المسلكيات في الثقافة الذاتية والحركية- الثقافة التنظيمية والقيادة الإدارية- (ح 7)
إن اقترابنا من تفسير مفهوم القيادة والسلوك الإنساني وتركيزنا على الجوانب الإدارية فيه، يأخذنا إلى أهمية التمييز بين مفهوم القيادة التنظيمية وبين الإدارة اليومية للعمل التنظيمي ارتباطا بالسلوك الشخصي والمسلكيات الحركية ومعاني الثقافة المنظمة، وجسر الهوة بين المهمة والقدرة، وبين القانون والأسلوب.
حين يوجد الخلط في مفاهيم القيادة ومفاهيم الإدارة، فهذا يعني عدم وضوح البناء الأساس لمعنى المهمة أو ثقافة الموقع التنظيمي، إن القيادة تعني أن كل مَن هو في الهيكل التنظيمي قائد في موقعه وفي مسؤولياته، بالمقابل على القائد معرفة الأساليب الإدارية لمواجهة الوقائع التنظيمية اليومية - حتى ولو بالحد الأدنى – ويمكن تعزيز ذلك بالاجتماعات الدورية تطبيقا للممارسة القيادية الإدارية، وفريق الاجتماع جميعهم يجب أن تسود بينهم العلاقات الإنسانية المجتمعية السليمة، كما يجب أن يتصفوا بالإنسانية والأسلوب المقبول في تعاملهم مع الجماهير، فكل عضو هو قائد والقيادة تهتم وتصنع الرؤية والتوجهات والتوجيهات الإستراتيجية وتمارس أسلوب القدوة والتدريب، وهذا الجانب أيضا يحمل شقين، واحد شخصي نابع من الفطرة السليمة والبديهة والمرونة والشق الآخر إداري مكتسب يتعلق بالمهارات وإتقان حل المشكلات والاهتمام بالقانون والنظم وسلاسة استعمال الصلاحيات والتفويض والمهام، وجوازا يمكننا أن نطلق على العمل في الهيكل التنظيمي مفهوم ' القيادة الإدارية' ، وتبسيط الأمور لا يعني إلغاء أي جانب منها، فإيماننا راسخ بأن الكوادر والقيادات المؤهلة المدربة الواعية والناجحة تنتج الأداء الجيد وتحافظ على المستوى التنظيمي المطلوب، وحين تختفي القيادة الإدارية من الهيكل التنظيمي فإن الأهداف تبتعد عنا والأداء يصبح سلبيا وتتحول المشكلات من فردية إلى جماعية ومن بسيطة إلى كبيرة وهنا تحدث الفجوات بين القيادة وجماهيرها وانسلاخ في الثقة والقناعة وصعوبة ترميم العلاقة المطلوبة .
إننا نطمح من خلال ما ننشره في حلقات المسلكيات في الثقافة الذاتية والحركية تأسيس واقع سليم، من الوعي المنشود، والتدريب الممنهج، والبناء القيادي السلوكي الحسن، وانطلقنا من إيماننا بأن القيادة تتعلق بشخصية الإنسان ككل، و أن المسلكيات هي انعكاس لهذه الشخصية وترجمة ومعالجة واقعية للتصرفات وردود الأفعال والقدرة على تجاوز الصعاب والعمل والتماسك تحت الضغط والشجاعة في كل الظروف .
إن الجماهير يحق لها أن تنتقد، ومن الواجب تصويب هذا الانتقاد، فالتنافس سمة حميدة ومطلوبة، ولهذا فإن الاختلاف والاتفاق وارد في أي عمل قيادي تنظيمي جماهيري، ولكن هناك أمور لا يمكن قبول الحل الوسط فيها، إنها المبادئ والقواعد والقوانين العملية والسلوكية والانضباطية، فهذه المبادئ والقوانين تعكس الممارسات البنَّاءة التي يجب أن يتم تعزيزها باستمرار في كل الأعضاء في الهيكل التنظيمي خاصة وفي جماهيرنا عامة، وهذا هو تحديدا مفهوم الثقافة المنظمة والتنظيمية التي نسعى لها وهي مظلة الإنقاذ لغالبية ما تعاني منه حركة فتح اليوم ، ومن الواضح أن هذا الجانب غير واضح في الحركة ولا يهتم به بالرغم من وجود أساسياته، وحتى أننا نجد عزوف عن ممارسته مقابل ممارسة الأعمال التقليدية، فالثقافة هي أساس البناء، والثقافة القوية والايجابية هي ذات قيمة كبيرة جدا بالنسبة إلى أي تنظيم، فكيف حين نتحدث عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ونحن على أبواب الدخول في العام 49 للانطلاقة المجيدة، والثقافة لا يمكن تشكيلها عبر عشية وضحاها، والقيادة ملزمة كما الأعضاء بهذا البناء الهام والفاعل، وعليها أن تشكل ورشات العمل والمحاضرات وبكل الوسائل المتاحة لأجل البدء في مسيرة الثقافة وليكن عام الانطلاقة الـ49 هو عام الثقافة التنظيمية وان توضع الأسس والمعايير التي من خلالها يتم البدء، وننهي حلقتنا السابعة بالقول أن فلسفة القيادة يدفعها الأسلوب الشخصي الذي يتأثر بمستوى الثقافة وينعكس على كافة المهام الحركية سلباً وإيجابا.
الى اللقاء في الحلقة القادمة