سيدتي .. نحن لا نحترم المرأة ..!... أكرم عطا الله
لا أعرف إذا كانت المرأة تنخدع بما يكتب من شعارات في هذا اليوم من العام حيث تنبري أقلام الكتاب وشعارات المسؤولين وبرقيات التهاني في الثامن من آذار، لا أعرف إذا كانت تدقق بين شعارات التمجيد والتبجيل وبين واقع غارق في التعامل معها على هذه الدرجة من الإقصاء والتهميش وإنكار الدور والإمكانيات ووضعها في منزلة أقل بما لا يقاس من منزلة الرجل حتى لو كانت تحمل أعلى الشهادات العلمية مقابل رجل لم يكمل تعليمه.
وتخطئ المرأة إذا لم تقف في هذه المحطة تنظر لنفسها وتعيد تقييم وضعها وتعرف أنها في أدنى درجات السلم الاجتماعي، حيث لا مكانة ولا احترام ولا مشاركة فعلية حتى في رسائل التهنئة والإشادة بدورها تستخدم لوصفها مصطلحات "مصنع الرجال .. أم الرجال ..أخت الرجال" وتذهب أبعد ارتباطا بخصوصيتنا الوطنية باعتبارها زوجة الشهيد وأم الشهيد وأخت الشهيد، أي لا تكتسب قيمتها إلا من خلال علاقتها بالرجل وتجري على ألسنتنا حكمة أن " وراء كل رجل عظيم امرأة " أما لا أحد يتحدث أن تكون المرأة عظيمة فالمرأة عندنا بلا عقل ولا فعل ولا دور ولا قيادة ولا ريادة، وحدود الدور لا يتجاوز ما يسمح به الرجل من مساحة يعطيها لها.
ونحن معشر الرجال سيعيدون بتلك الحالة التي احتكرت لنا التسيد في مجتمعات منزوعة السيادة والكرامة، فنحن الذين نفكر ودور المرأة أن تؤهل لنا الظروف المناسبة لنمارس عبقريتنا الكاذبة، فهي ناقصة عقل ودين ونحن نريدها عارضة أزياء وليست عارضة أفكار، نريدها جسدا بلا روح ونريدها خلف الرجل ولا نقبل أن تكون أمامه أو حتى تتساوى معه إلى جانبه، نريدها للنكاح وليس للكفاح، لتصنع الرجل لا أن تنافسه في ميادين الريادة، فمواقع القيادة محجوزة سلفا للرجال.
هل يمكن أن تعين امرأة وزيرة داخلية كما تساءل شاعرنا الكبير محمود درويش؟ وهل يقبل العقل الفلسطيني أن تقود المرأة وزارة مدججة بالأسلحة؟ فقط مكانها وزيرة المرأة أو وزارة السياحة إذا ما أردنا أن نكون كرماء؟ وبالمناسبة فقد أصبحت المرأة في بعض الدول الأوروبية وزيرة للدفاع وقائدا للقوات المسلحة، وللمفارقة فإن وزارات الدفاع التي تقودها تلك النساء هي التي يرتعد منها كل رجال العرب خوفا.
إنه استبداد الشرق والمجتمع الذكوري، الوالي مستبد والحاكم مستبد والمسؤول والرجل مستبد، نحن ورثة ثقافة الاستبداد والقبيلة التي يتسيد فيها الذكر، نحن ورثة ثقافة عمرو بن كلثوم الذي قال في بيت شعره البائس
" إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌ *** تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا "
فيما كنا نقتل البنات وهن أحياء، ونحن الذين نمنع خروج المرأة وحدها، ونحن الذين أسمينا المرأة بالحرمة "أي مشتقة من الحرام، ونحن الذين حددنا ماذا تلبس وقمنا بتغليفها من قمة رأسها حتى أخمص قدمها، ونحن الذين نعتبر المرأة فتنة بمعنى أنها مصدر كل الشرور في المجتمع، لذلك وجب تخزينها بعيداً عن أعين الرجال حتى تصبح مجتمعاتنا في مقدمة الدول، فشعرها فتنة ووجهها حرام وصوتها عورة وليس لها سوى التغليف والتبكيت.
نحن ورثة ثقافة بدائية تصر على السكن في وعي القبيلة، حالة ماضوية لا نريد أن تغادر قديمها، حيث كانت تتصارع القبائل على السيادة في حروب السيوف الممتدة لا دور فيها للمرأة سوى إنجاب رجال القبيلة المقاتلين، لهذا لا زال وعينا يقف عند مرحلة أنها مصنع الرجل وأخت البطل وأم القائد وليست كينونةً قائمة بذاتها أو ممكن الوثوق بكفاءتها، النتيجة أن مجتمعاتنا تعمل بنصف كفاءتها الحقيقية حين تعتمد على الرجال فقط، ولهذا ليس غريباً أن تكون في ذيل الأمم وباعتبارنا أمة تضحك من جهل الأمم الأخرى وتنبري بالدفاع عن ثقافتها البدائية ساخرين من ثقافات الآخرين، وتصل المأساة إلى الحد الذي نشفق منه على تلك الأمم إن كانت عيوننا وعقولنا شاهدة على حجم الاختراعات والاكتشافات المذهلة التي أنتجتها تلك الشعوب الحضارية التي عملت فيها المجتمعات بكل طاقات أبنائها.. المرأة إلى جانب الرجل في المصنع والعمل وقيادة الطائرة ورئيسة وزراء.
في كل عام تحتفل المرأة بيومها العالمي بكثير من الشعارات والمجاملات، تنشط مؤسسات المرأة الكثيرة في الحديث المعلق عن المرأة ودورها وقيمتها، وتكثر الدراسات عن المرأة ومكانة المرأة وتنمية المرأة، ولكن لا شيء يتغير من عام لآخر سوى شكل الطقوس المصاحبة لاحتفالات المؤسسات المعنية بها والتي ساهمت مع الزمن بالحفاظ على هذه المكانة الدونية للنساء، حيث العمل على قضايا سطحية بعيدا عن جوهر الأمر، غير قادرة على استغلال قوة وحضور النساء في الحشد والتلويح بقوتها، حيث الغياب الكامل عن الميدان الذي يشكل عنصر التوازن الأبرز حين يجري الحديث عن الحقوق وعن المشاركة في القرار، فلا أحد يعطي دوراً لأحد، والمشكلة أن المرأة كجزء من البنية الثقافية للوعي الشرقي افتقدت الثقة بنفسها وأصبح الجزء الأكبر من المجتمع النسوي أكثر تناغماً مع المقولات الذكورية وأكثر استسلاماً واقتناعاً بالعجز.
يجب أن تعيد الحركات النسوية جدول أولوياتها وتكف عن الاهتمام بالشكل دون المضمون، والمظهر دون الجوهر تبتعد عن القضايا السطحية التي يعمل عليها والتي لم تحدث أي تغيير حتى اللحظة، ففي أحد مؤتمرات المرأة تساءلت في ورقة عمل قدمتها كيف يمكن للمرأة أن تصبح قيادية في المجتمع أي تقود المرأة والرجل دون أن تدرس في جامعة مختلطة غير موجودة في غزة، تتأهل فيها على قيادة الطلاب مثلا كمقدمة لقيادة المجتمع، وسؤالي الثاني كان: لماذا لا تقاتل الاتحادات النسائية على أن تكون المنح الدراسية بالخارج مناصفة للنساء لتكسب تجربة الغربة وتصقل قدراتها كقائدة، إلى حين تصبح إجابات هذه الأسئلة جزءا من برنامج عمل منظمات المرأة واتحاداتها ومؤسساتها، سأتوقف عن اتهام المرأة بالتواطؤ ضد النساء.