لقاء الابراشي مع دحلان.. عهر إعلامي...- بشار دراغمة
ما أقبح أن يكون الاعلام مبتذلا، وما أسوأ أن ينظر إليه الناس بصفته دجالا، منافقا، كافرا، عاهرا، اطلق ما شئت من المصطلحات فإعلامنا العربي وفضائياته الرنانة وصل إلى هذا النحو، وتدحرجت الكثير من وسائله في واد سحيق من انعدام المسؤولية، وتعرى من كل شيء يسمى موضوعية، والتزم بكل أشكال النفاق وتجاهل أي شيء اسمه مصداقية، فتشاهد مقدم البرامج مادحا ممجدا لضيفه، إلا إذا كان مواطنا مسكينا فإن اللوم دائما عليه، ويكون المواطن من باع القضية.
في هذا المقال اتحدث إعلاما ولا أتحدث سياسة، وما دفعني للكتابة هو حال الإعلام المحزن في الفضائيات العربية.
منذ يومين تابعت مقابلة محمد دحلان على فضائية دريم المصرية، و«الله لا يسامحك» يا وائل الأبراشي سهرتني ثلاث ساعات وأكثر، ولم أسمع صوتك في الحوار إلا قليلا لتقول «فاصل ونعود» أو تعيد تكرار ما قاله محمد دحلان أحيانا، والأسئلة التي كنت تطرحها كانت بمثابة أجوبة، وكنت مجاملا إلى درجة شعور المشاهد بـ»القرف».
حوار الأبراشي مع دحلان أو «مجاملاته» إن صح القول، لم يكن الأول الذي استمع إليه للأبراشي، فقد شاهدته من قبل قويا صلبا مع سياسيين وفنانين وحتى مع الراقصات، لكنك مع دحلان كنت مهادنا إلى درجة الاستسلام، ومجاملا إلى درجة الدجل، ومكررا للكلام حتى ظننت أنك ببغاء.
عندما انتهى الحوار، قلت في نفسي «صارت صايرة» ففتحت صفحات الفيس بوك، وكل ما كانت تقوله الناس هناك عن الحوار بأنه مدفوع الثمن فالبعض يسأل الأبراشي «كم قبضت» والبعض الآخر يقول «أكيد دريم قبضت الملايين» على حوار بهذا الشكل ويقول آخرون إن الحوار لخضع لعمليات منتاج قاسية بطريقة واضحة، فظهر على أنه خطاب وليس حوارا، وربما ذكرنا ذلك في خطابات معمر القذافي، وهوغو تشافيز، وفيديل كاسترو، ومن قبلهم اتاتورك الذي سمعت عنه ولم استمع إليه.
لن أقيم خطابات ولا حوارات وليس هذه وظيفتي، لكن واقع الإعلام العربي في مجمله يشعرنا بالحزن، وما أسوأ حالنا عندما نعرف أن صفحات في الفيس بوك لدى الغرب ربما تكون أصدق من فضائيات العرب، وما أبشعنا عندما نعرف أن مدونات يديرها هواة في أماكن مبعثرة من العالم حالها أفضل بكثير من صحف تكدس المئات من الموظفين لإصدارها.
مأساة الإعلام العربي أنه في كثير من الاحيان إعلام ممول، ولا يعتمد على ذاته، فهنا يسقط صوت الإعلام وترتفع أصوات مموليه.
حوار الأبراشي ودريم مع دحلان ليس إلا نموذجا على حالة التردي الإعلام، فقد سبقه الكثيرون، والكل يعلم كيف جندت الفضائيات العربية نفسها أو «عفوا» جندها ممولوها لخدمة طرف ضد الآخر في الثورات العربية، ولم تكن إلا عصيا في يد دافعي الاموال، ومن كنا نظن أنهم موضوعون سقطت كل أوراقهم فتعروا من كل قيم الأخلاقيات الإعلامية.
لا زلت أتذكر عندما درست في الجامعة مساقا بعنوان «الأخلاقيات الإعلامية»، كان مليئا بالقيم الإعلامية الرائعة، وكانت خلاصة المساق أن مصلحة الناس وكشف الحقيقة بموضوعية ومهنية يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وفي الأغلب فإن مقدمي البرامج وكبار الصحفيين يعرفون ذلك، ولو استضفتهم في برنامج عن الأخلاقيات الإعلامية لأشبعوك عبرا ومواعظ، لكنهم على أرض الواقع وفي بعض الأحيان يجدون أنفسهم صغارا أما التعليمات والإغراءات.
لا يوجد إعلام مثالي في العالم، ولا يوجد صحافة موضوعية بدرجة 100% في العالم بأسره، لكن يوجد إعلام يبحث عن الجزء الأكبر من الحقيقة، بعيدا عن المجملات والمهادنات والدولارات، وكم أتمنى أن يصل إعلامنا العربي إلى هذه المرحلة.