرار' في القطاع- فيما تُرفض في الغالب طلبات العبور إلى الضفة الغربية. ولا يُسمح بإجراء الزيارات إلا في الحالات ذات الحاجات 'الإنسانية' الاستثنائية، يتصف قسم كبير منها بالظروف المأساوية. علاقة الزواج لا تُعتبر سببا كافًا لمثل هذه الزيارات. فمواطنات إسرائيليات ونساء من سكان القدس الشرقية اللواتي تزوّجن سكانا من القطاع ملزمات بالاختيار بين إمكانية الانتقال للسكن في القطاع أو الاكتفاء بزيارات الزوج. وفي كل الأحوال تسير حياتهن وفق 'إجراء العائلات المقسومة'، والمنوط بصعوبات بيروقراطية وبحالات فراق قهرية عن عائلاتهن في القطاع.
وأضاف التقرير: عموما، يقبل قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية بموقف الدولة في كل ما يخص القيود التي تفرضها السلطات على حقوق سكان القطاع بالحياة الأسرية. ومع هذا، فإن بوسع تقديم التماس للمحكمة العليا أن يساعد على حل مشاكل بيروقراطية في الحالات القليلة التي يستوفي فيها الناس المعايير الصارمة التي وضعتها إسرائيل.
وترد في التقرير شهادات فلسطينيين أضرّت بهم سياسة الفصل. وتحدثت نجاح حمدان التي تعيش في بيت لحم عن مشاعرها بعد وفاة أمها في غزة من دون أن تسنح لها إمكانية زيارتها، وقالت: 'لم تسنح لي فرصة رؤيتها ووداعها. قام أخوتي بتصوير أمي في المستشفى. رأيت التسجيل وكان ذلك من أصعب الأمور التي شاهدتها في حياتي. شعرت بالمرارة والحزن. كم من الصعب رؤية الأم وهي تحتضر وأنت لست إلى جانبها ولا تمسكين يدها وتودعينها. لا يوجد ما هو أصعب من هذا الألم. كيف يمكن أن تسلب المرء قدرته على رؤية أبيه وأمه ووداعهما أثناء مرضهما؟ لقد انكسر شيء في داخلي'.
فاطمة أبو عيسى من سكان جنين، تعيش ابنتها نبال في قطاع غزة منذ قرابة العشرين عاما، تحدثت عن الصعوبة الهائلة التي تنشأ عن الفصل القائم بينها وبين ابنتها المقيمة في غزة، قائلة: 'أنا أصلي كي لا أموت قبل أن أستطيع رؤية نبال وأبنائها وزوجها هنا في بيتي. لا أريد أن تأتي نبال للتعزية عند وفاتي، ولا أريد أن تكون زيارات نبال إلى جنين أثناء الجنازات فقط'.
ودعت منظمة 'بتسيلم' و'هموكيد'، السلطات الإسرائيلية لاحترام حقوق جميع السكان الفلسطينيين بحياة أسرية وحرية الحركة والسماح لهم باختيار أماكن سكناهم. وقالتا: عندما يكون الزوج من سكان الضفة الغربية، يجب السماح للزوج الآخر بالعبور بحرية، وبما يخضع للفحوصات الأمنية العينية، بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية، اللتين تشكلان وحدة جغرافية واحدة؛ على إسرائيل أن تسمح أيضا لسكان قطاع غزة الذين تزوجوا من سكان القدس الشرقية ومواطني إسرائيل بالسكن فيهما مع الأزواج. كما على إسرائيل السماح بوجود علاقات أسرية منتظمة بين سكان قطاع غزة وأقربائهم في إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية.
وأشار التقرير إلى أن سلطات الاحتلال تحظر العبور بين قطاع غزة والضفة، باستثناء الحالات الإنسانية الاستثنائية والمحدودة جدا، والتي تشمل الأمراض الصعبة وموت أو زفاف أحد الأقرباء من الدرجة الأولى. وحتى في هذه الحالات لا تُقبل جميع الطلبات، وفي أحيان أخرى يرد الردّ بتأخير كبير لدرجة أنه يصبح بلا فائدة، مثلما في الحالات التي يتعلق بها الطلب بزيارة قريب موجود في المستشفى أو للمشاركة في زفاف أو جنازة. الزفاف لا يُعتبر ظرفًا يستحق منح تصريح للانتقال من القطاع إلى الضفة، وفي الغالب فإنّ الدولة لا تسمح بتغيير العنوان في بطاقات الهوية من القطاع إلى الضفة الغربية، حتى حين يكون الانتقال قد جرى قبل ذلك بسنوات طويلة. وبفضل تدخل المحكمة العليا، توقفت السلطات عن طرد كلّ من انتقل إلى الضفة قبل عام 2005 إلى قطاع غزة.
ويحظر قرار حكومة الاحتلال الصادر عام 2008 لمّ شمل سكان غزة مع أزواجهم في أراضي 1948، وهو بهذا يفرض على الزوجين العيش في القطاع أو العيش كل على حدة، والاكتفاء بزيارات الزوج الحامل للهوية الإسرائيلية إلى غزة. ويجري تنظيم حياة هؤلاء الأزواج عبر 'إجراء العائلات المقسومة' الذي يسمح للزوج الإسرائيلي بالبقاء مع الزوج في القطاع لغرض السكن أو في إطار الزيارة، وذلك بما يخضع لتجديد تصريح الإقامة في القطاع مرة كل نصف سنة.
ووفق المعطيات الرسمية، يوجد اليوم نحو 425 يحملون الهوية الإسرائيلية – مواطنين ومقيمين- متزوجين بسكان من قطاع غزة حيث أن غالبيتهن من النساء، قرابة 340 امرأة منهن يحصلن على تصاريح على أساس دائم وذلك وفق الإجراء المتبع. ومع أن هؤلاء النساء يستطعن الخروج من قطاع غزة كما يرغبن، إلا أنّ العودة إليه منوطة بتقديم طلب أثناء مكوثهن في إسرائيل. ويمكن أن تستغرق عملية المصادقة على الطلب أسابيع طويلة. ولذلك، تضطر الكثير من النساء البقاء في إسرائيل لفترة طويلة تزيد عن المخطط – وهنّ منقطعات عن أزواجهن وأبنائهن الذين بقوا في القطاع- وذلك خلافًا لرغبتهن ومن دون أن يكُنّ على دراية بموعد عودتهن إلى بيوتهن.
وجاء في التقرير: من المُتبع في المجتمع الفلسطيني المحافظ أن تنتقل الزوجة للسكن مع عائلة الزوج، ولذلك فإن الأحكام التي وضعتها إسرائيل تمس بالنساء أساسا: النساء من سكان القطاع اللواتي تزوجن رجالا من سكان الضفة يضطررن لترك عائلاتهن وبيئتهن المألوفة، من دون أي إمكانية لزيارة القطاع، إلا في الحالات بالغة الاستثناء. وأولئك اللواتي لم ينجحن بتعديل عناوينهن يتعرضن لخطر دائم بطردهن من بيوتهن وفصلهن عن أولادهن. كما أن وضعية النساء من سكان الضفة الغربية اللواتي تزوّجن رجالا من سكان القطاع شبيهة بذلك، باستثناء حقيقة أن إسرائيل تسمح لهن بتعديل عناوينهن. كما أن وضع النساء صاحبات المكانة الحساسة، كالمطلقات والأرامل، هو وضع إشكالي جدًا في ضوء السياسة التقييدية التي تفرضها إسرائيل.
وأضاف التقرير: يجب على المواطنات اللواتي يحملن الهوية الإسرائيلية والنساء من القدس الشرقية المتزوّجات برجال من سكان القطاع واللواتي يرغبن بالعيش مع أزواجهن، أن ينتقلن للسكن في القطاع من أجل تحقيق هذه الغاية. كلّ زيارة للعائلة الأم تُلزمهن بالإقامة الجبرية اللازمة لتجديد التصريح، من خلال فصلهن عن أزواجهن وأبنائهن في القطاع.
وتقول سلطات الاحتلال الإسرائيلي إن الحق في الحياة الأسرية لا يشمل حق الزوجين باختيار مكان سكنهما، وإن هذا القرار يتبع لها هي. كما أن الدولة لا تحترم خيارهم في مكان سكناهم إلا إذا قررا العيش سوية في قطاع غزة. ويستند هذا الإدراك –وفق ادعاء الاحتلال- على صلاحيتها المطلقة للبتّ في مسألة من يحقّ له الدخول في نطاقها، وعلى الاعتبارات الأمنية. إلا أن حقيقة سماح إسرائيل للراغبين بنقل مكان سكنهم من الضفة إلى القطاع لغرض لمّ الشمل مع الزوج بفعل ذلك من دون أي صعوبة، تشكّك في الادعاء الأمني وتثير الشك في أن الاعتبارات المعلنة تهدف للتستّر على اعتبارات ديموغرافية مرفوضة. وفي غياب تبرير عينيّ لمثل هذا المسّ الشديد بحقوق أساسية، فإنّ هذه السياسة تشكّل انتهاكا لواجبات إسرائيل أمام القانون الدولي.