جامعة بيرزيت.. ويهودية الدولة... -عبد الناصر النجار
لا ندري لماذا اختار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جامعة بيرزيت لكي تكون منبراً لخطاب يريد من الرئيس أن يعلن فيه قبوله بالدولة اليهودية... لعلّ السبب يعود إلى أن الجامعة ما زالت عند الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إحدى الركائز الأساسية للعمل الوطني، أو لأنها خرّجت معظم القيادات الفلسطينية في الصف الأول أو الصف الثاني... أو لأن طلبتها هم "الأكثر راديكالية" وفق تعبير بعض وسائل الإعلام، خاصةً بعد وقوع حوادث لشخصيات أجنبية زارت الجامعة ولم تعجب آراؤهم بعض الطلبة أو لأن مواقف حكوماتهم في تلك الأيام لم تكن تتساوق مع رؤية دول وشعوب المنطقة للاعتداءات الإسرائيلية.
ولكن بصرف النظر عن مسوّغات نتنياهو لهذا الاختيار، فإن ردّ الجامعة كان واضحاً خلال الأيام الماضية... وحددته الحركة الطلابية بكافة مكوناتها بعد أن اغتال جنود نتنياهو الطالب في دائرة الإعلام ساجي درويش بدمٍ بارد... كانت صرخات المشيعين تؤكد فلسطينية هذه الأرض التي زرعتها قوات الاحتلال على مدى 45 عاماً بمئات المستوطنات التي شوّهت الأرض، فترى هذه الكتل الإسمنتية كالسرطان تنتشر في جسم الأرض الفلسطينية.
كان الأحرى بحكومة نتنياهو أن تستجيب لنداء السلام الفلسطيني الممتد على فترة مفاوضات ستدخل عقدها الثالث دون أن يكون هناك بصيص أمل... حيث أعطى الفلسطينيون كل ما يمكن في سبيل سلام عادل... لم يتبق لهم من أرض فلسطين التاريخية سوى أقل من ربعها... رغم أن قرار التقسيم الذي رفض في حينه كان يعطي الفلسطينيين نصف أراضي فلسطين التاريخية... وقد تنازل الفلسطينيون في اتفاقات أوسلو أكثر بكثير مما هو متوقع.. ورغم ذلك لم يحصل الفلسطينيون على الحد الأدنى مما هو منصوص عليه في هذه الاتفاقات... وظل الاحتلال سيد الموقف ولكن بصور مختلفة... بمعنى أنه قد يكون غادر فناء المنزل ولكنه ما زال أمام البوابات والنوافذ الرئيسة...
إذن يهودية الدولة ليست إلاّ مسماراً أخيراً يدقه نتنياهو وحكومته في نعش جهود السلام التي تحاول الإدارة الأميركية إنعاشها بشتى السبل... وأهمها مزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية تهديداً ووعيداً، وربما في بعض الأحيان رشوة في هذا المجال أو ذاك، وخاصة الوضع الاقتصادي والمالي الصعب للسلطة الفلسطينية.
إن هذيان القيادة الإسرائيلية لم يكن لولا هذا الضعف العربي.. مع ربيع لم يزهر قط، بل تحوّل إلى مزيد من الجفاف والأشواك الضارة المنتشرة هنا وهناك.
الأخطر هو زجّ الدين بطريقة فجّة ليس لشيء إلاّ لكسب مزيد من الوقت، مع تسارع مسلسل التهويد، خاصة في القدس والمنطقة المحيطة بها، لتكثيف البناء الاستيطاني والاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية.
إذن بيرزيت قالت كلمتها مدوّية لنتنياهو وليس فقط الجامعة، ولكن الجامعات الفلسطينية جميعها والحركة الطلابية قاطبة... ونحن نلاحظ أن جيلاً من الشباب اليوم هو أكثر قوةً وإصراراً على الحفاظ على الثوابت الوطنية، وتصميماً على الحق الفلسطيني رغم كثرة الأعداء وتعددهم...
قد يرى البعض أن الوقت ليس في صالح الفلسطينيين، وكلما تأخروا فإن قضيتهم تفقد وهجها... ونحن نقول بالصمود وبقوة الحق إن لم يستطع هذا الجيل فليترك ذلك للأجيال المقبلة... ولكن لا تسجلوا على أنفسكم أيها الفلسطينيون والعرب أنكم تنازلتم مقابل لا شيء... وتراجعتم في سبيل إنجازات وهمية...
الفلسطينيون والعرب هم الأصل في هذه المنطقة... وسيظلون كذلك... وكل المحاولات من أجل اقتلاع الفلسطينيين ستفشل... كما أن كل الجهود التي يبذلها نتنياهو وقيادة الاحتلال وحلفاؤه من أجل ما يسمى الدولة اليهودية لن تكون إلاّ هباءً منثوراً.. دم الشهيد ساجي كان أكثر من خطاب وأهم لغة واقعية، فهل وصلت الرسالة إلى آخر احتلال في هذا العالم!.