الشهداء المنسيون"...-عيسى عبد الحفيظ
كثير من الشهداء لم يجدوا من يخلد ذكراهم المجيدة، أما عن جهل بهم، أو عن سهو، أو لم يتم ذكرهم لكثرة العدد. ولكن الشهيد يبقى شهيدا عند ربه يرزق.
ونحن في حالتنا الفلسطينية المعقدة، نحتفي كل يوم بشهيد تقريبا لأننا هنا ولأن الشهداء يسقطون هنا. ولكن هناك شهداء لم تسعفنا الظروف أو الوقت أو الكثرة لاعطائهم حقهم في التذكار والذاكرة.
قدم شعبنا الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء منذ مطلع القرن الماضي، وما زال يقدم حتى الآن. منهم من سقط في السجن، ومنهم من سقط في ساحة المواجهة، ومنهم من سقط غيلة وغدرا.
التقيت بالصديق عمر غيث في احدى المناسبات، وكان حوارنا حول الشهداء (المجهولين) الذين مروا على ذاكرتنا الفلسطينية المشبعة بالأسماء والارقام مرور الكرام. القادة الشهداء لهم منا كل الفخر والاعتزاز والرحمة. نكتب عنهم وعن دورهم في صياغة الحلم الفلسطيني وفي جهودهم لاخراجه من حالة التصور الى حالة الواقع، ومن حالة الحلم الى حالة الحقيقة، ومن حالة الرغبة والأمنية الى حالة التحقيق، اليست الثورة حلما ينمو في رحم المستحيل؟
أما الشهداء الذين سقطوا بصمت، فهؤلاء ما ينبغي ان نبحث عنهم في تلافيف الذاكرة، ووهج الوجدان.. ومن هنا كان سؤالي للأخ عمر غيث وأوجه هذا الطلب الأخوي لكل قارئ ان يسعفني في المعلومة عن أي شهيد فلسطيني سقط داخل الوطن أو خارجه، داخل السجن أو المعتقل، في اي فصيل فلسطيني أو خارج نطاق الفصائل.. وهنا لا بد من الاشارة الى المجهود الجبار الذي قام به الصديقان محمد البيروتي وحافظ ابو عباية لتوثيق حوالي خمسين اسما لشهداء عايشوهم في سجون الاحتلال، والقلة منا كانت قبل صدور الكتاب تعرف عنهم شيئا يذكر.
لذا، ها أنا بانتظار الاتصال من أي اخ يعرف سيرة شهيد ووقائع استشهاده حتى نعمل معا لتخليده ولو بمقالة على صفحات جريدة «الحياة الجديدة».
اليوم، شهيدنا سقط في حرب اكتوبر المجيدة، حرب اختراق خط بارليف العنيد، وكسر عقدة الهزيمة، هزيمة حزيران 1967. اسمه شحدة عبد الله نعيم من بيت حانون، حمل شحدة سلاحه الفردي، وقرر ان يساهم بالمعركة على طريقته الفدائية بأن يتسلل خلف خطوط العدو. الاحوال ملائمة فالجيش الاسرائيلي اكثر من نصفه على الجبهة السورية التي استطاعت احتلال سفوح جبل الشيخ بل وقمته والمرصد الهائل الذي يقال انه يستطيع كشف الطائرات وهي تغادر اجواء ايران.
لا يعلم احد كيف ومتى بالضبط سقط شحدة ولكن ما علم انه وبعد شهر كامل على نهاية الحرب، وجد معلقا بالسياج الشائك وقد جف جسده ونالت منه سباع الليل ما نالت. كان معلقا على الشريط الشائك في جنوب لبنان موليا وجهه شطر الوطن وقد ثقبت رصاصات الرشاش الثقيل جسده كالغربال.
تم انزال الجثمان ليوارى التراب في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك مع لافتة حجرية بسيطة بعد البسملة تقول: شحدة عبد الله نعيم؟!
لا يعرف احد مكان ميلاده سوى انه أتى من بيت لاهيا، ولا يعرف احد تاريخ ميلاده، ولا يعرف احد تاريخ استشهاده، سوى انه سقط ابان حرب اكتوبر، وسقط من اجل فلسطين.
تلك حكاية شحدة، ومثلها في تاريخنا الفلسطيني الحديث مئات الحكايات، فلنعمل جميعا لايقاظ الذاكرة، لأن للشهداء علينا أمانة وواجبا، فلنحاول جميعا وهذا أضعف الايمان.