إسرائيل وروحاني والحزوري والجاغوب/ د. جمال نزال
من يراقب تصريحات القادة الإسرائيليين المركزة حول تشويه صورة الرئيس الفلسطيني دوليا يلاحظ أنه بات يحتل مرتبة العدو رقم واحد ليس فقط منذ أن بدأ حملة الحشد الدولي لفكرة الإعتراف العالمي بفلسطين كدولة في 2011 لتنجح في 2012. الدعاية الإسرائيلية لا تعيش دون عدو. واضح أن إسرائيل خسرت أهم عدو ممن درجت على الإستفادة من تصريحاتهم وهو أحمدي نجاد. تصريحاته كانت هدايا لا تعوض لإسرائيل. (ورغم أن بعض جهابذة الظلام في ساحتنا يحاولون تعويض إسرائيل عن فقدان هذا العدو الوفي فمن المؤكد أن إسرائيل لا تري في الظلاميين الفلسطينيين عدوا جديرا). فهم محروقون دوليا ومحليا ويعتبرون عدوا سهلا ارتضي ان يكون "ملطشة" منبوذة دوليا لا تنفع عليها "المراجل" الإعلامية صهيونيا..
وحماس مثلا مدرجة في اوروبا كمنظمة إرهابية. ولا تجد أوروبا صعوبة في تصديق أي كلام تقوله إسرائيل عن حماس التي تسهل على الإحتلال تشويهها من خلال التبرع المستعجب بتصريحات عنترية غبية تعتبر ذخرا دعائية ذهبيا للإحتلال وأصدقائه. إسرائيل تفضل تصريحات على طريقة: "سنرمي اليهود في البحر", "تجوع يا سمك!", "سأحرق نصف إسرائيل" , "ردا مزلازلا".. هذا هو "النفط الكلامي" الذي يحبه يمين إسرائيل. مؤخرا قال ناتانياهو إن روحاني ذئب في ثوب حمل. السبب هو أن روحاني نجح بنغمات هادئة في محاصرة دعاية ناتانياهو ووصل الى اتفاق تاريخي مع الغرب, والجمعة تم الإفراج عن نصف مليار دولار من ارصدة إيران المجمدة ووصلت فعليا لحساب إيراني في سويسرا! من يحاصر من؟ بالعقل أم بماذا؟
ماذا عن د. محمود عباس؟
ليبرمان: عباس والإرهاب الدبلوماسي! الرئيس أبو مازن ليس إرهابيا محروقا في العالم ولكنه رجل سلام مسؤول. يثق به العالم. ونجح في شرح الرؤية الفلسطينية للعالم بطريقة لم ننجح فيها من قبل. وتجد إسرائيل صعوبة كبيرة في تشويه صورته رغم التصريحات الخطيرة التي تطلقها لتصويره كعقبة في طريق السلام.
لا يجب الإستهانة بخطورة هذه التصريحات الحاقدة. فدوافعها خطيرة وشخصية. فقد خسر ناتانياهو في مواجهة الرئيس محمود عباس مواجهتين حاسمتين والثالية على الطريق وقريبا. الأولى عندما لوى عباس ذراع ليبرمان وناتانياهو في الأمم المتحدة ونجح في تمرير اعتراف عالمي بفلسطين كدولة. والثاني عندما تبنت أوروبا قرار التوصيات الإرشادية لوقف تمويل الأعمال البحثية في المستوطنات. والثالثة تطل برأسها على شكل تعرية عداء ناتانياهو للسلام في نظر العالم نتيجة إصرار الإخير على الإستيطان الذي سيفشل كل حل. المقاطعة الدولية مصير واقعي لإسرائيل إذا أفشلت المفاوضات. إسرائيل تعتقد أن هذا الخازوق من صنع دبلوماسية عباس.
لدى إسرائيل مشكلة حقيقية في مواجهة الرئيس أبو مازن. العالم يصدق كل شيئ يحكية هذا الرجل. فهو لا يطور قنابل نووية..ولا يمول تفجيرات داخل إسرائيل..ولا يتوعد بحرق تل ابيب ومحو إسرائيل.. بل يتحدث عن بناء فلسطين ومستقبل أطفال شعبه في دولة مستقلة لا تخطط لاحتلال أراضي أحد. هذه النغمة عسل على قلوب الدبلوماسية العالمية التي لا ترى في أبو مازن ما (لا) تراه في ناتانياهو من رجل كاذب يخدع العالم كله. نعم.. اليمين الإسرائيلي في أزمة فعلية. لا يوجد صدام حسين.. لا يوجد أحمدي نجاد.. حماس تبوس كل حذاء لأجل استمرار حكمها.. وحزب الله لم يطلق النار منذ 2006!!
ما العمل؟ "أنجدونا.. لا يوجد أعداء.. خذوا مملكتي مقابل عدو"- على طريقة الملك رتشارد الثالث في رواية شكسبير!
كيف نشوه صورة عباس؟
وجدتها! "التحريض"..
الأسبوع المقبل جلسة في البرلمان الهولندي دعى لها أصدقاء إسرائيل للتشكيك في التزام أبو مازن بالسلام.. أتوقع أن يكرروا نفس المواضيع التي سمعتهم يطرحونها عليه شخصيا في 2010 عندما زار هولندا:
لماذا تدعم أسر الإرهابيين الذين يدخلون السجون الإسرائيلية؟
لماذا ترفض الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية؟
لماذا تصر على حق 6 ملايين لاجئ فلسطيني في العودة إلى إسرائيل لتدمر طابعها اليهودي؟
لماذا لم تغير فتح -التي تقودها- المادة 12 من ميثاقها وهي تدعو لتدمير إسرائيل؟
لماذا تريد المصالحة مع حماس وهي تنادي بتدمير إسرائيل؟
لماذا لم تغير المناهج المدرسية الفلسطينية التي لا تعترف بإسرائيل؟
لماذا تترك تلفزيون فلسطين يحرض على العنف ويبث دعاية ضد إسرائيل؟
أبو مازن أجاب لهم على هذه الأسئلة. ومنذ تلك الزيارة تغيرت السياسة الهولنيدية إلى درجة أنها أصبحت في طليعة الدول التي تطبق التوصيات الإرشادية الأوروبية لمقاطعة الأعمال البحثية في المستوطنات ووقف تمويل التعاون معها.
تلفزيون فلسطين والصفحة المركزية لحركة فتح (التعبئة والتنظيم).
لا تتوقف إسرائيل عن التشكي مما تسميه التحريض في الإعلام الفلسطيني. وقد كان لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني نصيب الأسد من تلك الإتهامات. هذه الهيئة تقوم بدور طليعي ماجد في كشف وتوثيق وتصوير ممارسات الإحتلال. وهي مثابرة على ذلك منذ 20 عاما حتى يريد الواحد منا أن يتساءل: كيف كان العالم يسمع عنا قبل تأسيسها؟ سيختلف الناس في الحكم على نجاحها ولكنها صوت مهم للحقيقة الفلسطينية ويلاحقها الإحتلال كأنها تعمل بدعاية اللاسامية! أذكر أنني ناقشت هذه القضية عدة مرات مع مدير الهيئة الأخ أحمد الحزوري وهو واع لهذا المفهوم المحروق.
مؤخرا انضم لاعب جديد ليشاطر الهيئة كعكة السموم الإسرائيلية التي هي تهمة التحريض. التعبئة والتنظيم لحركة فتح أنشأت موقعا لها على الفيس بوك بإشراف المدون الفلسطيني منير الجاغوب. وقد (تعرض الموقع بداية "للتكفير" فتحاويا ثم انطلق ليصبح رقم واحد لفتح في الفيس بوك ب أكثر من 120 ألف مشارك). ويصل أسبوعيا لأكثر من مليون شخص تقريبا. الملفت فيه أنه يتحول لآرشيف وطني لصور شهداء فلسطين وخصوصا حركة فتح. وهنا مشكلة إسرائيل كما عبر عنها عدة مسؤولين بتصريحات ذكرت الموقع المركزي إياه بالإسم مرارا وتكرار. يحتفي الموقع بالتاريخ العسكري لحركة فتح ومقاتليها ولا يستحي من عرض صورهم وهم بالسلاح الكامل اثناء الإنتفاضة الثانية. ليس للتاريخ من ذنب في أن ذراع فتح العسكري قد تحمل إلى جانب الإجهزة الأمنية نصيب الأسد من العمليات العسكرية ضد الإحتلال وكذلك من التدمير الإسرائيلي المنهجي الثأري والإنتقامي.
إسرائيليا لا يجوز لمواقع فتح أن تحتفي بذكرى شهدائها ولا يحق للرئيس أن يكرم الأسرى لأن هذا دعم للإرهاب! إعلاميا فإن المطلوب من أحمد الحزوري ومنير الجاغوب وزاهر ابو حسين أن يشطبوا هذا الإرث الوطني في المقاومة وأن يغضوا البصر عن الجرائم الإحتلالية لكي لا يتهمنا الإحتلال بالتحريض. ليت الإحتلال يتكرم فقط بوقف القصف على غزة وقتل الأطفال كي يسهل علينا قلييييييلا أن نخف من نقل أخبار جرائمه المفضلة!
"صيدمة" الرئيس سياسة لن تنجح..
بيريز يقول: لدى عباس توجهات خطيرة. لفني تتوعد الرئيس بدفع ثمن مواقفه. الوزير يوفال شتاينتش يقول إن الرئيس أبو مازن أكبر زعيم لاسامي في العالم وهو رقم واحد في معاداة اللاسامية.. هذه التصريحات سياسة هدفها تدمير ابو مازن كرئيس لفلسطين باتجاه تحميله مسؤولية عدم الوصول إلى حل. هذه التصريحات ليست أوكسجين.. بل هي خطيرة جدا. الآلة الدعائية الإسرائيلية ساطية ونافذه. قد تنجح وقد تفشل. يجب ملاحظتها والتوقف عندها.
قد لا يملك الرئيس الوسيلة المباشرة لوقف هذه الحملة. ولكن نثمن له أنه لا يساهم بإنجاحها من خلال تصريحات على طريقة "الأعداء الحميمين" لاسرائيل. وهنا بالضبط مشكلة إسرائيل مع الرئيس والتفزيون ومواقع فتح. صعب أن يمسكوا علينا مماسك كالتي يغرق بها خصومهم المفضلون. لكن الموقف جلل ولا يحتمل الإهمال. وصلني في هذه اللحظة وثيقة إسرائيلية موجهة لأوروبا تتحدث عن مخصصات الإسرى التي تدفعها السلطة الفلسطينية وتقول الوثيقة إن السلطة تدعم الإرهاب من خلال محصصات الأسرى!